بعد ساعات قليلة من بدء العمليات الجوية على مواقع تنظيم «داعش» في شمال وشرق سوريا في الرقة ودير الزور، في سياق الائتلاف الدولي الذي يضم دولاً اوروبية وغربية وعربية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، وفي الوقت الذي بدأ فيه الرئيس تمام سلام محادثاته في نيويورك، والتي شملت في اليوم الاول، الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، وكلاً من العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني والرؤساء: مصر عبد الفتاح السيسي والعراق فؤاد معصوم، وقبرص نيكولاس انستاستندز، وتركزت على التحديات التي يواجهها لبنان سواء في ما خص التداعيات السورية على ارضه من احتجاز العسكريين لدى الجماعات المسلحة المتطرفة في جرود عرسال، او في ما خص استقبال النازحين السوريين على اراضيه والاعباء الناجمة عن ذلك، اطلق الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، سلسلة من المواقف تتعلق بهذه التحديات، والتي يمكن اختصارها بموقفين بارزين:
الاول: اعلانه دعم الحكومة في العمل بكل الوسائل لانهاء قضية احتجاز العسكريين المخطوفين بما في ذلك التفاوض، مشترطاً ان يكون هذا التفاوض من موقع القوة، وليس من خلال التوسل والضعف، داعياً للابتعاد عن هذا الملف في الاعلام، وان تطلق يد الجهة المعنية بالتفاوض، ملمحاً الى اداء خاطئ في بعض مراحل معالجة القضية.
والموقف الثاني: ولعله هو الاخطر، من بين المواقف العلنية الذي يأتي بالتزامن مع العمليات العسكرية للتحالف الدولي في العراق وسوريا، والذي يمكن تلخيصه بالآتي:
1- موقف مبدئي ضد التدخل الاميركي سواء كان التدخل يستهدف «داعش» او النظام السوري.
2- «نحن لا نؤيد ونرفض ان يكون لبنان جزءاً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الارهاب»، حسب السيد نصر الله الذي اضاف: «لبنان ليس بحاجة الى هذا التحالف».
وكشف ان هذا الموقف ابلغه لمجلس الوزراء وزراء الحزب من زاوية رفض التحالف وانخراط لبنان به، ليس من زاوية النأي بالنفس، وانما من مخاطر فتح مطارات او تحويل لبنان الى قاعدة وارضه الى محطة للعمليات.
واعرب السيد نصر الله عن اعتقاده بأن لبنان بدولته وجيشه وتضامن شعبه قادر على مواجهة الارهاب وهزيمته في لبنان.
وفي رد مباشر على الشريط المسجل الذي بث عبر شاشات التلفزة على لسان الناطق الاعلامي باسم كتائب عبد الله عزام الشيخ سراج الدين زريقات والذي هدد فيه بأن «المجاهدين الذين اخذوا العراق خلال أيام، في أيام سيكونون في وسط بيروت»، أكّد نصر الله: «لا أحد يستطيع أن يُهدّد بالوصول إلى بيروت، ولا أحد يمكنه التهويل على اللبنانيين بذلك».
على أن اللافت في مواقف نصرالله هو دعوته اللبنانيين إلى أن يكونوا مستنفرين لمتابعة التطورا، وأن يكونوا أيضاً منتبهين وحذرين ويقظين لكي يستطيعوا دفع خطر الارهابيين.
ولاحظت مصادر أمنية أن هذه الدعوة لم تكن فقط للتنبيه، بل استناداً إلى معلومات عن احتمال عودة العمليات التخريبية في بيروت والمناطق، مشيرة في هذا الصدد إلى إجراءات أمنية بدأ باتخاذها الجيش والقوى الامنية في العاصمة من خلال تكثيف الدوريات في الشوارع والحواجز للمراقبة والتفتيش.
ولوحظ أن مواقف نصرالله أتت في وقت دعت فيه كتلة «المستقبل» إلى دعم الحكومة ورئيسها من دون قيد أو شرط في معالجة ملف العسكريين المخطوفين، فيما دعا تكتل «الاصلاح والتغيير» إلى إعطاء الجيش الغطاء المطلوب والصلاحيات للقيام بما يلزم، رافضاً كل كلام عن حرب أهلية.
لكن مصادر نيابية في قوى 14 آذار، قالت لـ «اللواء» أن مواقف نصر الله، لم تحمل جديداً، وانه لم يكن فيها شيء جوهري، وهو قصد تحسين صورته امام أهالي العسكريين الذين حملوا «حزب الله» مسؤولية عرقلة مفاوضات إطلاق ابنائهم، وقد تعمد في اكثر من محطة ان يتوجه إلى هؤلاء قائلاً: «ان الذين يقولون لكم ان الحزب رفض مبدأ التفاوض يكذب عليكم»، مضيفاً «وكل من يقول غير ذلك هو كاذب ومخادع ومنافق»، واصفاً اتهام الحزب بأنه «توحش سياسي».
قضية المخطوفين
وعلى الرغم من هذه التطورات، فان قضية العسكريين المخطوفين بقيت في واجهة الاهتمام، وأعلن الرئيس سلام انه سيبحث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إمكان القيام بوساطة للمساعدة في إنهاء هذا الملف، لافتاً إلى أهمية المساعي القطرية، وداعياً إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتفويت الفرصة على الارهابيين الذين يعملون على زرع البلبلة والفتنة المذهبية في لبنان، مؤكداً أن ثقته كاملة بالجيش اللبناني، وأن التفاوض مفتوح لاستعادة العسكريين.
ولفتت مصادر وزارية لـ «اللواء» إلى أن هذا الملف يقع في صدارة أولويات المتابعة الحكومية، وستكون بنداً رئيسياً في اللقاءات والاتصالات التي سيجريها الرئيس سلام في نيويورك وكذلك الوزراء الأعضاء في خلية الأزمة، لكنها لاحظت أنه سيبقى محاطاً بالسرية حفاظاً على سلامة العسكريين والملف.
ووصفت المصادر ما يتردد عن أجواء إيجابية أو ما شابه ذلك بأنه تأويلات، وأن الحكومة، وهي المعنية بهذا الملف لم تتلق أي أصداء معينة، وأنه ليس هناك من معلومات حول كيفية لقاء زوجة المخطوف علي البزال بأعضاء في جبهة «النصرة»، عدا ما قالته هذه السيدة، وأن الهدف الأساسي ما يزال يقوم على ضرورة وقف قتل العسكريين قبل أي أمر آخر، وقد أصبح ذلك سقفاً من غير المسموح تجاوزه، وأن المطلوب ضمانات لا يبدو أنها متوافرة بعد، استناداً الى كلام الرئيس سلام بأنه لا ضمانات مع الارهابيين.
وإذ أعربت عن آمال معلقة على لقاءات رئيس الحكومة في نيويورك، أو اتصالات تجري في بيروت، نفت وجود أي معلومات دقيقة عن مهمة الموفد القطري، ودعت أهالي العسكريين المخطوفين الى الادراك بأن الحكومة ليست عدوتهم، ولا يمكن أن تكون كذلك، خصوصاً وأنها لم تقصر في تحركها بهذا الخصوص، وكل الذي تعلمه أن أولادهم العسكريين غير موجودين في أماكن محددة.
الى ذلك، أدرجت مصادر مطلعة، حادثة استهداف مركز عسكري في البداوي شمال طرابلس ، والتي أدت الى استشهاد الجندي محمد خالد الحسين من تكريت في عكار، وإصابة آخرين بجروح، بأنها تأتي في إطار حرب الجماعات الإرهابية المسلحة على الجيش، في محاولة لنقل الصراع الى الداخل اللبناني بعد عرسال.
وإذ خلّفت الحادثة حالاً من الغضب والاستنكار في طرابلس، اعتبر الأهالي أن ما حصل ليس سوى محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء في المدينة. وتضامناً مع الجيش عمد الأهالي الى قطع طريق طرابلس - الضنية عند العيرونية فيما احتشد آخرون أمام منزل الشهيد في القبة لمواساة عائلته، حيث أكدت شقيقته أن من قام بهذا العمل ليسوا مسلمين، بل مجموعة من الكفار.
ومساء، شيّع جثمان الشهيد حسين في مسقط رأسه تكريت - عكار، وألقى العقيد حسن حسن ممثلاً وزير الدفاع وقائد الجيش كلمة عاهد فيها على ملاحقة القتلة من دون هوادة حتى إلقاء القبض عليهم وإنزال القصاص العادل بهم.
الجلسة 14 الى 9 ت1
في هذا الوقت، لم تحمل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي حملت الرقم 13 أي جديد، لا في الصورة، ولا في المواقف، عدا عن إعلان الرئيس نبيه بري إرجاء الجلسة الى يوم الخميس في التاسع من تشرين الأول المقبل، فيما أكدت مصادر نيابية ان لا معطيات حول اي تطور بموضوع الاتفاق على انتخاب الرئيس، وان المبادرة التي سبق وتقدمت بها قوى 14 آذار تنتظر اللقاء المرتقب بين الرئيس بري والرئيس فؤاد السنيورة بعد عودة الاخير من باريس.
وعلى الهامش، انشغل النواب في البحث عن مخارج نهائية للاجتماع المقرر لهيئة مكتب المجلس المرجح انعقاده يوم الجمعة لتحديد المواضيع الواجب ادراجها على جدول اعمال الجلسة التشريعية قبل نهاية الشهر، او في الاول او الثاني من الشهر المقبل، بعد ان تم التفاهم على سلسلة الرتب والرواتب، من حيث المبدأ، باعتبار انها ستكون البند الاول على جدول الاعمال.
واوضح مصدر نيابي لـ«اللواء» ان المشاورات التي جرت على هامش الجلسة النيابية التي افتقدت النصاب، لم يطرأ عليها اي جديد بانتظار عودة الرئيس السنيورة.
وفي اطار المشاورات عقد وزير المال على حسن خليل لقاءات في مكتبه مع عدد من النواب في مقدمهم النائب جورج عدوان الذي التقى بدوره نائب الرئيس فريد مكاري، كاشفاً انه يعقد لقاءات ثنائية مع وزير المال لاكثر من مرة في اليوم لاستيلاد اتفاق ينتج تسهيلاً لجلسة «تشريع الضرورة».
ورجحت معلومات ان تستبق قوى 14 آذار الجلسة بإجتماعٍ يعقد علناً أو وراء الكواليس للإتفاق النهائي على المواضيع الملحة قبيل الدخول إلى هيئة المكتب)، وخصوصاً ما يتعلق بالسلسلة التي آخر ما تم التوصل إليه هو : ست درجات ما يقارب 190 مليار مقابل الواحد بالمائة TVA بما يقارب 300 مليار، بالإضافة إلى تقسيط الزيادة على سنتين أو ثلاث، ومن المواضيع الأساسية أيضاً هبات وقروض مهددة بالإلغاء نظراً لإقتراب إنتهاء المهلة المحددة لها، وسندات اليوروبوند (بقيمة مليار و300 مليون دولار)، وصرف رواتب موظفي القطاع العام على أن يكون هذا الأمر إما من خلال موازنة 2015 وهذا دونه عقبات نظراً لضيق الوقت أو من خلال إدراجه في الموازنة عبر تعهد حكومي بالإلتزام بهذا التمويل.
وتقول المصادر أن هذا القرار بإنتظار عودة الرئيس سلام من نيويورك والرد الذي سيبلغه للمجلس النيابي، ومن البنود الملحة تعديل المهل في قانون الإنتخاب الحالي والتي خرقت بما لا يعرض العملية الإنتخابية للطعن في حال حصولها.
ونفت االمصادر أن يكون تم التطرق خلال المشاورات حتى الساعة إلى التمديد للمجلس وتقول ان هذا الأمر يبقى في عهدة هيئة المكتب، فيما كشف الوزير وائل أبو فاعور أنه عقد بتكليفٍ من رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط ثلاثة لقاءات مع مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وأن اللقاءات ستتبلور مع إنتهاء مشاورات عدوان – خليل.
في المقابل، يصر «تكتل التغيير والإصلاح» على رفض زيادة الواحد في المئة على الضريبة على القيمة المضافة، وأشارت مصادره «ان التكتل لن يكون متساهلا في الامور التي كانت موضع خلاف بالنسبة لاقرار السلسلة والمتصلة بقوننة الانفاق، وهو موقف قريب من موقف «حزب الله» في حين ينأى «حزب الكتائب» بنفسه عن التشريع تحت أي عنوان خارج إطار إنتخاب الرئيس».
القمة الروحية
الى ذلك شهدت دار الفتوى أمس لقاءين بارزين، تمثلا باستقبال  مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، كلاً من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، مهنئين بانتخابه مفتياً للجمهورية، وكان اللقاءان اللذان حضرهما كل من الأمينين العامين للجنة الحوار الإسلامي المسيحي، المنسقين للقمة الروحية محمد السماك وحارس شهاب، مناسبة مهدت لعرض الخطوط العريضة لانعقاد القمة الروحية الموسعة التي ستشهدها دار الفتوى غداً الخميس، والمخصصة لبحث التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة العربية على صعيد الصراع بين المذاهب والطوائف، ومدى انعكاس ذلك على لبنان وسبل الحد من هذه المخاطر من خلال التلاقي والتضامن وحفظ العيش المشترك.
وقال البطريرك الراعي بعد اللقاء: «إننا أمام واجب العمل من اجل التفاهم بين الفريقين المتنازعين 8 و14 آذار، وانتخاب رئيس للجمهورية، وإجراء المصالحة الوطنية، وتأمين انتظام المؤسسات العامة، وتنزيه القضاء ودعم الجيش والقوى الأمنية، وضبط السلاح غير الشرعي، وهكذا، يستطيع لبنان ان يؤدي رسالته في هذا المشرق العربي، ويكون عنصر استقرار وسلام، وواحة تلاقٍ وحوار، ونموذجا للعيش معا على اساس الوحدة في التنوع».
أضاف: «لا يحق لنا بعد اربع وتسعين سنة من حياة الجمهورية، وبعد صدور وثيقة الميثاق الوطني وإدراجها في الدستور، وبعد تثبيت الوفاق الوطني وصيغته التطبيقية، ان نتساءل: «اي لبنان نريد؟»، او ان نتكلم عن «مؤتمر تأسيسي»، او عن «مثالثة»، ولا يحق لأي فئة او مكون او تحالف سياسي او مذهبي ان يهيمن على البلاد وينحرف بالديمقراطية التوافقية عن غايتها وهي خير البلاد العام، بل المطلوب الولاء للبنان والتقيد بالدستور والميثاق وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني نصا وروحا، وسد الثغرات الدستورية التي تتسبب بتعثر سير المؤسسات الدستورية، بعد خبرة دامت خمسا وعشرين سنة»