وقف مجلس الوزراء اللبناني الذي اجتمع أمس، برئاسة رئيسه سعد الحريري دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء العسكريين. إلا أن المجلس الذي عقد في السراي الكبيرة انطلقت نقاشاته من موضوع العسكريين إلى ملفات أخرى.
وقال الحريري أمام الوزراء أنه بعد التأكد «من نتيجة فحص الحمض النووي لجثامين الشهداء العسكريين الذين كانوا أسرى لدى داعش، هذا يوم حزن وطني عليهم وعلى جميع شهداء الجيش والقوى الأمنية الأبطال الذين قضوا في مواجهة الإرهاب، بدءاً من العقيد الشهيد نور الدين الجمل الذي رفض الاستسلام في ثكنة عرسال وسائر الشهداء».
وشدد على وجوب أن «تكون مناسبة وحدة وطنية وألا تتحول إلى انقسام سياسي، وأدعو الجميع إلى الترفع إلى مستوى شهادة أبطالنا العسكريين والابتعاد عن المزايدات السياسية الصغيرة لأن المسؤول عن هذه الجريمة هو داعش الإرهابي».
وأشار الحريري إلى ما حققته زيارته الأخيرة لفرنسا وقال: «نجحنا بإطلاق ثلاثة مؤتمرات لمصلحة لبنان، الأول لدعم الاقتصاد اللبناني والثاني دعماً للجيش والقوى الأمنية والثالث لتنظيم عودة النازحين على مستوى المجتمع الدولي ودول النزوح عامة. وهذه إنجازات لمصلحة كل لبنان واللبنانيين ولا يمكن أن تكتمل من دون دعم الأشقاء العرب».
وذكر الحريري بـ «أننا انتهجنا سياسة النأي بالنفس وتحيّيد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة. وفي هذه اللحظة من مصلحة لبنان الابتعاد عن توتير الأجواء مع كل الأصدقاء وخصوصاً الأشقاء، والبحث عن حماية مصلحة لبنان واللبنانيين. وشدد على أن لبنان ليس جزءاً من أي محور، بل هو جزء فاعل من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ويقوم بدوره ويتحمل مسؤولياته في حماية شعبه وحدوده وسيادته من خلال قواه الأمنية الذاتية.
ودعا إلى «موقف من مأساة الروهينغا في ميانمار والطلب من المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فــــورية لوقف القتل والتهجير في حق هذه الأقلية المســـلمة التي تتــعرض لأبـــشع أنـــواع التنكــيل والاضطهاد».
وحذر الحريري من «أن طعن المجلس الدستوري في قانون الضرائب سيترتب عليه تداعيات على الوضع الاقتصادي ككل ولا نريدها وفي غنى عنها ونعمل على كل الصعد لتحسين هذا الوضع ناهيك بأن هذا الطعن في حال حصوله سيودي إلى إعاقة التزام الحكومة بسلسلة الرتب والرواتب».
وعلمت «الحياة» أن تناول عدد من الوزراء الوضع الاقتصادي في البلد تطور إلى نقاش سياسي، في ضوء إشارة بعضهم إلى أن عدم التوافق على قانون الضرائب يعني أن التزام تطبيق سلسلة الرتب والرواتب في خطر وكذلك الوضع الاقتصادي، وعلينا التنبه منذ الآن لهذه الأخطار التي تستدعي التوافق لئلا نقحم البلد في أزمات مستعصية».
حمادة وعدم الانسجام
واعتبر الوزير مروان حمادة أن الاقتصاد في لبنان سياسي أولاً وأخيراً «ونحن في حاجة ماسة، من أجل إنقاذه، إلى انسجام وتوافق في الداخل وعدم تعريض علاقاتنا العربية للخطر كما يحدث حالياً، لأن اقتصادنا يقوم على الفائض في ميزان المدفوعات والودائع العربية في المصارف اللبنانية وعائدات اللبنانيين في بلاد الاغتراب وأفريقيا».
ولفت حمادة إلى أن «عدم وجود حد من الانسجام في الداخل سيدفع باقتصادنا إلى حائط مسدود، ولا تفتشوا عن عقد مؤتمرات دولية لتصحيح الوضع الاقتصادي إذا لم نبادر إلى تحسين علاقاتنا مع الدول العربية، وخصوصاً الخليجية».
بوعاصي والخطر على الحكومة
ولقيت مداخلة حمادة تأييداً من وزراء حزب «القوات» والوزير ميشال فرعون. وقال الوزير بيار بوعاصي: «لا نبالغ إذا قلنا إن هناك خلافات حول أمور سياسية، أكانت في الداخل أم في الخارج، وأن لا انسجام في الحكومة حولها، لكننا في المقابل اتفقنا على تحييد لبنان والنأي به عن الصراعات في الخارج والحرائق المشتعلة من حوله، لأن لا مصلحة لنا في أن نكون في محور ضد الآخر».
وتابع بوعاصي: «لكن هناك من يضغط لجر لبنان إلى محور لا نريده لبلدنا لأنه يرتب علينا أضراراً جسيمة، وهذا ما يتعارض مع التزام كل من في الحكومة سياسة النأي بالنفس، واستمرار البعض على هذا النحو يعني أن كل مشاركتنا في الحكومة في خطر».
فنيش والمشنوق والصراف
ورد وزير «حزب الله» محمد فنيش على مداخلات وزراء غمزوا من قناة مواقف تصدر عن حزبه وفيها تعريض علاقات لبنانية مع الدول العربية للخطر، وقال: «نحن ندافع عن أنفسنا والآخرون يتعرضون لنا بهجوم تلو الآخر ولنا حق ألا نسكت، وجرنا البلد إلى محور ضد الدول العربية لا أساس له من الصحة».
وأكد فنيش أنه «مع فتح الملف المتعلق بالنأي بالنفس، لكن أن يفتح من كل النواحي وأن لا يكون جزئياً وأنا مؤيد الكلام الذي صدر عن الرئيس الحريري في مستهل الجلسة».
وعاد بوعاصي إلى القول: «أنا أتحدث بصراحة وأقول لكم لا نستطيع أن نكمل في الحكومة بهذه الطريقة، فالأمور لا تمشي في اتباع سياسة الانفصام في الشخصية داخل الحكومة التي أكدت في بيانها الوزاري سياسة الناي بالنفس أولاً واجتمعنا فيها على قاعدة تحييد لبنان عن مشكلات الإقليم وهذا ما لم يلتزم به بعضهم».
وسأل الوزير ملحم رياشي وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف عما حصل في الجرود، وقال إن «ما حصل يؤكد لنا أننا لا نتحمل الانفصام في الشخصية».
رد الصراف بموقف عمومي تجنب فيه الخوض في التفاصيل ومما قاله: «لا مصلحة لنا بأن نظهر كأننا على خلاف، لأننا بهذا نضيع على البلد انتصارنا ونحن نعد الآن للاحتفال بيوم النصر في الأسبوع المقبل».
ودعا الوزير نهاد المشنوق إلى التقيد بسياسة النأي بالنفس طبقاً للبيان الوزاري، ورأى أن أي خروج عنه يهدد البلد بالانفجار.
وعلمت «الحياة» أيضاً أن وزراء أثاروا ملاحظات إدارة المناقصات على دفتر الشروط لتلزيم استئجار بواخر لانتاج الطاقة، في ضوء اعتبار وزير الطاقة سيزار أبي خليل أن هذه الملاحظات غير ملزمة له. واعتبر هؤلاء أن كلامه يتعارض مع قانون المحاسبة العمومية، ومن حق الوزراء مناقشتها، وبعضهم كان انتقد تسريب هذه الملاحظات عبر وسائل الإعلام من دون أن يطلع عليها الوزراء.
وبعد الجلسة، أوضح وزير الإعلام ملحم رياشي أن وزير الدفاع يعقوب الصراف شرح في الجلسة ما حصل في جرود عرسال، مشيراً إلى أن «نقاشات المجلس تبقى سرية». وقال إن موضوع الانتخابات الفرعية «لم يبحث وهناك اجتماع يعقد للجنة تطبيق قانون الانتخابات». كما أشار إلى أن تقرير إدارة المناقصات بالنسبة إلى ملف الكهرباء لم يعرض في الجلسة.