لأول مرة بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيران بادر رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف المرشح الخاسر في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة بتعميم قرار بالفصل بين الموظفين والموظفات في مبنى بلدية طهران والمراكز التابعة لها.

أثار هذا القرار ضجيجا واسعا في الداخل والخارج. حيث أن تنفيذ هكذا قرار مكلف جدا ومربك للتنظيم الإداري وبحاجة إلى تغيير الوظائف مما يعرقل أمام الحركة الإدارية في بلدية مدينة يقطنها أكثر من 12 ميليون نسمة.

برّر قالیباف قراره بأن الغیرة الدينية لا تسمح باختلاط الموظفين والموظفات في غرفة واحدة، في مراكز التابعة لبلدية طهران.

 

بطبيعة الحال الإصلاحيون ومعظم رجالات حكومة الرئيس روحاني، اعتبروا هذا القرار، خاطئاً . صادق زيبا كلام استاذ العلوم السياسية بجامعة طهران في رسالة مفتوحة بعثها إلى قاليباف اتهمه باستمالة المحافظين وأكد له بالمردود العكسي لهذا القرار حيث سيكون على حسابه ويخفض من شعبيته، بدل أن يزيد منها.

ووعبر علی ربیعی وزير العمل والشؤون الإجتماعية في حكومة روحاني عن معارضة الحكومة لمشروع الفصل بين الجنسين في أماكن العمل.

وأما المرجع الديني الإصلاحي الشيخ أسد الله بيات، رداً على سؤال حول الفصل بين الجنسين في الجامعات والمجتمع، تساءل: لو كان من الضروري الفصل بين المرأة والرجل في المجتمع، ألم يكن من الأولى أن يوضع ستار بينهما في حال طواف الكعبة التي يطوفها الرجال والنساء، وهم مختلطون؟!

أما المحافظون، رحبوا بهذا القرار، بينما هم عند ما كانوا يملكون جميع السلطات والمراكز الحكومية طوال ولايتي أحمدي نجاد، لم يخطر ببالهم تعميم هكذا قرار، وبل على العكس، صرح الرئيس احمدي نجاد بأنه يرغب في السماح للنساء بدخول ملاعب كرة القدم وتفرج تلك المباريات، في خطوة مستفزة للمراجع الدينيين التقليديين.

أشاد إمام جمعة طهران المحافظ المتشدد كاظم صديقي بقرار رئيس بلدية طهران، معتبراً إياه أهم وأعظم من فتح نفق نيايش فی وسط طهران وطوله قرب 7 كيلومترات! علماً بأن فتح هذا النفق الطويل الذي خفف الكثير من زحمة السير في طهران، يُعتبر من أهم إنجازات قاليباف في فترة رئاسته على بلدية طهران والتي استمر لأكثر من 9 أعوام.

 

لم يترك المحافظون الساحة بعد هزيمتهم في الإنتخابات الأخيرة ولم يتوانوا عن أي عمل من أجل عرقلة مسار الحكومة، بل فتحوا أكثر من محور للصراع مع حكومة روحاني، بدأ من تخوين الدبلوماسيين المفاوضين مع الدول الست حتى مطالبة الحكومة بمكافحة اللباس غير الشرعي للنساء، مما أثار استياء الرئيس روحاني الذي صرّح بأن مشكلتنا وقضيتنا هي الإقتصاد الضعيف وليس لباس النساء، ويجب علينا العمل من أجل إنعاش الإقتصاد، وارتقاء مستوى المعيشة للمواطنين.

ولهذا تهجم أحمد علم الهدى إمام جمعة مشهد على الرئيس روحاني معتبرا إياه بالإستلاب أمام الغرب، وتجاهل الحقيقة التي تفيد بأن تحسين الوضع الإقتصادي، رهن على تحسين لباس النساء، والتزامهن باللباس الشرعي!

ولم يوضح إمام جمعة مشهد حقيقة العلاقة بين هذا وذاك، ولكنه أسوة بنظيره الطهراني أشاد بالقرار الصادر من رئيس بلدية طهران، الذي وصفه بالمتدين، مما يتضمن اتهامه الرئيس روحاني بغير المتدين، واعتبر علم الهدى، أن الفصل بين الجنسين، هو إكرام للمرأة وليس إساءة لها.

 

ما ذا حصل بعد ثلاثة عقود ونصف أي بعد أكثر من ثلث القرن، حتى وصل قاليباف ومعه المحافظون في إيران إلى غيرة دينية تتطلب هكذا قرار، بينما جميع المحاولات السابقة لفصل المرأة والرجل في الجامعات، أدت إلى الفشل، حيث أن الإمام الخميني في بداية الثمانينات فور أن علم بوضع سياج أو ستار داخل الصفوف في احدى الكليات بجامعة طهران، يفصل بين الشباب والبنات، أمر بإزالته، في نفس الليلة التي اطلع به عبر حفيدته الطالبة وقتها في تلك الجامعة، وأصر على إعادة الوضع إلى ما كان عليه، قبل مجيئ اليوم التالي. ألم تكن هذه الغيرة متوفرة حينها؟