في أحد الفيديوات، الذي نُشر مؤخراً على يوتيوب، تظهر مجموعة من حزب الله، في حين يوجه عناصرها الصفعات إلى عدد من السوريين بمنطقة عرسال. في لحظةٍ، يقول واحد من المجموعة لضحيته، التي تتلقى ضرباته:"ليك ما إلنا شغل إلا إنتو، يا بتحكي، يا بضل نازل فيك خابيط، متفاضيين لبليل". قد يختصر هذا المشهد، وعباراته، وجهة حزب الله الجديدة، التي، حين قصدها، دفاعاً عن نظام بشار حافظ الأسد، كشف عن دوره الأكثر ملائمةً لإديولوجيته الطائفية، وذلك، بعيداً من تقنعه بفعل المقاومة في جنوب لبنان. بعد ذهابه إلى سوريا، أصبح أوضح في جسمه التنظيمي، وفي سوكيات مقاتليه، فضلاً عن تسعيره الخرافات الدينية، بعد أن كان، على طول سنوات، يخففها بخطاب "وطني"، ركيزته مواجهة الإحتلال الإسرائيلي. في حال المقارنة بين حزب الله، في مرحلته الجنوبية، والآخر، في مرحلته السورية، يظهر كأن الطرفين يتناقضان بطريقة كاملة، إلا أن، من ناحية أخرى، يبدو كأن سلوك حزب الله في سوريا كان غير غائباً عن سلوكه الجنوبي، بل ظل كامناً في داخله، إلى أن حل الوقت، الذي وجد فيه حزب الله أن السوريين، الثائرين على نظام البعث، يستوفون كل شروط عداوته: الهوية الدينية مختلفة، الانتماء إلى شعب، اعتاد اللبنانيون على النظر إليه بعنصرية، ومن ثم، هؤلاء الأعداء الجديد، يريدون إسقاط نظام، هو على علاقة مع النظام في إيران. لقد انكشف حزب الله في حربه السورية، أكان عسكرياً، أو إديولوجياً، فمن جهة، لم يعد خافياً على أحد أنه يرسل المقاتلين إلى الداخل السوري، الذين، استطاع الناس أن يشاهدونهم في قلب المعارك، بسبب الفيديوات المسربة من هواتفهم المحمولة. فغالباً ما تظهر صورة عنصر حزب الله بعد موته، أما اليوم، فبمقدور الجميع أن يشاهده خلال معركته، ملاحظاً سلوكياته، التي تزيل علامات الأسطرة عنه، وتنقل من مقاوم إلى مجرد مقاتل. ومن جهة أخرى، ثمة كشف حزب الله عن خرافاته الطائفية، التي استخدمها لحث الشباب على القتال في سوريا، أو من أجل القبض على المجتمع الشيعي، الذي يخسر مكوناته، الواحد تلو الآخر، بحجج حزبية، توهم بالدفاع عن عنصر المقام الديني، بعد أن كان "المقاومة" الوطنية. وبالعطف على فيديو عرسال الأخير، من الممكن القول أن عبارته "ما إلنا شغل إلا إنتو"، تشير إلى أن حزب الله وجد في السوريين عدوه الملائم، كما أنه تنازل عن دوره الجنوبي، أو علقه على الأقل، وهذا ما دلت عليه عبارة "متفاضيين"، التي لحقتها عبارة "حتى الليل"، ذاك، أن الحزب، في ذهابه إلى سوريا، وانقشاعه هناك، وجد نهاره، الذي يمضيه بممارسة ما يملك من قوة بائنة أو كامنة، ولا يبدو أنه سيتراجع قبل أن يسقط المجتمع الشيعي في "ليله" الدامس. بين 25 آيار 2000، واليوم، كان حزب الله يبحث عن "نهاره"، الذي بمقدوره أن يكشف عن الكامن فيه، وها هو قد وجده بعد 14 عام.