كلما تقدّم الانسان في السنّ كلما تقرّب أكثر من خصوصيّة الهويّة المقطوعة له من الطائفية والمذهبية الى العقائدية والايديولوجية والأسطرة التي تسيطر على عقول ملايين البشر .

لم يُعرف عن الرئيس نبيه برّي أنه طائفيّ بالمعنى السلبي للمفهوم أو مذهبيّ بالمعنى التطرفي فهو بدأ حياته السياسية كقومي عربي أُبان الموجات الأولى للنهضة القومية واستحضره الظرف الاقليمي والوهن القيادي في حركة أمل الى رئاسة طائفة مشغولة في تفكيك عقد الداخل اللبناني لفتح فضاءات داخل السلطة لطائفة كانت محرومة .

دفع المكان الطائفي الحركي الشاغر بشخصية من خارج الهوية والخصوصية الى الدفاع والهجوم من الموقع الطائفي المفقود وبالاستناد الى حسابات اقليمية سورية تحديداً على خصومة متعددة الاشكال والألوان والهويّات من المقاومة الفلسطينية الى الحركة الوطنيّة الى اليمين اللبناني المسيحي الى الاسلامية المذهبية والمتمثلة آنذاك بحزب الله .

ونتيجة لنضالات طائفية مكثفة ولسيطرة سورية الكاملة على لبنان وسقوط وتدهور المشروع الفلسسطيني واليساري اللبناني نتيجة للاحتلال المباشر للبنان من قبل اسرائيل ولسؤ الفعل النضالي للمقاومة الفلسطينية وحلفائها والحروب الطاحنة بين مكوّنات  الكفاح الفلسطيني – اللبناني . وبروز الأحزاب الطائفية كقوة واقع وسيطرة وبدائل أكيدة شرعت في انتاج ازماتها المتلاحقة من تاريخ نشأتها السياسية وحتى اللحظة الراهنة.أمسك الرئيس نبيه بري بعصا السلطة انطلاقاً من حصرية تمثيله القسري للطائفة الشيعية وحصرية تمثيله السلطوي للنظام السوري في لبنان ولكنه لم يفلح في المحافظة على حصريتيّ تمثيله لسورية وللطائفة نتيجة لممارسات أمنية سلطوية قهرية وسياسية احتكارية أسست لخصوم جُدد من داخل الطائفة ونتيجة لتحوّل حزب الله من مقاومة محاصرة من أمل الى حزب شلّ الحركة وببعد عربي سوري واقليمي ايراني وبذلك نافس الحزب  الرئيس بري وخطف منه الحماية السورية التي وفرّت له وباستمرار الدور الريادي في الطائفة وفي الطائف .

عندما بلغ حزب الله مرتبة الدور المتجاوز لحدود الكيان وأصبح الرهان عليه كلاعب تنفيذي أكبر بكثير من الدور القادر عليه الرئيس نبيه بري في ظل تراجع أمل تنظيميّاً بفعل التفرّغ لثروة السلطة التي كبُر رأسمالها مع مجيء الرئيس رفيق الحريري الذي أغدق على الطبقة السياسية سيولاّ من السيولة المالية ومن العملة الصعبة التي جرفت الجميع دون استثناء .

خفض الرئيس نبيه جناح الرحمة لخصمه اللدود حزب الله الذي اجتاحه بالكامل ولم يترك له سوى رئاسة المجلس وحصّة الشيعة في الدولة دون أن يكون له أيّ دور في القرار الطائفي الذي أحتكره بري منذ السبعينيّات من القرن الماضي . وخفضُ الجناح  هنا أدّى بالرئيس برّي الى خضوع كامل مخافة اخراجه المحتمل من كرسيّ الرئاسة ومن حصّة السلطة وقام في أناء الليل وأطراف النهار الى تأكيد تمسكه بالمقاومة وبطريقة أظهرته كملك أكثر من الملك نفسه وبالطائفة كوحدة جامعة ومملوكة لصالح أمل وحزب الله من خلال تفسير تحالفه مع حزب الله بتفسيرات أسطورية مرضية للمزاج المذهبي المسيطر الآن وبالكامل على المجموعة الشيعية اللبنانية باعتبار تحالف أمل – حزب الله كشفرتيّ سيف الامام على (ع) .

وكان سقوط النظام السوري في حفرة استبداده لصالح حزب الله الذي أسر الطائفة وأخضعها للمشيئة الايرانية دون أن يكون لأحد دوراً خارج ما تراه القيادة الايرانية المسؤولة عن ادارة العملية السياسية للشيعة في أماكن تواجدهم .

لم يبقى أمام الرئيس بري سوى التسليم والمحافظة على ممتلكاته في السلطة من خلال التكيف مع الواقع الجديد والذهاب بمزايدة أكبر مع حزب الله طائفيّاً ومذهبياً ومحوريّاً فقلدت حركة أمل حزب الله في كل شيء من اللباس الى المناسك والأحيائيات اليومية لأهل البيت بحيث لم يعد أمام حركة أمل سوى مهمة العزاء على الامام الحسين وأهل بيته وزيارة المراقد بحملات مكثفة ولم تتميّز أمل عن حزب الله الاّ بفعل واحد الا وهو عدم القتال في سورية لصالح ايران .

صمد حتى الان الرئيس نبيه بري واستطاع أن يبقي خيطاً من الاختلاف قائماً ما بين أمل وحزب الله من خلال عدم مشاركته في الحرب الدائر في سورية وهذا ما أفاد الرئيس عربيّاً ودوليّاً وأبقاه عنصراً لا غنى عنه في ظلّ موجة جارفة لرموز سلطوية شاخت على كراسيها وثمّة نقمة عارمة تطالب بعزل من بلغ من السلطة عتيّاً من الزمن وكأن السلطة ارثاً لهم .

لذا يقرأ الكثيرون زحف أمل غير المسبوق مذهبياً هو نتاج حالة المنافسة مع حزب لا يُنافس في ظل انعدام التوازن داخل أطراف الطائفة وتعبير مكروه من قبل رئيس أُجبر على خيارات صعبة وهي لا تتوافق مع منطق ايمانه القومي بأمّة عربية لا بهويّة مذهبية تستدعي معادة شعوب ودول الأمّة العربية . ويقرأ القليلون حبو حركة أمل نحو المقدّسات المذهبية كمظهر من مظاهر الالتحاق القسري بالموجة المذهبية الجارفة والممزقة للنسيج الاجتماعي في أكثر البلدان التي يتصارع فيها وعليها الايرانيّون والسعوديّون والتي تُرفع فيها ثارات تاريخية لنبش أجداث التاريخ من جديد ولا طائلة لحركة طائفة سوى الانصهار في بوتقة المشروع المذهبي مخافة من فقدان دورها الطائفي في مرحلة تاريخية تنضج فيها احتمالات عاصفة في التغيير لصالح التطرف على حساب الاعتدال الذي مثلته وادعته الحركة منذ تأسيسها على ثوابت وطنية اعتدالية ومازال الرئيس نبيه بري يحرص في دعواته على اعتداله أمام التطرف بطبعتيّه الشيعيّة والسُنيّة .