الساعات الـ48 المقبلة قد تكون حاسمة على الصعيد الحكومي. وفي هذا السبيل قدّم الحريري بالأمس جرعة تفاؤل اضافية، بقوله: «أصبحنا قريبين من المعادلة الاخيرة». الّا انّ هذه الجرعة التفاؤلية، تبدو محدودة، كونها جاءت مشروطة منه بـ«اننا اذا أكملنا على هذا المنوال فبإمكاننا التوصّل الى تشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن».

هذا المناخ التفاؤلي، تُوِّج بالزيارة التي قام بها الحريري الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. واللافت فيها انّ الرئيس المكلّف حرص على إشاعة أجواء تفاؤلية، لكن من دون اي اشارة الى المدى الزمني المُتبقّي لترجمتها بتوليد الحكومة الجديدة، وفي هذا السياق قالت مصادر الحريري لـ«الجمهورية» رداً على سؤال عمّا تردد عن إمكان ولادة الحكومة يوم غد: «انّ الجو ايجابي، لكن لا احد يستطيع تحديد وقت ولادة الحكومة». وكان لافتاً ايضا في السياق ذاته قول مصادر في «حزب الله» انّ الحزب لا يملك معطيات ايجابية حول تأليف الحكومة. مع الاشارة الى انّ إعلام الحزب أشار، نقلاً عن مصادر، الى انّ الايجابيات التي أبداها الرئيس المكلّف ما زالت شعارات.

تبعاً لذلك، يبدو خط التأليف ما يزال مفتوحاً على جولات جديدة من الأخذ والرد بين الرئيس المكلف وبين القوى السياسية التي تتصادم شروطها حول أحجام تمثيلها في هذه الحكومة، وكذلك حول نوعية الحقائب السيادية والخدماتية التي تطالب بها.

وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات الجديدة حول الحكومة، انّ جولة المشاورات الجديدة أكدت نضوج ما نسبته نصف الطبخة الحكومية، وخصوصاً في الشق المتعلق بالقوى التي ستتمثل في الحكومة، والتي تشمل حتى الآن كلّاً من تيار «المستقبل»، «حزب الله»، حركة «أمل»، «القوات اللبنانية»، تيار «المردة»، «التيار الوطني الحر» إضافة الى حلفائه في تكتل «لبنان القوي»، والحزب التقدمي الاشتراكي، فيما لم تدخل دائرة الحسم الايجابي بعد الاصوات المطالبة بتمثيل الحزب القومي وحزب الكتائب وسنّة 8 آذار، حيث لم تعبّر ايّ من القوى الكبرى عن رغبة في الدخول في بازار المقايضة لتمثيل ايّ من هؤلاء السنّة.

واذا كانت الاجواء تشير الى الحسم شبه النهائي لحكومة من ثلاثين وزيراً، الّا انه لم يتم بعد حسم الحجم التمثيلي لبعض القوى فيها. وهو ما كان عَرضه بالأمس، الرئيس المكلّف على رئيس الجمهورية.

وكشف عاملون على خط التأليف عن محاولات متجددة في الساعات الماضية لتوسيع الحكومة الى 32 وزيراً، لتوسيع هامش التمثيل على ما يطالب به «التيار الوطني الحر»، ودعوا في هذا السياق الى التوقف عند الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية أمس حول بعض الاقليات المسيحية. ولكن حتى الآن لم يكتب لهذه المحاولات عبور حاجز التعقيدات التي تعترضه.

وبحسب المصادر المواكبة لحركة الحريري، فإنّ الاجواء التفاؤلية، والقول انّ المشاورات وصلت الى المربّع الأخير لا يعنيان بأنّ مهمة الحريري لتوليد حكومته سهلة او ميسّرة بالكامل، وعلى حدّ قول مصادر سياسية معنية بحركة التأليف، فإنها المهمة الاصعب التي تتبدّى امام الحريري. ومن هنا، فهو سيتابع مشاوراته بالوتيرة السريعة ذاتها، على ان يدخل مباشرة الى حقل الالغام التي ما زالت مزروعة في طريق حكومته.

وعليه، ستتحرك قنوات اتصالاته مجدداً في اتجاهات مختلفة، بدءاً بعين التينة حيث ينتظر ان يقوم بزيارة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ربما اليوم. وقد استبق بري لقاءه بالحريري، بالتأكيد على استعداده الحضور شخصياً في اي محاولة لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف. وكذلك في اتجاه «القوات» تحديداً، سواء لحسم حجم تمثيلها في الحكومة او الحقائب الوزارية التي ستسند إليها. «القوات»

وعلم انّ «القوات» ما زالت على مطالبها بحصة وزارية في الحكومة تتناسب مع حجمها الطبيعي الذي أفرزته الانتخابات النيابية. وقالت مصادر متابعة انّ الطروحات المتداولة حول حصة «القوات» تطال محاولة تحديد نسبة حصتها الوزارية سواء اكانت 4 وزارات او 5، وما اذا كانت ستشمل وزارة سيادية وتحديداً وزارة الدفاع او وزارة خدماتية. مع حديث غير محسوم بعد، عن ليونة في هذا الجانب لناحية عدم ممانعة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» إسناد وزارة الدفاع الى «القوات»، على ان يكون نائب رئيس الحكومة من حصة رئيس الجمهورية. فيما تحدثت مصادر مواكبة انّ اطرافاً سياسية أخرى تتحفّظ على إسناد حقيبة الدفاع لـ«القوات»، ومن بينها «حزب الله».

وفي هذا السياق ايضاً نقل زوّار معراب أجواء تؤكد انّ «القوات» ما زالت ملتزمة بالاتفاق القديم الذي عقد مع «التيار الوطني الحر» لجهة المناصفة في التمثيل المسيحي في الحكومة بينهما، ولا يبدو انها ستتراجع عن هذا الامر، في وقت انها لا تمانع في الدخول في مفاوضات حول الحكومة في اي وقت ومع أيّ كان. التمثيل الدرزي

واذا كان الخط الدرزي يشهد هدوءاً في هذه المرحلة، الّا انّ ذلك، بحسب مصادر مواكبة لمشكلة التمثيل الدرزي، لا يعني انّ الامور قد حسمت بشكل نهائي، خصوصاً انّ النائب السابق وليد جنبلاط رافض بشكل قاطع خروج التمثيل الدرزي في الحكومة عن الحزب التقدمي الاشتراكي. وأبلغت مصادر إشتراكية الى «الجمهورية» قولها: «حصة الحزب الاشتراكي في حكومة الثلاثين هي 3 وزراء دروز، ولا تراجع عن هذه الحصة، نحن من نختار وزراءنا، ووزراء طائفتنا، ولا نقبل ان يختارهم او يعيّنهم احد من طوائف اخرى او من قوى سياسية طائفية تعتبر نفسها قوية او واسعة التمثيل الطائفي، ومَن يريد ان يعطي احدا ما أو يسترضيه فليدفع له من كيسه وحصته».

وعلم انّ حركة الاتصالات حول الامر اظهرت انّ مستويات رسمية رفيعة في الدولة تحفّظت على منح جنبلاط الوزراء الدروز الثلاثة، الّا انّ هذه الفكرة لم تجد من يؤيّدها، فطرحت فكرة ان تتمّ مقايضة جنبلاط بوزير مسيحي مقابل وزير درزي بلا حقيبة يمنح لـ«الحزب الديموقراطي اللبناني» برئاسة الوزير طلال ارسلان. الّا انّ هذه الفكرة، التي اعتبرها من طرحها بأنها قد لا تجد ممانعة لها لدى جنبلاط، تبدو عاجزة عن العبور في ظل التنافس بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» على التمثيل المسيحي، والاستغناء عن الوزير المسيحي يعني انه سيذهب حتماً من حصة «التيار»، الذي لا يبدو انه في ظل هذا الجو التنافسي سيقبل بالتخلّي عن وزير مسيحي. فيما يتم التداول حالياً بفكرة جديدة تقول بحلّ وسط بين الحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة ارسلان وبين حصة رئيس الجمهورية، يقوم على توزير شخصية مسيحية أرثوذكسية تَمتّ بصِلة قرابة سياسية بين رئيس الجمهورية وارسلان. وحتى الآن لم يبت نهائياً بهذا الأمر. عقدة «الاشغال»

يضاف الى ذلك «عقدة الاشغال»، التي يبدو انّ شهية مختلف القوى السياسية مفتوحة عليها. وبحسب المعلومات فإنّ تيار «المردة» أبلغَ من يعنيهم الأمر تمسّكه بهذه الحقيبة ورفضه التخلي عنها. ويدعمه في ذلك حلفاؤه في الثامن من آذار الذين يؤكدون حق «المردة» في هذه الوزارة، خصوصاً انها كانت مسندة إليه في الحكومة السابقة، وبالتالي ليس مقبولاً حجب الاشغال عن «المردة»، كما ليس مقبولاً ان يتراجع تمثيله من دون وزارة الاشغال او ما يعادلها من الوزارات الخدماتية.«الشؤون الاجتماعية» و«الصحة»

على انّ معركة تدور بصمت، ومن تحت طاولة التأليف، حول الجهة التي ستسند إليها وزارة الشؤون الاجتماعية، وكذلك حول إدراج وزارة الصحة ضمن حصة «حزب الله» في الحكومة، حيث أشعلت معركة الصحة تحفظات أُبديَت من بعض القوى السياسية ولا سيما في الجانب المحيط للرئيس المكلف وحلفائه في 14 آذار، على اعتبار انّ إسناد حقيبة الصحة الى «حزب الله»، معناه تعطيل هذه الوزارة الخدماتية الحسّاسة، خصوصاً انها الوزارة مرتبطة بشكل عام بالخارج خدماتيّاً، سواء مع منظمة الصحة العالمية وسائر المنظمات الدولية العربية والاجنبية، ومعلوم موقف غالبية الدول العربية والغربية السلبي من «حزب الله». وبحسب المعلومات، فإنّ النقاش دائر حول هذا الامر، ولم يصل الى نهايات او الى اقتراحات بديلة أمام «حزب الله».

البقاع

من جهة ثانية، ظل البقاع، وتحديداً منطقة بعلبك، مقلباً على صفيح الفوضى التي تعمّها على كل المستويات. وواصلَ بري رفع الصوت الى القيادات الامنية والعسكرية لاتخاذ خطوات جدية إنقاذية لهذه المنطقة، التي تغتالها مجموعة من الزعران والخارجين على القانون.

وهذا الوضع السيئ، قد يدفع ببري الى الانتقال الى البقاع لمتابعة الوضع عن كثب. وقد قال أمام زوّاره: «لقد جددتُ في اتصالاتي التي أجريها، اللهجة القاسية والحاسمة من أجل إنهاء الوضع الشاذ في البقاع. فمن العيب ان يبقى الامر على ما هو عليه، واذا ما استمر الأمر على هذا المنوال، من دون المبادرة فوراً الى خطوات عملية وحاسمة وجريئة على الارض، فسيكون لي كلام آخر».

اضاف: «لا يجوز بل من غير المقبول ابداً، أن يُحكَم مصير منطقة عزيزة من لبنان من قبل 120 «أزعر»، ومعالجة هذا الوضع الشاذ لا تحتاج سوى المبادرة للتنفيذ. لا يجوز التأخير، فهل يريدون لأهل البقاع ان يعلنوا العصيان المدني؟ المطلوب قبل كل شيء هو الهَيبة، وفرض الهيبة، فماذا يريدون اكثر من رفع الغطاء الذي أعلنّاه أنا والسيّد حسن نصرالله؟ فلماذا هذا التباطؤ والتعاطي مع البقاع وكأنه خارج لبنان؟!