هذا بعض من حديث الوسط الديبلوماسي: مثلما يحكى الان، وبعد مائة عام، عن اتفاقية سايكس - بيكو، يحكى بعد مائة عام عن اتفاقية كيري - لافروف. منذ البداية، قال فلاديمير بوتين ان قواعد النظام العالمي الجديد تنبثق من سوريا.
حتى الخارطة الجديدة للشرق الاوسط، بما في ذلك خارطة العلاقات، والتوازنات، والمصالح، تنبثق من سوريا، السعوديون والايرانيون وصلوا الى الحائط. ماذا تجدي لعبة الحطام امام لعبة الامم. الملف الان في يد الاميركيين الذين لم يكونوا يتصورون ان تنظيم الدولة الاسلامية يمكن ان يتحول الى قوة عابرة للقارات، وفي يد الروس الذين باتوا اكثر استشعاراً بالخطر.
وكان يفغيني بريماكوف يقول ان الدول من الدول الاسلامية، ومن الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى هي عبارة عن حقول من القصب وسرعان ما تشتعل «امام النيران الايديولوجية العاتية». هذا قبل ان يظهر «داعش» ويدق ابواب الكرملين...
اتفاق بين وزير الخارجية الاميركي ونظيره الروسي، حول الطريق الى ردهة المفاوضات، هل يستطيع الجانبان ان يحققا في شهرين او ثلاثة ما عجزا عن تحقيقه خلال ستين شهراً؟
واشنطن وموسكو تعتبران الافرقاء وصلوا الى حد الاستهلاك التام. الى حد كبير شعروا او استشعروا عبثية الصراع. ما تبقى من النظام مع ما تبقى من المعارضة على طاولة المفاوضات.
وحديث الوسط الديبلوماسي يشير الى ان النظام بات على اقتناع تام بالحل السياسي الذي يفترض، حتماً، سلسلة من التنازلات. المعارضة كذلك بعدما كانت «جبهة النصرة» ليس فقط بمثابة «المعطف الواقي» وانما القوة الضاربة، وبطبيعة الحال بفعل ما قدمه الاميركيون والحلفاء العرب...
العامل الاهم في توصل كيري ولافروف الى اتفاق هو الانحسار التركي. صحيح ان شعار عادل الجبير هو اسقاط بشار الاسد، لكن رجب طيب اردوغان ظل حتى اللحظة الاخيرية يراهن على طاولة المفاوضات.
الان اردوغان في مكان آخر ولمهمة اخرى في الداخل التركي حيث التصريح السياسي والعسكري، وحيث الاحتمالات التي على النار. بطبيعة الحال هذا اثر على الموقف السعودي المتشدد. لم يعد باستطاعة المملكة ان تلعب وحيدة داخل المتاهة السورية، دون ان يعني هذا انها تغادر الساحة..
الان اللعب التكتيكي لا اللعب الاستراتيجي. الكل في حالة الوهن. الاتراك والايرانيون والسعوديون. ولا شك ان هناك من يرى في «البديل الاسرائيلي، الظهير الاستراتيجي الذي لا يشق له غبار. هذا رهان شديد الخطورة. ومن الافضل الذهاب الى جنيف ما دام موقف واشنطن معروفاً بالنسبة الى مستقبل النظام السوري.
هذا لا يمنع بعض اعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، وبالرغم من انها صناعة سعودية بالكامل، عن الاعتراض، والكلام عن «الخيانات الاميركية» رياض حجاب واسعد الزعبي، وصولاً الى مصطفى علوش، يعتبرون ان تخلي واشنطن عن «جبهة النصرة» بمثابة صدمة استراتيجية للمعارضة...
الفصائل الاخرى مبعثرة، وغالبا ما كانت «النصرة» هي الاقوى حضوراً على كل الجبهات، حتى في مناطق التماس مع «داعش» الاميركيون يقولون الا داعي لهذه التفاصيل، المفاوضات هي عملياً بين واشنطن وموسكو.
الاطراف العربية لن تستطيع الرهان على دور اوروبي. القارة العجوز تعيش حالة من الذعر بعدما قدمت خدمات لوجيستية وعملانية للمعارضة، او للمعارضة، السورية لا يمكن تصورها. فرنسا بالكاد تستطيع لملمة جراحها (وضحاياها)، وبريطانيا المتوجسة تبدو وكأنها تخلت عن ديبلوماسية الظل من خلال الاتيان بوزير خارجية (بوريس جونسون) الذي يوصف بـ«ترامب الانكليزي». ينظم قصيدة في اردوغان وهو يضاجع العنزة، ويصف هيلاري كلينتون بالممرضة السادية التي تعذب مرضاها في مسشتفى المجانين، ثم يدعو الى ازاحة بشار الاسد...

ـ احذروا دونالد ترامب ـ

انقلاب في المشهد الدولي والشرق اوسطي. المشكلة، وكما تشير الاوساط الديبلوماسية، ان ولاية باراك اوباما الثانية بانت في نهايتها. الوقت ضاغط جداً، ونصيحة روسية وحتى اميركية لعواصم عربية بالمساعدة على صياغة اطار للتسوية في سوريا قبل آخر ايلول المقبل لان دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض، وهذا هو المرجح، بعدما بدا ان هناك جهات غامضة ومؤثرة، تسعى لاغتيال المرشحة الديموقراطية سياسياً، قد يعني انقلاب في الخارطة  الاستراتيجية للشرق الاوسط.
استطراداً، النصيحة حاسمة. ترامب الذي يؤيده حتى الأخ غير الشقيق لاوباما مالك اوباما، وهو اميركي مسلم، لا يعنيه بقاء الاسد او زواله، وسيطالب السعوديين وغيرهم ببدلات حماية الاسطول الاميركي لهم، هكذا قال علناً...
الديبلوماسيون الروس يؤكدون الا تغيير في الخرائط، دون استبعاد هذا الاحتمال كلياً. التغيير في الصيغ لا بد ان تكون سوريا فديرالية او كونفدرالية، وعلى غرار العراق. في هذه الحال، ماذا عن لبنان، اتفاق اميركي ـ روسي على الحفاظ على الخارطة كما على الصيغة اللبنانية، ولكن بعد احداث بعض التعديلات في ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات بين الطوائف. حديث في الكواليس عن ان موسكو تريد رئيساً ارثوذكسياً في لبنان، ما رأي الموارنة؟
ويقول الديبلوماسيون الروس والاميركيون ايضاً ان الغاء الدولة أسهل من اقامة الفديرالية او الكونفدرالية في لبنان، وحيث التوازن الديموغرافي وحتى «النوعي» بين السنّة والشيعة، فيما حصة المسيحيين «مرقد عنزة» في الجمهورية الثانية او الثالثة، دون ان يبقى خفياً ان دوائر فاتيكانية استوضحت باريس وواشنطن حول مستقبل مسيحيي لبنان بعدما شاع الحديث عن تغيير في الخرائط، وما اذا كان بالامكان اقامة كيان مسيحي بحكم ذاتي...

ـ الجولاني وغواية السلطة ـ

وهنا يقول ديبلوماسي اوروبي لـ«الديار» ان التسوية في سوريا تحتاج الى الكثير من الوقت. هناك جهات عربية وتلعب الورقة الاخيرة ان تقتنع «النصرة» بالمـــال وباغراءات اخرى بالانفصال عن تنظيم «القاعدة».
ما يتردد وراء الضوء ان ابا مجد الجولاني، الواقع منذ البداية في غواية السلطة، يمكن ان يقبل بمثل هذه الصفقة التي يرفضها الجناح العسكري في الجبهة والذي يعتبر ان هذه الخطوة هي جزء من سيناريو لالغاء الجبهة في نهاية المطاف في صندوق القمامة....
وبحسب المعلومات، فان القادة العسكريين يعتبرون ان اهمية «النصرة» هي في كونها جزءاً من منظومة تتجاوز الحدود السورية، كما ان الاميركيين والروس لا يمكن ان يقبلوا بمشاركة الجبهة في الهيئة الانتقالية بالنظر لتوجهاتها الايديولوجية الراديكالية والتي لا يمكن ان تتخلى عنها في حال من الاحوال.
هذا يعني ان لبنان سيظل تحت مظلة الستاتيكو، ومصادر سياسية تعتبر انه بعد اتفاق كيري ـ لافروف الذي يفرض اجراءات محددة على الارض السورية، ودائماً في اتجاه المفاوضات، فان ثلاثية الحوار في 2 و3 و4 آب لا جدوى منها...

ـ اين السعوديون والايرانيون؟ ـ

المصادر تضيف ان السعوديين لا يعرفون اين هم في الاتفاق، الايرانيون ايضاً. وهذا يعني انهم سيحتفظون باوراقهم الحساسة الى عشية الصفقة او الى عشية التسوية.
وهي ترى ان افضل خطوة يقدم عليها الرئىس نبيه بري بعد عودته من الاستجمام في اوروبا ان يعطي المتحاورين فرصة للاستجمام السياسي، اي ارجاء الجلسات الحوارية الى ايلول المقبل.
وتشير المعلومات الى انه خلال انعقاد الاجتماع الاسبوعي لتكتل التغيير والاصلاح اول امس الثلاثاء، بــدا التشاؤم واضحاً في المناقشات التي جرت، ودون البحث في الخطوات التي يمكن ان تتـخذ في حال ارجئــت ثلاثية الحوار او دارت المواقف حول الطاولة المستديرة...
وفي هذا الصدد، تؤكد مصادر سياسية رفيعة المستوى ان السفيرة الاميركية اليزابت ريتشارد المحت لأكثر من مرجعية لبنانية بأن اسقاط الحكومة خط احمر. وهناك من يقول ان التلميح بلغ احياناً حد التحذير، فهل كان المقصود رئيس تكتل الاصلاح والتغيير الذي لا بد ان صبره قد نفد من الانتظار والهبّات الباردة والهبّات الساخنة..

ـ لا تغامروا باسقاط الحكومة ـ

الاميركيون يقولون ما معناه «لا تغامروا باسقاط الحكومة». المؤكد ان الكلام الاميركي وصل الى الرابية، الجنرال يعلم ان ثمة تغطية اقليمية ودولية لحكومة سلام، قد يخسر اوراقه الداخلية والخارجية، وقد تتأثر صدقيته كرجل دولة، خصوصاً ان هناك من يتربص به لاخراجه من المرتبة الاولى في السباق.
المعطيات التي قيد التداول تخضع للتحليل ان داخل قيادة التيار الوطني الحر أو بين أركان التكتل، وثمة من يرى التريث بانتظار ما يمكن ان تحمله جلسة الحوار، ومع اعتبار ان بري ما زال يصر على وضع سلسلة على الطاولة لربما كانت المدخل الى التفكيك التدريجي (والمنهجية) للأزمات.
وبالرغم من ان رئيس المجلس أعلن أمام الملأ رفض «اي شيء تأسيسي» والتزامه وثيقة الاتفاق الوطني في الطائف، يلاحظ انه يتعرض ثانية لحالة من التشكيك بأنه يريد للاوضاع ان «تتدحرج» نحو المؤتمر التأسيسي.
مصادر مقربة من عين التينة تقول ان «قائد الاوركسترا» في هذا الخصوص معروف، وهو ما زال عند رهانه الذي تجاوزته التطورات بأن ايقاع الاحداث في سوريا يشي بأن الهيئة الانتقالية قريبة في سوريا. في هذه الحال بامكان قصر بعبدا ان ينتظر...
المراوحة الى اشعار آخر. هذا ما عبّرت عنه جلسة اللحظات الأخيرة للجان النيابية المشتركة. النائب علي فياض قال ان النتيجة صفر. على كل الاصعدة النتيجة صفر حتى في جلسة مجلس الوزراء، وحيث يبدو واضحاً ان محاولة التغطية على مافيا التخابر غير المشروع ما زالت مستمرة بانتظار اللفلفة ما دام التشابك في المصالح وبين اطراف سياسية متصارعة يتجاوز المعقول الى اللامعقول...
ويبقى ملف النزوح الشغل الشاغل بعدمــا راح بعــض الوزراء يؤكدون ان عدد النازحين السوريين بدأ يقترب من المليونين، لا حل لهذه الازمة الكبرى. دعوة سلام في نواكشوط ذهبت كما القمة بكاملها، ادراج الرياح.

ـ  بانتظار أبو الغيط ـ

وزير الداخلية نهاد المشنوق قال ان رئيس الحكومة طرح اثناء جلسة اول أمس تشكيل مجموعة عربية للاتصال بالامم المتحدة لاقامة مناطق آمنة، في حين يشير مصدر وزاري الى ان بيروت تنتظر ان يتحرك الامين العام الجديد لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط من مكانه ويزور لبنان للاطلاع على موضوع النازحين الا اذا كان يعتبر ان تجميد عضوية سورية يعني تجميد عضوية الشعب السوري في العالم العربي.
في كل الأحوال، هذه مشكلة لبنانية والمرجع «الصالح» للبحث في محاولة دفع اقتراحات سلام الى الضوء هو الامانة العامة للجامعة.

ـ الى القلمون ـ

وكان لافتاً في هذا المجال قول وزير الشؤون الاجتماعية «ان مناطق القتال في سوريا محدودة، وهناك امكانية لعودة السوريين»، ملاحظاً ان منطقة القلمون هادئة»، وسائلاً «لماذا لا يعودون اليها؟»، قاصداً بشكل خاص نازحي عرسال والقاع...
درباس لفت الى «ان الحديث عن التواصل مع السلطات السورية حول ملف النازحين سيحدث شرخاً في البلاد»، وان قال «اذا ارادت الحكومة السورية وضع خطة لاسترجاع السوريين، فنحن سنسهل هذه العودة». كيف ذلك وفي غياب اي تنسيق، في حين يبدو وكأن مفوضية اللاجئين كطرف في النزاع حين ترفض عودة النازحين ما دام القتال لا يزال دائراً على الارض السورية.
لكن الكلام الذي صدر عن جون كيري وسيرغي لافــروف على هامش مؤتمر «آسيان» أنعش بعض الآمال بهدنة واسعة النطاق وفي مناطق واسعة من سوريا باستثناء المناطق التي ينتشر فيها «داعش» و«النصــرة».
ردة الفعل في بيروت: الستاتيكو بانتظار تطبيق الاتفاق الاميركي - الروسي على الارض السورية!