إذا صدقت التوقعات المناخية، تنحسر العاصفة اليوم وتستر عورات أهل السلطة، وإذا صدقت التنبؤات السياسية، فإن بيان رئاسة الجمهورية، أمس، لم يكن كافياً لفتح أبواب القصر الجمهوري أمام زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، خصوصاً أنه من بنات أفكار بعض من اعتقدوا أنه بالتذاكي أو بالتحايلات اللفظية يمكن حل أزمة تأليف حكومة وانطلاقة عهد جديد.
كان بمقدور «ضابط المراسم» في القصر أن يرفع السماعة ويطلب بنشعي ويوجّه الدعوة إلى فرنجية لشرب فنجان قهوة، خصوصاً أن الأخير كان قد أعلن في آخر مقابلة تلفزيونية أنه مستعدّ لتلبية دعوة رئيس الجمهورية «إذا استدعاني».
ولو حصل ذلك، كان ليشكّل عنصر إحراج لفرنجية نفسه الذي كان ملزماً بتلبية الدعوة وبأسرع وقت ممكن، خصوصاً أن بعض مَن التقوه مؤخراً فهموا أن لا هواجس لديه ولا مطالب عنده تستدعي خوض حوار مع رئيس ينتمي إلى «الخط»، وإذا كانت لديه هواجس، فيمكن أن تكون في مكان آخر.
ولو حصل ذلك أيضاً، فليس مستبعَداً على شخص مثل فرنجية أن يُحرج أمام مضيفه، بأن يتجاوب معه حتى لو تمنى عليه أن يتمثل في الحكومة بوزير دولة من دون حقيبة...
حتماً هناك من نصح رئيس الجمهورية بتوجيه مثل تلك الدعوة المباشرة إلى فرنجية، وفي المقابل، هناك من نصح ببيان غير اعتيادي كان عملياً «لزوم ما لا يلزم»، أبدى فيه عون «حرصه على هواجس الجميع وتصميمه على معالجتها»، وتوجه «بدعوة أبوية إلى أي مسؤول أو سياسي للاجتماع به في القصر الجمهوري، كي يودع هواجسه لدى فخامته»، كما جاء في نص البيان الصادر عن مكتب الإعلام في القصر الجمهوري.
في المضمون، هناك مَن يعلن أن أبواب القصر الجمهوري مفتوحة أمام الجميع ولعل السؤال هنا، هل كانت تلك الأبواب مقفلة في أي عهد من العهود أمام أي لبناني ومن أي طائفة أو منطقة أو قارة أتى؟
يأتي بيان «القصر» في محاولة لتحريك المياه الحكومية الراكدة، لكن يبدو أنه أعطى مفعولاً سلبياً، علماً أن الاتصالات لم تتوقف بين «بيت الوسط» وبعبدا، وبين نادر الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، كما ظلت قنوات الاتصال مفتوحة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».
وعلى عكس الانطباعات الإيجابية التي خرج بها زوار الحريري والقصر الجمهوري، في الساعات الأخيرة، عن قرب إعلان الحكومة الجديدة، فإن مصادر متابعة لمجريات التأليف الحكومي أبدت خشيتها من وجود «قطبة مخفية» أبعد من حقيبة «تيار المردة»، وسألت عما إذا كان هناك من يريد تضييع الوقت من أجل حشر المهل وجعل قانون «الستين» الانتخابي أمراً واقعاً، خصوصاً في ظل المناخ الدولي الذي يكرّره كل مسؤول غربي يزور بيروت بوجوب إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
بري: مستعدّ لتحمل الخسارة وفق «النسبية»
في هذا السياق، يلاحظ تفاهم «الثنائي الشيعي» على حركة تصاعدية للتحذير من مخاطر إجراء الانتخابات وفق «قانون الستين». وهو الأمر الذي مهّدت له «كتلة الوفاء للمقاومة»، في بيانها، أمس الأول، فيما كرّر زوار الرئيس نبيه بري تحذيره من تداعيات الفرز الذي سيحدثه «قانون الستين»، وقال إنه صار مطلوباً من الجميع الإقرار بحتمية الذهاب إلى قانون يرتكز إلى النسبية حتى لو على أساس اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وشدد على أن قانوناً كهذا سيؤدي إلى خسارة الجميع من حصصهم الحالية، لكن في المقابل، يمكن القول إن هذا التنازل من الجميع سيكون في مصلحة مستقبل لبنان وأجياله الجديدة.
وأعطى بري مثلاً على ذلك استعداده هو و «حزب الله» للتنازل عن المكاسب التي يوفرها لهما «قانون الستين»، وبالتالي، القبول بخسارة نسبة من المقاعد على اساس النسبية، لأن الهدف الأبعد هو حماية لبنان وتوطيد دعائم استقراره من خلال القانون الانتخابي الجديد.
المشنوق: بالحكومة ننجز قانوناً جديداً للانتخابات
وكما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق، فإن الجميع يعرف «الفيل الكبير الجالس معنا في الغرفة، ولكننا نسعى جميعاً لتجاهله». لذلك، تتصرّف معظم القوى على اساس أن «قانون الستين» سيصبح قريباً أمراً واقعاً.
وأكد المشنوق في بيان أصدره، أمس، رداً على التأويلات المتعددة لموقفه الأخير أن مسؤولية الوزارة «تنحصر بإجراء الانتخابات بناء على القانون النافذ (الـ 60)، أما صلاحية إقرار قانون جديد، فهذه مسؤولية المجلس النيابي».
وفي مواجهة المهل الداهمة، قال المشنوق إنه «من الأفضل للجميع أن يعمل على تشكيل الحكومة العتيدة تأسيساً لاستقرار يساعد على إجراء الانتخابات في موعدها، وفق القانون الذي يقره المجلس النيابي».
دراسة «الدولية للمعلومات».. بالتفاصيل
في هذا السياق، أجرت «الدولية للمعلومات» دراسة مقارنة قاربت فيها النتائج المحتملة للانتخابات النيابية في ربيع العام 2017 وفق «قانون الستين» واستناداً الى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في العام 2009.
وقد وضعت «الدولية للمعلومات» كل الاحتمالات في الحسبان، خصوصاً احتمال تحالف «القوات» و «التيار الحر» معاً واحتمال أن ينضمّ إلى تحالفهما «الطاشناق» و «تيار المستقبل» و «الاشتراكي»، وفي المقابل، احتمال أن يخوض «الثنائي الشيعي» الانتخابات في الأقضية المشتركة بلوائح موحّدة وأن يكونا جزءاً من تحالف أوسع كما هو الحال في بعبدا أو في أقضية أخرى كزحلة.
واستناداً إلى النتائج المتوقعة يتبين أن التحالف بين كل من «تيار المستقبل» و «التيار الحر» و «القوات» و «الطاشناق» قد يفوز بـ 74 مقعداً، وإذا انضمّ إليه «الاشتراكي» ترتفع الحصيلة إلى 89 مقعداً، أي أكثر من ثلثي مجلس النواب (86 نائباً).
وإذا تحالف «حزب الله» و «أمل» و «التيار الحر»، تكون الحصيلة النهائية لهذا التحالف 48 نائباً في أحسن الأحوال.
ووفق فريق المحللين في «الدولية للمعلومات»، «لا يستطيع أحد وفق «الستين» أن يفوز بقوته وحده، وبالتالي الكل بحاجة الى الكل أو إلى جزء من الكل، أي أن «المتناقضين» في الساحة الواحدة نفسها، أو في الساحات المتناقضة، يريدون إبرام تفاهمات في العلن من جهة، بينما هم يسنّون السكاكين من جهة أخرى، وهذا يعني أن الكل ضعيف والكل بحاجة للآخر ولن يكون بمقدور فريق أو «ثنائي» أن يربح بمفرده، الا إذا كان البعض يريد استعادة المناخ الذي أسّس للحرب الأهلية في العام 1975، لكن هذه المرة وبدلاً من شعار «عزل الكتائب» يريد الذهاب إلى «عزل الشيعة» أو سلاح «حزب الله».
ووفق «الدولية للمعلومات»، فإن مَن يريد «الإصلاح» أو «التغيير» ولا يريد توجيه طعنة إليهما، «عليه ألا يخشى شعبه ولا يتردّد في خسارة مقاعد نيابية ووزارية في سبيل حفظ حقوق هذا الشعب والتي لن تتحقق من دون قانون انتخابي نسبي غير طائفي وعلى أساس الاقتراع في مكان السكن لا القيد»، على حد تعبير مدير مؤسسة «الدولية للمعلومات جواد عدرا .