عكست القمة العربية السادسة والعشرين، التي اختتمت أعمالها في شرم الشيخ يوم امس، المسار الذي انحدر اليه الوطن العربي، الممزق بين الصراعات الداخلية وخطر الجماعات التكفيرية، والمحاصر بشعور «الرهاب الإيراني» الذي تعيشه بعض القيادات العربية منذ بدأ الترويج لمصطلحات بعيدة عن الفكرة الأساسية التي قامت من أجلها الجامعة العربية، من قبيل «المعسكر الشيعي» و«المحور السني»، وذلك على حساب شعارات «الوحدة العربية» و «تحرير فلسطين».
وعلى هذا الأساس، فإنّ الإنجاز الأبرز، وربما الأوحد، الذي حققه القادة العرب في قمة شرم الشيخ، والمتمثل في تشكيل «قوة عربية مشتركة»، لم يشذ عن حالة الاستقطاب السائدة في الوطن العربي، والتي تتشابك عندها كل الملفات الملتهبة، من سوريا والعراق وصولاً الى اليمن، وإن تم تغليف هذا «الإنجاز» بعبارة «التضامن العربي»، الذي لم تحظ منه فلسطين وقضيتها «المركزية» سوى ببعض قطرات من الحبر.
ومن بين القمم السابقة، ستبقى قمة شرم الشيخ واحداً من الاجتماعات العربية التي ستذكر باستمرار، باعتبارها القمة العربية التي أقرت تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، وأيدت عملاً عسكرياً عربياً، بغطاء دولي، اجتمعت فيه قبائل العرب على الحوثيين في اليمن، وسعى فيها الزعماء العرب الى تفادي الخلافات أو تأجيلها، وإبراز الاتفاقات التي تم التوصل اليها بين أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة.
أما على المستوى الاستراتيجي، فإن قمة شرم الشيخ كرّست عودة السعودية الى قيادة الدور العربي، عبر صواريخ الموت التي تمطرها «عاصفة الحزم» على اليمن، وبعدما تم تغييب سوريا الغارقة في مآسيها، واحتواء مصر المنهمكة في مشاكلها الداخلية، وسحب البساط من تحت أقدام قطر، التي ذهب طموح أميرها الأب، ومن بعده الابن، بعيداً في جعل الإمارة النفطية قاطرة العرب.
وعلى هذا الأساس، انتزعت السعودية تأييداً عربياً لعملياتها العسكرية في اليمن، وتفهّماً لشعورها بـ «الخطر» القادم من ايران، والذي بات على حدودها الجنوبية، كما يقول أمراؤها، وإقراراً ضمنياً بدورها القيادي في القوة العربية المشتركة، التي بدأت نشاطها بالفعل في اليمن، حتى قبل ان يكتب مشروع قرار إنشائها، وتُبحث تفاصيل تشكيلها وأهدافها وطبيعتها في الاجتماع المرتقب لرؤساء أركان الدول المشاركة بعد شهر.
وباستثناء قرار تشكيل القوة المشتركة، فإن قرارات قمة الشرم الشيخ لم تكن في مقاربته للملفات الباقية سوى نسخة طبق الأصل عن قرارات سابقة، بدءًا بالـ «إعراب عن القلق» إزاء ما يجري في هذا القطر أو ذاك، مروراً بـ «دعم جهود الحكومة الليبية في فرض الاستقرار» و «دعوة مجلس الامن الدولي الى تحمل مسؤولياته عن مجريات الامور في سوريا»، وصولاً الى القرارات التقليدية التي تتفاوت بين الدعم الكلامي لفلسطين والمطالبة بإخلاء الشرق الاوسط من أسلحة الدمار الشامل... وصولاً الى تأكيد سيادة الإمارات على الجزر المتنازع عليها مع إيران.
وبرغم بعض الخلافات، التي أخذت شكل تحفظات على بعض القرارات من قبل العراق والجزائر وقطر، إلا ان قمة شرم الشيخ اتسمت الى حد كبير بطابع التوافق، اذا ما قورنت بقمم عربية سابقة.
ويأتي هذا التفاهم بالرغم من أن الخلافات بين بعض المشاركين في القمة العربية كانت قد بلغت حد القطيعة، كما هي الحال بالنسبة الى مصر وقطر، اللتين قلصتا علاقاتهما الديبلوماسية وسحب كل منهما سفيره.
وبرغم شعار «التضامن العربي» الذي انعقدت قمة شرم الشيخ تحت مظلته، والتغني بقرار تشكيل القوة المشتركة، والتوافق على الملف اليمني، إلا ان ذلك لا ينفي أن ثمة ملفات خلافية قد تم تأجيلها.
وفي هذا الإطار، يقول وزير الخارجية المصري الاسبق محمد العرابي لـ «السفير» ان «القمة العربية جاءت بالفعل على مستوى الأخطار والتحديات التي تواجهها الأمة العربية. لذا كان هناك حسم في القرارات المتعلقة باليمن، وتوافق إزاء مخاطر الإرهاب التي تهدد الأمة، وكان هناك قرار واضح، وغير مسبوق، بإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة. ولا شك في أن العمليات التي بدأت في اليمن بمشاركة قوات عربية مهدت الطريق لقرار كهذا».
ولكن بحسب العربي، فإن هذا التوافق لم يشمل كل القضايا والملفات.
وفي هذا السياق، يوضح الوزير المصري السابق «ما زلنا نعاني من التباين والخلافات في بعض الملفات. وبخصوص سوريا مثلاً، فإن بعض الدول العربية ترى أن أي حل سياسي مستقبلي لا مكان فيه لنظام الرئيس بشار الاسد الأسد، بينما ترى دول أخرى أنه لا يمكن استبعاد هذا النظام، مضيفاً ان «الامر ذاته ينطبق على ليبيا، اذ لا رؤية موحدة للحل السياسي وأطرافه».
ومع ذلك، يبدي العربي أمله أن «تتطور الأمور جيدا»، وان كان يلاحظ ان «انشغال القادة العرب بالملفات الملتهبة قد جعل الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع نسبيا».
الانطباعات تجاه القمة العربية ليست كلها إيجابية. فهناك من يرى القمة تكرارا للحديث والقرارات. كما أن الهيكل القديم لجامعة العربية يراه البعض حائلا دون تفعيل التعاون العربي.
من جهته، يقول مساعد وزير الخارجية الاسبق السفير معصوم مرزوق لـ «السفير» ان «القمة التي انعقدت لا تختلف عن القمم السابقة، فقد حاولت الاقتراب من المشاكل العربية، ولكن الحلول التي تم تقديمها تبقى مؤجلة حتى قرار تشكيل القوة العربية المشتركة».
ويضيف مرزوق ان «ما يجري يؤكد ضرورة إعادة النظر في التنظيم الإقليمي العربي، ومراجعة ميثاق جامعة الدول العربية، وحتى انقضاء دور الجامعة العربية بالكامل وبناء تنظيم إقليمي جديد».
ويشير الى ان «الاتحاد الأفريقي الذي تم تشكيله بعد جامعة الدول العربية بنحو عشرين عاما، تمكن من تحقيق ثورة في هيكله وآلياته وأصبحت هناك قوات سلام أفريقية تنتشر في أكثر من مكان في أفريقيا، وقد اتخذ قرارا بتجميد عضوية مصر بما يعكس قوته وقدرته على إلزام أعضائه. أما آليات جامعة الدول العربية فتسمح لأي دولة بوقف اتخاذ أي قرار».
ويضرب مرزوق الأمثال على المماطلة في التعاون العربي قائلا «في ملف إعمار غزة مثلا، فإن الدول لا تلتزم بتعهداتها، ولا آلية لإلزامها. والسوق العربية المشتركة التي تناقش قبل مناقشة الاتحاد الأوروبي لا يحدث فيها أي تقدم».
ويضيف مرزوق «يمكننا الحديث عن مؤتمر ناجح جدا من حيث التنظيم والدعاية، ولم تظهر فيه مشاكل حادة. ولكن ليس هذا المقصود من مؤتمر القمة العربية».
ويوضح مرزوق ان «القمة العربية حققت سمعة جيدة لمصر، من حيث قدرتها على تنظيم مؤتمرين متتاليين في شرم الشيخ، وقد زاد من قوة مصر الناعمة، وحقق دعاية لوجود أماكن جيدة للمؤتمرات في مصر، ولكن ذلك لا يعد نجاحا لمؤتمر على هذا المستوى، فمقررات قمة شرم الشيخ لو نزعنا منها التاريخ والمكان فلن نستطيع تفريقها عن المقررات السابقة. الأمر ليس سوى إهدار للمزيد من الورق. وهناك ضرورة لإعادة صياغة التنظيم الإقليمي ويجب أن يدرك القادة العرب ذلك».