وأخيراً، يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد الأسبوع المقبل تحت وطأة ضغط الشارع الذي عاد ليتحرّك ويتصادم بعنف مع القوى الأمنية، مثلما حصل مساء أمس، حيث عاث ملثمون لساعات تخريباً واعتداءً على القوى الأمنية في وسط بيروت، فضلاً عن الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة (التفاصيل ص 6). وجاء هذا التطور فيما يأخذ الحوار بين قادة الكتل النيابية استراحة حتى 26 الجاري، يغيب خلالها مديره وراعيه رئيس مجلس النواب نبيه برّي في زيارة رسمية لرومانيا وأخرى لجنيف حيث ينعقد المؤتمر البرلماني الدولي. ويُنتظر أن تكون هذه الاستراحة فرصةً للمتحاورين لمراجعة مواقفهم، فيما سيعكف برّي، رغم سفره، على جوجلة مواصفات الرئيس العتيد التي تسَلّمها من المتحاورين، شفويةً أو مكتوبة، لينطلق الحوار منها في جلسات متتالية. عاشَت بيروت ساعات من الصدامات بين القوى الأمنية والمتظاهرين إستعملت فيها كل أدوات المواجهة، وبدا أنّ هناك قراراً أمنياً حازماً بمنع الإقتراب من المؤسسات الرسميّة، فانفجَر الوضع مواجهات استمرّت إلى ساعة متأخرة من الليل.

وأعلنت قوى الأمن أنه «بعد تدمير المشاغبين الحاجز الأمني وتخطيه وإحتكاكهم بالعناصر والتعرض المباشر لهم وسقوط إصابات في صفوف هذه العناصر، وللحيلولة دون خرق صفوف عناصر مكافحة الشغب للوصول إلى ساحة النجمة مما قد يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها.

اضطرت قوى الأمن إلى إستعمال وسائل مكافحة الشغب من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع التي تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية حفاظاً على السلامة العامة ومنعا لتفاقم الأمور». وقد أسفرت المواجهات عن وقوع عشرات الجرحى في صفوف القوى الأمنية والمتظاهرين.

بري

وسط هذه الأجواء، أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه الى مسار الحوار بين قادة الكتل النيابية، وقال إنّ هناك إمكانيةً لانعقاد جلسات حوارية متتالية في 26 و27 و28 الجاري للتعويض عن الايام التي سيتوقف فيها الحوار.

واعتبَر أنّ المشكلة هي في تضييع الوقت، مشيراً إلى أنّ هذه الجلسات ستنعقد في عين التينة، حيث يجري الآن تحضير الترتيبات التقنية اللازمة لها، ولافتاً إلى أنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل كان قد اقترح انعقاد الحوار في مكان آخر غير المجلس النيابي لعدم تعطيل مصالح الناس، «فقلتُ إنّ المكان الآخر هو عين التينة، وإنّ الأمن متوافر، سواء في مقر المجلس أو في عين التينة».

وأوضح بري أمام زوّاره أمس أنّ تأجيل الحوار حتى 26 الجاري لم يكن سببه خلافات وإنّما الإنهاك الذي رافقَ الجلسات المتتالية الأخيرة. لافتاً إلى أنّ المتحاورين عقدوا حتى الآن 7 جلسات وكلّها ركّزت على رئاسة الجمهورية، ولم يدخل فيها إلّا ملف النفايات، مؤكّداً أنّ محاضر هذه الجلسات تبقى في عهدة رئاسة المجلس النيابي.

كما أوضح أيضاً أنّه تلقّى مساء أمس تصوّراً مكتوباً بمواصفات رئيس الجمهورية من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ولم يبقَ سوى طرفين ينتظر منهما تصوّرَهما لهذه المواصفات. وقال إنّه سيعكف على إجراء مقاربة بين كلّ هذه المواصفات للتوصّل إلى قواسم مشتركة يلتقي حولها الجميع.

وأشار إلى أنّه «تمّ الاتفاق على تحديد مواصفات الرئيس وليس الدخول في التسميات، وفي ضوء هذه المواصفات يمكن أن تترشّح مجموعة من الأشخاص ممن يجدون أنّ هذه المواصفات تنطبق عليهم، وعندئذ يمكن المجلس أن ينتخب أحدهم».

وقال بري «إنّ تقارباً حصل بين المتحاورين بعد الجلسات الحوارية السبع التي انعقدت حتى الآن»، مشيراً إلى أنّه تفاجَأ بكلام البعض حول موضوع اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية. وأكّد «أنّ النسبية باتت مقبولة بنسبة مئة في المئة تقريباً، ولكنّ الخلاف هو حول مقدار نسبتها.

فمثلاً، أنا والعماد عون وحزب الله نؤيّد اعتماد النسبية كلّياً في الانتخابات النيابية، فيما آخرون يؤيّدون اعتمادها بمقدار معيّن، علماً أنّني اقترحت سابقاً انتخاب نصف أعضاء المجلس النيابي على أساس النظام النسبي والنصف الآخر على أساس النظام الأكثري، والآن إنّ النسبية باتت مقبولة لدى الجميع».

وأكد بري أنّ السلة التي يطرحها تتضمّن كلّ البنود الموجودة على جدول أعمال طاولة الحوار، وعلى رأسها بند الرئاسة، وأنّه كان مصِرّاً على كلّ هذه البنود منذ البداية، لكنّ الذي استجدّ عليها هو موضوع النفايات.

وردّاً على سؤال، قال برّي: «لا علاقة للحوار بالحكومة، ولم يُطرح أبداً أن يتناول هذا الحوار القضايا والعناوين التي تهتمّ بها الحكومة، باستثناء النفايات، كذلك لا علاقة للحكومة بالانتخابات الرئاسية، بل عليها الانصراف الى معالجة شؤون الناس، وإنّني أدعم بكلّ قوة عودتها إلى اجتماعاتها، لأنّ تعطيلها والمجلس النيابي هو خرافة».

ولفتَ بري إلى «أنّ لبنان يمرّ في مرحلة صعبة، وخسرنا حتى الآن بعض القروض الدولية المقدّمة لنا، ونخشى أن نخسر قرضَ البنك الدولي في شأن تنفيذ مشروع سدّ بسري من الآن وحتى مطلع السنة الجديدة. وأشار إلى أنّ الأمن هو الذي يمسك بالوضع، وتابع: «قلتُ لجميع المتحاورين إنكم إذا لم تنجحوا فعليكم أن تنتظروا مَن يستدعيكم ويفرض عليكم الحلّ الذي قد يكون في غير مصلحتكم وعلى حسابكم».

قزّي

وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «إمّا نحن في نظام فيه فصل بين السلطات، أو هناك نظام تتداخل فيه السلطات، أو ليس هناك نظام».

وأضاف: «نحن نؤمن بأنّ مجلس الوزراء يجب أن يجتمع، بغضّ النظر إنْ كان هناك حوارٌ أم لا، لذلك ننتظر من الرئيس سلام أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء في الوقت الذي يشاء، قبل موعد انعقاد الحوار في 26 الجاري، وبمقدار ما يكون الموعد قريباً يكون ذلك أفضل، خصوصاً لحسم ملف النفايات.

وإذا لم ينعقد مجلس الوزراء قبل تاريخ 26 فإنّ مصير الحوار سيكون على المحكّ، فلا نستطيع أن نرهن الحكومة بالحوار، بالشارع، بالترقيات، بالنفايات، بالتعطيل، الحكومة يجب أن تتحمّل مسؤولياتها أو أن نستقيل جميعنا».

تظاهرة «التيار»

وسط هذا المشهد، تترقّب الأوساط المواقفَ التي سيعلنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بعد غد في التظاهرة التي دعا إليها «التيار الوطني الحر» في 11 تشرين الجاري في ذكرى 13 تشرين الأوّل 1990 على طريق القصر الجمهوري في بعبدا.

وفيما يواصل «التيار» استعداداته اللوجستية على الأرض، ماضياً قدُماً في عملية الحشد، يجري وضع اللمسات الأخيرة على برنامج الاحتفال، والذي علمت «الجمهورية» أنّه سيبدأ بصلاة عن راحة نفوس شهداء 13 تشرين العسكريين، تليها كلمة لضبّاط متقاعدين، ثمّ تلاوة أسماء الشهداء، على أن تكون كلمة عون خاتمة المهرجان.

وذكرَت مصادر بارزة في «التيار» لـ»الجمهورية» أنّ كلمة عون ستكون عالية السقف والنبرة، ودعَت «إلى انتظار «موقف مهمّ سيَخلق واقعاً جديداً لا تنفع معه كلّ الأساليب والوسائل التي اعتُمدت حتى اليوم».

وقالت: «إنّها مناسبة لتذكير من نسيَ أو يتناسى أنّ محاولات عزل العماد عون وكسرِه والتي جُرّبت سابقاً معه لن تفيد أو تنفع في شيء، فلعبة الكراسي والسلطة أمرٌ ثانويّ بالنسبة إليه، وهي تحصيل حاصل عندما نربح الرهان الأساسي ألا وهو وجودنا في المعادلة بين قواعد صلبة، بين جمهورنا وتأييده لنا، وفي ذلك اختبار جدّي لشعبيتنا، والذي تتهرّب سائر الأطراف من إجرائه، أمّا نحن فسنبرهن قدرتَنا على مواجهة كلّ محاولات العزل وكسر الطوق الذي يحاولون فرضَه علينا، وسنَخرج أقوى كما في كلّ المرّات. فارتكازُنا كان وسيبقى دوماً على شعبنا، وليس على دوَل أجنبية أو سلطة، وملعبُنا الأرض والقواعد».

ولفتت المصادر إلى أنّ تظاهرة الأحد «ستكون أقوى من سابقاتها، وهي تأتي في ظلّ وضع استثنائي يمرّ به لبنان، وفي غمرة استحقاقات كبيرة يواجهها «التيار» رئاسياً وحكومياً ونيابياً، كذلك تأتي في ظلّ ما تواجهه المنطقة من تحدّيات كبيرة وما يتعرّض له المسيحيون من استهداف. وبالتالي فإنّ الاستحقاقات المقبلة مهما كانت نتيجتها ستتعاطى مع الأقوياء.

وأوضحت المصادر «أنّ «التيار» وجّه دعوة عامّة للمشاركة في التظاهرة، وبالتالي لم يدعُ أيَّ طرف سياسي محدّد، فمِن أحَبّ المشاركة أهلاً وسهلاً به». وقالت: «إنّ «التيار» لن يكلَّ أو يملّ، وإنّ مشهد الحشد سيتكرّر إلى أن يتحقّق مطلبه الأساسي ويعود الحق إلى أصحابه».

تعيين بديل روكز

وفي خطوة جاءت متأخّرة نحو شهر تقريباً، عيّن قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس العقيد الركن مارون القبياتي قائداً لفوج المغاوير خلفاً للعميد شامل روكز الذي تنتهي خدمته في 15 من الجاري.

والقبيّاتي من بلدة بينو العكّارية، وهو نائب قائد فوج المغاوير وآمر الكتيبة الأولى فيه، وكان قد شاركَ في معارك عبرا وأصيبَ في معارك نهر البارد إصابات طفيفة لم تحُل يوماً دون استمراره في مهمّاته العسكرية.

واعتبرَت مصادر معنية أنّ تعيين البديل من روكز كان يمكن أن يتمّ قبل شهر، ولكن شكّلَ في توقيته إقفالاً للنقاش في ملف الترقيات والتعيينات العسكرية بعدما سدّت الطرُق أمام كلّ المخارج القانونية التي يمكن اللجوء إليها لإبقاء روكز في موقعه بعد تأجيل تسريحه وفقَ ما تقول به المادة 42 من قانون الدفاع بمرسوم عادي يصدِره وزير الدفاع بناءً على اقتراح قائد الجيش ويوقّعه إلى جانبه كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير المال، أو الانتقال إلى موقع آخر في حال الترقية إلى رتبة لواء.

وقالت المصادر إنّ التسليم والتسَلّم بين روكز والقبيّاتي سيجري الخميس المقبل بدلاً من الأربعاء، لمصادفته أوّل أيام عاشوراء، وهو يوم عطلة رسمية.

حراك ديبلوماسي

ديبلوماسياً، كشفَت مصادر عليمة لـ«الجمهورية» أنّ مسؤولاً ديبلوماسياً أميركياً هو السفير السابق في بيروت ريتشارد جونز سيصِل إلى بيروت في الأيام المقبلة ليتولّى رئاسة البعثة الديبلوماسية الأميركية في بيروت لفترة موَقّتة إلى حين الانتهاء من الترتيبات الإدارية الواجب عبورها في الكونغرس والخارجية الأميركية لتلتحقَ السفيرة الجديدة المعيّنة اليزابيت ريتشارد بمركز عملها في بيروت والذي قد يمتد إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. علماً أنّ السفير الأميركي ديفيد هيل سيغادر بيروت نهائياً بعد عشرة أيام إلى بلاده على أن ينتقل لاحقاً إلى مركزه الجديد في
باكستان.

وعلى مستوى حركة الموفدين وزوّار لبنان، يصل إلى بيروت في الساعات المقبلة رئيسة وزراء النرويج إيرينا سولبرغ للقاء رئيس الحكومة تمّام سلام وتفقّدِ أوضاع النازحين السوريين في مخيّمات عدّة من لبنان تمَّ اختيارها لهذه الغاية.

وتأتي زيارة المسؤولة النروجية قبل أيام من اللقاء المرتقب على أعلى المستويات للديبلوماسية الأوروبية لمناقشة موجة هجرة طالبي اللجوء إلى بيروت، على أن يتزامن ذلك مع وصول وزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر سيارنو إلى لبنان للغاية عينها.