يتصدر التمديد النيابي اهتمامات المسؤولين، خصوصاً أن البلاد أصبحت على مشارف انتهاء ولاية مجلس النواب في 16 تشرين الثاني المقبل، والمواقف المسيحية الرافضة للتمديد ما زالت هي نفسها، الأمر الذي يجعل ميثاقية الجلسة مدار تشكيك.

وبالتالي، تجنّباً لذلك، تتوالى الاجتماعات في الداخل والخارج من أجل توفير تغطية نيابية مسيحية مقبولة تسمح بتقطيع التمديد، لأنّ الظروف الدستورية المتصلة بغياب رئيس للجمهورية لا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية، كما أنّ الظروف الأمنية الدقيقة لا تسمح أيضاً بإجراء هذه الانتخابات، فضلاً عن أنّ الفراغ يدخل البلاد في المحظور.

وعلمت «الجمهورية» أنه بعد عودة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل من السعودية، توجّه إليها الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السابق غطاس خوري ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وشخصيات أخرى، حيث يتركّز البحث على موضوعَي التمديد والانتخابات الرئاسية في ظل هاجس يتحكّم بالجميع، ألا وهو تَجنّب الفراغ.

قهوجي عند سلام

وفي هذه الأجواء، زار قائد الجيش العماد جان قهوجي السراي الحكومي وأطلع رئيس الحكومة تمام سلام على تفاصيل عملية الضنية الأخيرة التي جَنّبَت منطقة الشمال ولبنان عمليات إرهابية خطيرة كانت قيد التخطيط. وجرى عرض المستجدات الأمنية والجهود التي يبذلها الجيش لمكافحة الارهاب.

كذلك عرض قهوجي لنتائج زيارته الى واشنطن، حيث اطّلع من رؤساء أركان الجيوش المشاركة في التحالف الدولي على توجّهات دوَلهم في مجال مكافحة الارهاب، وتداولَ مع المسؤولين العسكريين الأميركيين في ما يُمكن تقديمه من مساعدات للبنان في هذا المجال.
وكان الاجتماع مناسبة للتداول في آخر ما وصلت اليه الجهود التي تبذلها الحكومة لتحرير العسكريين المخطوفين.

مصدر عسكري رفيع

الى ذلك، أوضح مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ قهوجي «وضع سلام في أجواء التحقيقات مع الشبكة الإرهابية، وخطورة المخطط التي كانت تنوي تنفيذه، ما يستدعي الجهوزية التامة على الصعد كافة، لمواكبة معركة الجيش بغطاء سياسي هو في أمسّ الحاجة له». ونفى المصدر أن يكون قهوجي «قد نقل ايّ رسالة من الاميركيين الى رئيس الحكومة، لأنّ هذا الامر هو من اختصاص القنوات الديبلوماسيّة».

من جهة ثانية، اكّد المصدر انّ التحقيق مع الموقوف الإرهابي احمد ميقاتي وأفراد خلية الضنية يجري في سريّة تامّة، لأنّ حجم الاعترافات الأولية للمتهمين أدّى الى الحصول على معلومات دَسمة، ما يُساهم في كشف سلسلة الشبكات الإرهابية لقطع الترابط بينها، والقضاء عليها».

وإذ اعتبر انّ «ملف الخلية حسّاس جداً»، أوضح انّ التسريبات حول التحقيقات الجارية غير دقيقة، على رغم التأكّد من أنّ المكان الذي داهَمه الجيش كان يبثّ منه فيديو انشقاق العسكريين».

ومساء، أكّدت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، في بيان، أنه بنتيجة فحوصات الحمض النووي الـ DNA على إحدى جثث المسلّحين ضمن المجموعة الإرهابية في محلة عاصون - الضنية، تبيّن أنها عائدة للمجنّد الفار عبد القادر الأكومي.

إشتباكاتٌ مساء

أفاد مندوب الشمال، مساء، انه حوالى الثامنة والنصف مساء أمس، وإثر ورود معلومات غير مؤكدة عن وفاة أحمد ميقاتي، انتشر عدد كبير من المسلحين في منطقة خان العسكر في الأسواق الداخلية في مدينة طرابلس وعند جسر أبو علي، وبدأوا بإطلاق النار باتجاه الجيش اللبناني، ودارت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة بعد أن استقدم الجيش تعزيزات مؤللة وقطع الطريق أمام الـ ABC والطريق الذي يربط طرابلس بأبي سمراء عند نقطة القلعة. وأدّى الاشتباك الى سقوط ثلاثة جرحى من العسكريين، بينهم ضابط، نقلوا الى مستشفى السلام.

وأفادت المعلومات عن مقتل قائد المجموعة المسلحة التي انكفأت بعدما حاصرها الجيش، وفَرّ أفرادها الى الأزقة والسراديب في الأسواق الداخلية. وتوسعت رقعة الاشتباكات الى منطقة التربيعة والجسر والزاهرية وصولاً الى طريق المئتين وساحة التل.

كذلك حصل إطلاق بعض الأعيرة النارية في شارع المطران في محيط مركز مخابرات الجيش وفي طريق المئتين، وسجّل انتشار كثيف للجيش في أبي سمراء ساحة الشراع، وطاولَ الرصاص الطائش مناطق بعيدة عن الاشتباكات.

معلومات خاصة

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أّنّ التحرّك المسلّح بدأ بعد صلاة الجمعة، بعد دعوة الشيخ خالد حبلص والشيخ طارق الخياط الى العصيان المسلح ضد الجيش اللبناني، وإلقائهم خطباً نارية تضمّنت تحريضاً على الجيش واتهامه بأنه ينفّذ الخطة الامنية على السُنّة فقط. وحَرّضا السُنّة الى ترك الجيش.

إثر ذلك تجمّع أكثر من 150 مسلحاً في باب التبانة وبدأوا بالانتشار والتسلّل إلى الاسواق الخارجية، كخان العسل والتربيعة وباب الرمل والحارة البرانية وسوق القمح وسوق العطارين والنحاسين وباب الحديد وسوق الخضار والزاهرية.

وفي الثامنة مساءً، وصلت معلومات الى الجيش تفيد أنّ المسلحين ينوون الدخول الى أحد الجوامع لإعلان إمارة في طرابلس والطلب من الشباب الالتحاق بهم وتنفيذ هجمات ضد الجيش، فتحرّكت وحدات من الجيش على الفور ضمن خطة محكمة وطوّقت المسلحين في أكثر من نقطة ودارت اشتباكات عنيفة سقط فيها للجيش عددٌ من الجرحى.

في غضون ذلك حاولت جماعة شادي المولوي العودة إلى التحصين الأوّل داخل باب التبانة لكنّها لم تتمكن بسبب محاصرة الجيش لكلّ المداخل والطرقات المؤدية الى المنطقة، واستمرّت مشاغلة الجيش على اكثر من محور في اشتباكات تعنف أحياناً وتتحوّل متقطعة أحياناً أخرى وسط عمليات قنص للمسلحين الذين انتشروا في الأبنية.

كذلك طوّق الجيش الشيخ خالد حبلص في جامع هارون الرشيد، واتّخذ إجراءات أمنية مشدّدة في المحاور الساخنة وأعلنَ حال الاستنفار الشديد. وقُدّرت أعداد المسلحين الذين شاركوا في الاشتباكات بأكثر من مئتي مسلّح. وتحدَّثت معلومات عن وجود «أبو هريرة» (إبن أحمد ميقاتي)، في خان العسكر لحظة مداهمة الجيش، وهو أحد قياديّي «داعش» و كان يُحضّر لعملية تنطلق اليوم تزامناً مع رأس السنة الهجرية.

الشهّال

وأعلن داعي الإسلام الشهّال في طرابلس حالة النفير العام ضد الجيش اللبناني، محذّراً الامنيين من تطبيق الخطة الامنية في باب التبانة، الهادِفة الى توقيف المسلحين في المنطقة. ودعا، في تسجيل صوتيّ له مساء أمس، فعاليات المدينة الى اجتماع عاجل.

من جهتهم، تعهَّد مشايخ التبانة وفاعلياتها بتحييدها عن الاشتباكات الدائرة في الأسواق الداخلية التي أحكَمت وحدات الجيش الطّوق حولها وعملت على اختراق السراديب التي تربط في ما بينها، ويستخدمها المسلّحون للانتقال من نقطة الى أخرى.

منطقة عسكرية

وعلمت «الجمهورية» أنّه نتيجة حدّة الإشتباكات والمخاوف من اتساع رقعتها واشتدادها باتت طرابلس «منطقة عسكرية» من أجل إعادة الإستقرار إلى المدينة في أسرع وقت ممكن.

مداهمات على مساحة لبنان

وكشفت مراجع أمنية وعسكرية انّ لدى قوى الجيش والقوى الأمنية خريطة طريق في اتجاه ضَرب بعض الخلايا العسكرية النائمة في بعض المناطق الحسّاسة في أنحاء مختلفة من البلاد.

وقالت المصادر لـ«الجمهورية» انّ مناطق عدة من لبنان ستشهد عمليات دهم مُباغتة وفي أوقات مختلفة بغية القضاء على مجموعات صغيرة تخطط لأعمال أمنية محددة يُخشى انّ بعضها يستهدف مناطق وتجمّعات عاشوراء في بيروت والضاحية الجنوبية والبقاع، على رغم مخاوف من ان تستهدف مناطق ذات غالبية طائفية أخرى لزَرع البلبلة واستدراج الفتنة.

ولذلك، كثّفت القوى الأمنية تدابيرها الاستثنائية منذ ليل أمس على مداخل الضاحية الجنوبية، وأعيد النظر بحركة السير على مداخلها ومحيط المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حيث تمّ تحويل الطرق، ما أدّى الى زحمة سير خانقة بدأت ترجمتها بعد السادسة من مساء أمس.

وعليه، قالت المراجع المعنية انّ حملة شعبية بدأت في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي بيروت من أجل أن يستوعب المواطنون هذه التدابير وردّات الفِعل السلبية المُنتظرة عليها، وأكّدت أنها لن تكون على مدى ساعات اليوم الكاملة، وأمِلت تنظيمها في أقرب الأيام.

إجراءات حزبية

في الموازاة، علمت «الجمهورية» انّ «حزب الله» وحركة «أمل» اتخذا الإجراءات الأمنية القصوى وكافة الاحتياطات على أعلى المستويات من اجل ضمان سلامة المشاركين في إحياء مراسم هذه الذكرى، والتي ستكون على غرار العام الماضي من حيث حَجم المراسم والمشاركة في بيروت والمناطق. وكانت التحضيرات اللوجستية لإحياء مراسم عاشوراء قد اكتملت، كذلك تلاحقت الدعوات الى الأهالي لأوسَع مشاركة.

وفي المناسبة، ستكون للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله أكثر من إطلالة إعلامية، للحديث عن المناسبة ومعانيها، على أن يختم إطلالاته في اليوم العاشر، وجَرياً على العادة ككلّ عام، بكلمة دينية وسياسية، في احتفال مركزيّ يقيمه الحزب في الضاحية الجنوبية.

طبخة التمديد والرئاسة

وبعيداً من الموضوع الأمني، تستجمع الأطراف السياسية المختلفة قواها السياسية لمواكبة التحضيرات الجارية بغية التمديد لمجلس النواب لولاية ثانية، وسط أجواء توحي بأنّ ايّ تبدّلات كبيرة في المواقف او ايّ انقلابات ليست واردة على الإطلاق، فالمواقف على حالها، خصوصاً على المستوى المسيحي.

وفي الوقت الذي أحصَت فيه مصادر نيابية انه ليس هناك أيّ من القوى الشيعية ضد اقتراح القانون للتمديد، فإنّ القوى السنية ايضاً باتت على قاب قوسين أو أدنى من الإجماع على هذه الخطوة. ولذلك، ستبقى خريطة المواقف المسيحية من دون أيّ تعديل في المدى المنظور بعدما استبعد أحد أقطاب قوى 14 آذار ايّ تغيير مُحتمَل في الخريطة التي وضعت الاستحقاق في ميزان الانقسامات المسيحية.

وعلمت «الجمهورية» انّ الساعات المقبلة ستكشف عن معادلة جديدة، بحيث سيُضاف الى ما هو مقترح من جانب تيار المستقبل والإشتراكي بالتركيز على الإستحقاق الرئاسي بعد التمديد، ليتفرّغ المجلس لاحقاً الى وضع قانون جديد للانتخاب قبل الإجماع النيابي على تقصير ولاية المجلس النيابي لولوج مرحلة الانتخابات النيابية.

وتداولت مراجع سياسية في معلومات وردَت، في الساعات القليلة الماضية الى بيروت، بأنّ خريطة التمديد النيابية ستؤسّس لحِلف رئاسي جديد ويجري العمل لتكوينه بدعم خارجي قد يُفضي الى ترجمة هذه الصيغة على مستوى الاستحقاق الرئاسي. ومَن سيحضر ويشارك في طبخة التمديد يَحقّ له المشاركة في طبخة انتخاب الرئيس.

آلان عون لـ«الجمهورية»

وفي المواقف من التمديد، أوضح عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب آلان عون لـ»الجمهورية» انّ «التكتل» سيستكمِل نقاشاته في موضوع التمديد النيابي في اجتماعاته المقبلة، على أن يحدد موقفه النهائي في الاجتماع الذي يسبق الجلسة عندما يتقرّر موعدها.

وأضاف: «موقفنا المبدئي بات معروفاً، امّا الخطوات التي نَنوي القيام بها فسنعلن عنها تباعاً في اللحظة التي سنحدّد فيها موقفنا النهائي، لكنّ الاكيد هو انّ دعم التمديد والتصويت لصالحه غير وارد البحث فيه.

امّا سائر الخطوات الاخرى، وكيفية التعاطي مع موضوع التمديد، فسنتخذ موقفاً نهائياً منها في اجتماعنا الذي يسبق الجلسة عندما تتعيّن، وهذا سيكون مرتبطاً بجدول أعمالها وما هو مطروح داخلها، وعلى أساسه نحدد كيفية التعاطي معها».

وعن التبدّل في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بات ميّالاً الى التمديد، قال عون: «لدينا وجهة نظر مغايرة، فنحن نعتبر انّ إجراء الإنتخابات، ولَو في ظلّ ظروف سيئة او غير مثالية، هو أفضل بكثير وأقل سوءاً من عدم إجرائها، ونعتبر كذلك انّ إجراء الانتخابات النيابية وقبول كل الافرقاء السياسيين بنتيجتها، وتحديداً على الصعيد المسيحي هي، على العكس، ستكون مدخلاً الى الحل في الموضوع الرئاسي بدل المراوحة الحالية التي لا يملك مَن يمدّد جواباً على كيفية الخروج منها، والتمديد ليس الحل».

في الموازاة، ذكّر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطون زهرا أنّ القوات غير موافقة على التمديد، ولكن في الوقت نفسه لن تخوض معركة لمَنعه، والديموقراطية تقتضي قبول ما تقرّره الغالبية، وأعلن مشاركة «القوات» في أيّ جلسة قانونية لمجلس النواب.