«حرب شوارع» وعمليات «كر وفر» بين القوى الامنية والمتظاهرين فاقمت الاوضاع الداخلية سواداً. واعطت صورة قاتمة في ظل عجز رسمي وفراغ امتد الى كل المؤسسات، حيث يأتي هذا المشهد الداخلي في ظل تطورات عالمية استثنائية على حدودنا حيث المشهد السوري مالئ الدنيا وشاغل العالم حاليا فيما نرى ان المسؤولين اللبنانيين غارقون في مشاكلهم وحصصهم ونفاياتهم.
والسؤال الاساسي، ما هو السر الذي يدفع بالمسؤولين الى «النوم على حرير» وغير مكترثين للمشهد السوري وتطوراته، ومن يمنع من امتداد النيران السورية الى لبنان، وما هي الضمانة لمنع ذلك؟ وهذا ما يفرض على المسؤولين التعامل ولو بالحد الادنى من المسؤولية والجدية، مع القضايا الداخلية والخارجية. ويبقى السؤال المطروح، لماذا الاصرار من قبل وزارة الداخلية على استخدام العنف ضد المتظاهرين ونقل اسوأ صورة للعالم عن لبنان؟ ولماذا لم يدرك المسؤولون بعد ان استخدام العنف لا يوصل الى نتيجة؟ لا بل على العكس يعطي ردة فعل سلبية على القوى الامنية، ولماذا حتى الآن لم توضع خطة للتعامل مع تحركات «الحراك المدني» خصوصاً ان هذا «الحراك» اعلن عن موعد التظاهرة منذ اسبوع؟ ولماذا لم تتخذ الاجراءات لمنع اي احتكاك بين المتظاهرين والقوى الامنية؟ ولماذا لا يتم مسبقاً رصد العناصر المشاغبة الذين يحاولون الاساءة الى هذه التحركات واعتقالهم؟ كلها اسئلة مشروعة بحاجة الى اجوبة سريعة، وهذا الامر لا يسقط ايضاً احتمال وجود عناصر «مشاغبة» و«ارهابية»، تحاول جر البلاد خلال هذه التحركات الى فوضى شاملة في البلاد، وهذه الاحتمالات تقتضي خطة من الدولة لا تكتفي بالامن فقط بل تطال اعادة العمل بمؤسسات الدولة التشريعية والحكومية، والالتفات الى مشاكل الناس ووقف عمليات الهدر والفساد وسد «مزاريب» السمسرات، ومن دون هذه الاجراءات فان التحركات الشعبية لن تتوقف خصوصاً ان هذه الطبقة السياسية ومن خلال ممارساتها تقدم افضل الاوراق لنجاح الحراك الشعبي.
المواجهات العنيفة امس والتي امتدت حتى السادسة مساء وطوال الليل، واستخدمت خلال المواجهات خراطيم المياه والقنابل الدخانية والعصي فيما استخدم المتظاهرون «رمي الحجارة» ومبادلة القوى الامنية عمليات الضرب، كما ان عمليات «الكر والفر» شملت ساحتي الشهداء ورياض الصلح وصولا الى الصيفي وسقط خلالها جرحى من الطرفين، وافيد عن اصابة ضابط من قوى الامن الداخلي بجروح خطيرة، ووصل عدد الجرحى من الطرفين الى اكثر من 100 جريح. كما قامت القوى الامنية باعتقالات بالجملة، واللافت ان المتظاهرين كانوا مصرين على المواجهة والتصدي للقوى الامنية ورفض شرط القوى الامنية باخلاء ساحة الشهداء، فيما رد المتظاهرون بعدم اخلاء الساحة قبل الافراج عن المتظاهرين.

ـ تسوية الترقيات طارت والامور الى التصعيدـ

اما المشهد السياسي، فلم يكن افضل من مشهد رياض الصلح بين القوى السياسية، بعد ان سقطت تسوية ترقية العمداء، وكان لافتاً امس تعيين العقيد مارون القبياتي قائداً لفوج المغاوير في الجيش اللبناني مكان العميد شامل روكز الذي يحال على التقاعد في 15 تشرين الاول، علما ان العقيد القبياتي هو نائب قائد الفوج الحالي وآمر الكتيبة الاولى فيه، وكان قد شارك في معارك عبرا واصيب في معارك نهر البارد.
في المقابل، مصادر الرئيس سلام اكدت انه سيعقد جلسة لمجلس الوزراء فور ازالة العقبات من امام خطة النفايات الذي اعدها الوزير اكرم شهيب، وفور اعداد الخطة سيدعو سلام الى جلسة لمجلس الوزراء لاقرار الخطة وبمن حضر، لانه لا يجوز ترك النفايات في الشوارع، واذا اصر البعض على التعطيل فان سلام سيتخذ قراره بالرحيل، ويرفض ان يكون «شاهد زور» على هذه الاوضاع. ولن يتغير اي شيء لان الحكومة حالياً هي حكومة تصريف اعمال.
فيما اعتبرت مصادر وزارية من 8 آذار، ان سلام يستطيع اخذ القرار ببدء تنفيذ خطة النفايات فوراً ودون الحاجة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، واكدت ان سلام ومن خلال اصراره على عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظل هذا التشنج فانه يعمل على دفع الوزراء العونيين وحلفائهم الى المواجهة داخل الحكومة واظهار العماد عون بانه المعرقل لعمل الحكومة ولموضوع النفايات واستغربت المصادر موقف الرئيس سلام خصوصا ان الرئيس بري طلب من الرئيس سلام «التريث» في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد خصوصا في ظل الاجواء المتشنجة وعدم الوصول الى تسوية في ملف ترقية العمداء وفي المعلومات ان ممثلي قوى 14 آذار ابلغوا الرئيس بري رفضهم المشاركة في جلسات الحوار المقبلة الا اذا عقدت جلسة لمجلس الوزراء كما اكد النائب ايلي ماروني ان الكتائب سيعلقون مشاركتهم اذا لم تعقد جلسة للحكومة.
ومن الطبيعي ان لا يمر اسقاط التسوية مرور الكرام من التيار الوطني وحلفائه وعلم ان العماد ميشال عون ترأس خلال الساعات الماضية سلسلة اجتماعات لمنظمات التيار الوطني الحر وتحديدا النقابية والشبابية لتأمين اكبر حشد لتظاهرة 11 تشرين الذي سيشارك فيها العماد ميشال عون شخصيا.
واشار نائب في التيار الوطني الحر ان كلمة العماد عون ستتضمن مواقف لافتة وسيقول «كفى» وستكون كلمته حاسمة وسيحدد فيها مواقف التيار للمرحلة القادمة.

ـ بري استغرب عدم قيام الحكومة بواجباتها ـ

نقل زوار الرئيس نبيه بري عنه ان لا علاقة للحوار بموضوع عمل الحكومة، وان على هذه الحكومة ان تقوم بواجباتها ومسؤولياتها وتهتم بشؤون الناس. ووصف تعطيل الحكومة والمجلس بانه خرافة ويصيب الجميع بالخسارة.
واشار الى امكانية عقد جلسات متتالية للحوار في 26 و27 و28 تشرين الاول في عين التينة. وكشف الى انه تلقى من معظم المشاركين تصوراتهم بمواصفات الرئيس.
كما اوضح بري ان الجميع متفقون على النسبية في الانتخابات ولكن هناك نسبية عند البعض في هذا الموضوع وشدد على ضرورة نجاح الحوار كي لا يفرض علينا الحوار من الخارج ولنبقى نحاور بعضنا كي ننجح.