دخل مخاض تأليف الحكومة شهره الثاني، وسط أجواء متناقضة ما بين إمكانية الإعلان عن ولادتها نهاية الأسبوع، واستمرار العقبات التي تقف في وجه تأليفها.

غير أن كل ما يقال مبني على تحليلات وليس معطيات عملية، مع ذلك تميل الدفّة نحو التفاؤل ربطاً بالخطاب الذي سيلقيه الأمين العام لحزب الله السيد حسّن نصرالله يوم الجمعة المقبل، وما سبقه من تهدئة في الخطاب أمس، عبّر عنها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، وخاصة لناحية بعثه برسائل إيجابية إلى الرئيس نبيه بري وعدد من القوى التي يُتوقع مشاركتها في الحكومة. ورجّحت مصادر سياسية أن «تسريع حركة الاتصالات واللقاءات يهدف إلى إيداع السيد نصرلله نتائج حسيّة، يمكن أن يبني عليها في خطابه للإعلان عن انفراجة ما، أو على الأقل ضخ جرعة إضافية من الإيجابية». في المقابل، دعت مصادر أخرى إلى عدم الإفراط في التفاؤل، خصوصاً مع «سرعة التقلبات في عملية التفاوض»، من دون إنكار أن «كلام باسيل أمس كان جيّداً جدّاً»، استُكمل مع ما قاله رئيس مجلس النواب لزوّاره أمس، واصفاً تصريح باسيل بـ«الإيجابي». وقد اعتُبر ذلك «مدخلاً للحل»، في أعقاب اللقاء الذي جمع باسيل بمسؤول «لجنة الارتباط والتنسيق» في الحزب وفيق صفا، وكان هدفه بحسب مصادر مواكبة «تخفيف الاحتقان»، وقد ترجم هذا اللقاء بتأكيد باسيل أننا «في هذه الحكومة نسعى إلى تمثيل الجميع فيها، من تيار المردة إلى الكتائب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وسنّة 8 آذار وغيرهم»، وأن «حكومة الـ24 تتسع للجميع، ونحن مع اتساع الجميع في هذه الحكومة، خاصة في هذه المرحلة، لأنها حكومة انتخابات».

 


وإذ أشارت مصادر القوى المعنية بالتشكيل إلى أنه «لا شيء محسوماً حتّى الآن، تحديداً في ما يتعلّق بحقيبة التربية وإعطائها لتيار المردة»، أكدت أن العونيين «لا يزالون يسألون عن مقابل إعطاء الوزير سليمان فرنجية هذه الحقيبة»، وأن الرئيس برّي يرى أن «هذا الأمر ليس مقبولاً، لأن حصّة فرنجية لا تدخل ضمن حصص الآخرين، بل بصفته كشريك مع القوى الأساسية في الحكومة». وفي المعلومات أن برّي «لا يزال يرغب في تأليف حكومة من 30 وزيراً، لأنها تضمن تمثيل كل القوى سياسياً، وستكون حكومة لكلّ الناس»، إلا أنه «ينتظر ما يمكن أن تؤول اليه الاتصالات، خصوصاً مع تمسّك الرئيس سعد الحريري بحكومة الـ24 وزيراً». ونقلت المصادر عن برّي «تخوفّه من تحالف عوني ــ مستقبلي ــ قواتي جدّي»، خصوصاً أنه «لمس خلال لقائه الأخير مع الحريري والرئيس ميشال عون أن الأخير حريص على اتفاقه مع القوات اللبنانية، وأن الحريري بدوره حريص على أوطد العلاقات مع سمير جعجع»، والدليل أن «برّي كان قد لمس من الحريري تجاوباً لناحية إعطاء حقيبة التربية لفرنجية، لكنه عاد وتردّد بعد مراجعة القوات والعونيين». وكان رئيس المجلس قد بعث، أمام زواره في عين التينة مساء أمس، آمالاً في تأليف الحكومة الجديدة بقوله إن «ثمة تحريكاً للاتصالات بوتيرة أفضل، لكننا لا نقول فول قبل أن يصير في المكيول». وشدّد على أن «الخطر الأكبر هو على قانون الانتخاب، فهو الأساس والحكومة تفصيل. الحكومة كالجبنة المعتقة، كل واحد يريد أن يقتطع منها. قانون الانتخاب هو أساس تكوين السلطة». وقال: «نؤكد دائماً على وضع قانون جديد للانتخاب مبنيّ على النسبية، وهذا ما توافقنا عليه مع التيار الوطني الحر، حتى إننا اتفقنا على أكثر من صيغة للقانون، بما فيها التأهيل على القضاء والنسبية على المحافظات الخمس. هنا أريد أن أقول إنني مع ما قاله الوزير جبران باسيل، ليس 50% بل 100%، وأُحذر من أنه إذا استمررنا على هذا المنوال، أي على قانون الستين، فإننا ذاهبون الى ما هو أسوأ لتكريس كونفدرالية الطوائف، وإن كنا على بقعة جغرافية واحدة».
من جهة أخرى، شدّد باسيل على أن «حزب الله هو من الثوابت بالنسبة لنا، وهو أساس جاء نتيجة صدق والتزام وتضحية وجهد ودماء وضعت للوصول إلى ما نحن عليه، والخلاف الشيعي المسيحي لن يحصل، لا الآن ولا لاحقاً». وأكد «عدم التفريط به، لا في انتخابات نقابية ولا نيابية ولا رئاسية ولا في حكومة، وهذا التفاهم ممنوع المس به، وعلاقنا مع الحزب أمتن من كل وقت مضى وفي أقوى حالاتها».
وأكّدت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر لـ»الأخبار» أن «الأجواء تنحو الى التهدئة. ولكن، عملياً، لن نتنازل في المضمون». وأوضحت أن «الأمور لا تزال عالقة عند مطلب الرئيس بري بحقيبة أساسية لا يهمنا الى من ستذهب. ولكننا نريد في المقابل حقيبة مماثلة، إضافة الى استمرار مشكلة حقيبة الأشغال والوزير الشيعي من حصة رئيس الجمهورية». وأكّدت أن «الأهم من كل هذا أننا، من حيث المبدأ، لن نقبل بطريقة تعامل تكبّل العهد عبر القول لنا: هذه شروطي وإلا فلن أترككم تحكمون».
ووصفت المصادر كلام باسيل بعد اللقاء الأسبوعي لتكتل الاصلاح والتغيير بأنه «رسالة انفتاح كبيرة على رئيس المجلس مفادها أننا معه، أكثر من غيره، قادرون على الاتفاق على دولة المواطنة والعلمنة الشاملة التي يسميها إلغاء الطائفية السياسية. وهذا يبدأ بقانون الانتخاب الذي يمكن أن نسير فيه معاً في مسار منفصل عن المسار الحكومي». وفي الوقت نفسه، فإن باسيل «كان واضحاً بأن خلافنا لن يتحول في أي حال من الأحوال الى خلاف مسيحي ــ شيعي».