كشف موقع إنترسبت الأميركي، أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تفاخر في أثناء وجوده مع عدد من المسؤولين الخليجيين المقربين منه، قائلاً إن صهر ترامب ومستشاره الخاص غاريد كوشنر «في جيبه».
وبحسب الموقع الأميركي، فإن كوشنر كان معروفاً في البيت الأبيض بأنَّه واحدٌ من أكثر القراء نهماً لوثيقة President's Daily Brief  أو «مُلخَّص الرئيس اليومي» السرية للغاية، التي تتضمَّن أحدث المعلومات الاستخباراتية الموجَّهة للرئيس وأقرب مستشاريه فقط، وذلك حتى سحْب التصريح الأمني السري للغاية الذي كان ممنوحاً له.
وكان كوشنر، الذي كُلِّف التوصُّل إلى اتفاقٍ بين فلسطين وإسرائيل، مُطَّلِعاً على معلوماتٍ عن الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وفقاً لما ذكره مسؤولٌ سابق بالبيت الأبيض وخبيرٌ استخباراتي أميركي سابق.
في شهر حزيران 2017، أطاح الأمير السعودي، محمد بن سلمان، بابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي كان ولي العهد آنذاك، وحلَّ محله ليصبح الرجل الثاني في سُلَّم الحكم بعد الملك، مُغيِّراً بذلك، التسلسلَ المُعتَرَف به لولاة العهد.
وفي الأشهر التي أعقبت ذلك، كانت وثيقة «مُلخَّص الرئيس اليومي» تتضمَّن معلوماتٍ عن تطوُّرات الوضع السياسي بالمملكة السعودية، من بينها أسماء بعض أفراد العائلة المالكة الذين يعارضون استيلاء بن سلمان على السلطة، وفقاً لما ذكره المسؤول السابق في البيت الأبيض، ومسؤولان حكوميان أميركيان على درايةٍ بالتقرير. لكنَّهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم -كالعديد من الأشخاص الآخرين الذين أجريت معهم لقاءاتٍ للحديث عن هذا الأمر- لأنَّهم غير مُصرَّح لهم بالحديث عن أمورٍ حسَّاسة للصحافة.

 كوشنر وبن سلمان كانا يخططان معاً حتى الفجر 

وفي أواخر تشرين الأول 2017، أجرى غاريد كوشنر رحلةً غير مُعلَنة إلى العاصمة السعودية (الرياض)، مُفاجِئاً بذلك بعض مسؤولي الاستخبارات. وكَتَب الصحفي الأميركي ديفيد إغناتيوس، في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، مقالةً قال فيها آنذاك: «يُقال إنَّ الأميرين كانا يجلسان معاً حتى الساعة الرابعة فجراً على مرِّ عدة أيام، يتبادلان فيها القصص ويُخطِّطان لبعض الاستراتيجيات».
لا يعرف أحدٌ ما دار بين كوشنر وبن سلمان تحديداً في الرياض آنذاك، لكنَّ بن سلمان قال لبعض المُقرَّبين منه بعد هذه اللقاءات، إنَّ كوشنر أخبره بأسماء أشخاص سعوديين غير مُخلصين له، وفقاً لما ذكره 3 أشخاصٍ كانوا على اتصالٍ بأفراد في العائلتين المالكتين السعودية والإمارتية منذ حملة القمع. لكنَّ كوشنر نفى ذلك على لسان المتحدث باسم محاميه، حسب موقع إنترسبت.
إذ قال بيتر ميريجانيان، المتحدث باسم آبي لويل محامي كوشنر: «بعض الأسئلة التي تطرحها وسائل الإعلام خاطئة ومثيرة للسخرية بوضوحٍ شديد، لدرجة أنَّها لا تستحق الرد، وهذا أحدها. ينبغي لموقع ذا إنترسبت التحقُّق على نحوٍ أفضل».
وفي الرابع من تشرين الثاني 2017، أي بعد أسبوعٍ من عودة كوشنر إلى الولايات المتحدة، أطلق بن سلمان ما سماه حملة تطهير لمكافحة الفساد؛ إذ ألقت الحكومة السعودية القبض على العشرات من أفراد العائلة المالكة السعودية واحتجزتهم في فندق الريتز-كارلتون بالرياض، وكان موقع ذا إنترسبت الأميركي هو أول من نشر تقريراً عن هذه الواقعة باللغة الإنكليزية. وكانت الشخصيات السعودية التي وردت أسماؤها في وثيقة «ملخص الرئيس اليومي» من بين المُعتقلين، وقيل إنَّ أحدهم على الأقل تعرَّض للتعذيب.
جديرٌ بالذكر أنَّ السفارة السعودية لدى الولايات المتحدة لم تردَّ على الأسئلة التي وردتها من موقع ذا إنترسبت. بينما أحال البيت الأبيض الأسئلة التي وردته إلى مايكل أنطون المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، لكنَّ أنطون رفض التعليق وأحال الأسئلة التي وردته عن مناقشات كوشنر مع بن سلمان إلى لويل.
وقال مسؤولٌ في الحكومة الأميركية -رفض ذكر اسمه- أنَّه من المحتمل أنَّ بن سلمان كان يعرف هوية معارضيه بالفعل دون أن يذكرهم كوشنر. وربما يكون بن سلمان أيضاً لديه أسبابه الخاصة لقوله إنَّ كوشنر شاركه المعلومات، حتى لو كان ذلك غير صحيح؛ فمجرّد إظهار أنَّ كوشنر فعل ذلك من شأنه أن يبعث برسالةٍ قوية لحلفاء بن سلمان وأعدائه بأنَّ أفعاله مدعومةٌ من جانب الحكومة الأميركية.

وقال مصدرٌ يتحدث كثيراً إلى مُقرَّبين من الحكام السعوديين والإماراتيين، إنَّ ولي العهد الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، كان من بين الأشخاص الذين أطلَعهم بن سلمان على نقاشاته مع كوشنر. وقال المصدر نفسه إنَّ بن سلمان تباهى، في حديثه مع ولي العهد الإماراتي وآخرين، بأنَّ كوشنر كان «في جيبه».
وصحيحٌ أنَّ هناك حراسةً مُشدَّدةً مفروضة على الاطِّلاع على ملخص الرئيس اليومي، لكنَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتمتع بالسلطة القانونية للسماح لكوشنر بالكشف عن المعلومات الواردة فيه. وإذا صحَّ أنَّ كوشنر ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص لـ«بن سلمان»، في إطار نهجٍ مُعتمَد للسياسة الخارجية الأميركية، فستكون هذه الخطوة تدخُّلاً صارخاً من جانب الولايات المتحدة على أعلى المستويات في صراعٍ سلطوي واضح بدولةٍ حليفة. أمَّا إذا كان كوشنر قد ذكر الأسماء للأمير السعودي دون إذن رئاسي، فسيكون قد انتهك بذلك، القوانين الفيدرالية بشأن مشاركة المعلومات السرية.
يُذكَر أنَّ ترامب دافع عن حملة التطهير، بتغريدة على موقع تويتر، في السادس من تشرين الثاني 2017 -أي بعد يومين من بدء الاعتقالات في فندق الريتز- قال فيها: «لديَّ ثقةٌ كبيرة بالملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، فهُما يعرفان بالضبط ما يفعلانه».
وفي الأشهُر التي أعقبت ذلك، أُجبِرَ المُحتَجزون على التنازل عن أصولٍ شخصية بمليارات الدولارات للحكومة السعودية. وفي كانون الأول 2017، ذكرت صحيفة «القدس العربي»، الصادرة باللغة العربية، والتي يقع مقرها في العاصمة البريطانية لندن، أنَّ اللواء علي القحطاني تعرَّض للتعذيب حتى الموت في فندق الريتز. وظهرت على جثة القحطاني علاماتٌ على سوء المعاملة، من ضمنها برقبته التي كانت «ملتوية التواءً غير طبيعي كما لو كانت مكسورة»، وكدمات، «وآثار حرق تبدو ناتجةً من صدمات كهربائية»، وفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في وقتٍ سابق من آذار 2018.
ولطالما كان مسؤولون بارزون في الحكومة الأميركية قلقين حيال تعامُل كوشنر مع قضايا السياسة الخارجية الحسَّاسة؛ نظراً إلى افتقاره إلى الخبرة الدبلوماسية. وأعربوا عن مخاوفهم كذلك إزاء احتمالية سعي مسؤولين أجانب للتأثير عليه عبر صفقاتٍ تجارية مع إمبراطورية عائلته العقارية. ويُقال إنَّ المستشار الخاص روبرت مولر يُحقِّق في علاقات كوشنر التجارية ضمن تحقيقه المستمر.

 يطُوِّع السياسة الخارجية لمصلحته الخاصة 

وذكرت صحيفة واشنطن بوست، الأسبوع الجاري، أنَّ ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي السابق، وهربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي، «أعربا عن قلقهما مبكراً من أنَّ كوشنر يطوِّع السياسة الخارجية لمصلحته الخاصة». وذكرت الصحيفة نفسها أنَّ تيلرسون سأل موظفيه غاضباً في إحدى المرات: «مَن وزير الخارجية الفعلي هنا؟».
وفي الواقع، لقد نشأ كوشنر على قرابةٍ كبيرة من ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي، اللذين كان يتواصل معهما عبر تطبيق واتساب، الذي يُعَد تطبيق مراسلة على قدرٍ معقول من الأمان، وتعود ملكيته إلى شركة فيسبوك، ويحظى بشعبيةٍ في الشرق الأوسط، وفقاً لما ذكره مسؤولٌ غربي كبير ومصدرٌ مُقرَّب من العائلة المالكة السعودية.

 كوشنر همَّش دبلوماسيين ومسؤولين 

وحين سُئِل ميريجانيان، المتحدث باسم محامي كوشنر، عن تواصل كوشنر مع مسؤولين أجانب عبر تطبيق واتساب، قال: «دون التعليق على هوية من يتحدث معهم والطريقة التي يؤدي بها عمله، فكوشنر ملتزمٌ بقانون السجلات الرئاسية واللوائح الأخرى». ومنذ ذلك الحين، قال محامو كوشنر له بألا يستخدم التطبيق للعمل الرسمي، وفقاً لما ذكره مصدرٌ على درايةٍ مباشرة بالمراسلة، حسب موقع انترسبت.
وأدَّت اتصالات كوشنر غير التقليدية مع قادة إقليميين إلى تهميش مسؤولين دبلوماسيين أميركيين في صيف العام الماضي (2017)، حين أطلقت السعودية والإمارات حصاراً اقتصادياً لإضعاف جارتهما الخليجية قطر؛ إذ سرعان ما باءت مساعي تيلرسون للتوسُّط في الأزمة بالفشل؛ بسبب ترامب وكوشنر، اللذين دعما الحصار. وقال 3 مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية إنَّ تيلرسون لم يكن يعلم شيئاً تقريباً عن اتصالات كوشنر مع بن سلمان في هذه الفترة.
وفي أعقاب حملة مكافحة الفساد التي أطلقها بن سلمان في السعودية، اقترحت لجنة تنسيق السياسات، التابعة لمجلس الأمن القومي الأميركي، أن يتدخَّل تيلرسون ويحاول التحاور مع بن سلمان، وفقاً لما ذكره مسؤولٌ سابق بالبيت الأبيض ومسؤولٌ سابق في وزارة الخارجية. لكنَّ تيلرسون رفض، وقال لزملائه إنَّ ذلك سيكون «بلا جدوى»؛ نظراً إلى أنَّ كوشنر كان على اتصال مباشرٍ وقريب بالفعل مع بن سلمان آنذاك.
وقال المسؤول السابق في البيت الأبيض إنَّ مايكل بيل -مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والعقيد المتقاعد الذي كان يخدم بالجيش الأميركي - اشتكى كذلك في الأشهر الأخيرة، من أنَّه أُخرِج من دائرة أزمة الخليج والصراع العربي-الإسرائيلي. وقال بيل لبعض زملائه إنَّ كوشنر غالباً ما كان يدير كل تفاصيل هذه الموضوعات عبر التعامل المباشر مع قادة إقليميين، دون أن يُطلِع بيل على أي تفاصيل مهمة عن هذه التعاملات.
ونفى بيل، الذي تحدَّث على لسان أنطون المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أن يكون كوشنر قد أبعده عن دائرة هذه القضايا، قائلاً إنَّه يحترم دور كوشنر الرئيسي في المنطقة.
جديرٌ بالذكر أنَّ دعم كوشنر السعودية والإمارات في أزمتهما مع قطر، أثار تساؤلاتٍ عن تضارب محتمل في المصالح؛ إذ دَعَم كوشنر الحصار، بعد شهرٍ من رفض وزارة المالية القطرية محاولةً من شركة كوشنر العقارية، التي تحمل اسم «كوشنر كمبانيز» للحصول على تمويل من أجل أبرز عقاراتها المتعثرة في المبنى رقم 666 بالشارع الخامس في مدينة نيويورك الأميركية.
ففي عام 2007، اشترى كوشنر مبنى مانهاتن الشهير مقابل 1.8 مليار دولار، وسدَّد آنذاك مبلغ 500 مليون دولار نقداً، جَمَع معظمه من بيع الآلاف من الوحدات السكنية المُؤجَّرة التي كانت أسرته تمتلكها في ولاية نيوجيرسي الأميركية. ورأى الكثيرون أنَّ سعر المبنى مُبالغٌ فيه آنذاك، وحين عصفت الأزمة المالية بالولايات المتحدة، انهارت قيمة المبنى؛ مما أسفر عن القضاء على جزءٍ كبير من الاستثمار المبدئي. والآن، تمضي عقارب الساعة نحو موعد السداد النهائي في شهر شباط من العام القادم (2019)، عندما سيحين موعد سداد قرض عقاري كبير.

 يبحث كوشنر وأقرباؤه في أنحاء العالم عن مستثمرٍ 

ومنذ عام 2011، يبحث كوشنر وأقرباؤه في أنحاء العالم عن مستثمرٍ جديد، وفق موقع إنترسبت. وجاءت إحدى هذه المحاولات مؤخراً في ربيع العام الماضي (2017)؛ حين طلب تشارلز كوشنر، والد غاريد، من رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، أن يستثمر في المبنى. ثم قدَّم تشارلز في شهر نيسان 2017، عرضاً مباشراً للحكومة القطرية عبر وزير المالية القطري.
لكنَّ قطر رفضت الصفقة باعتبارها غير مُجدية من الناحية المالية. وفي شهر أيار 2017، سافر ترامب مع كوشنر إلى الرياض، حيث التُقطِت الصورة الشهيرة لترامب والملك سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهم يمسكون مُجسَّماً للكرة الأرضية. وفي أعقاب الاجتماع الذي عُقِد آنذاك، أعلنت السعودية والإمارات ومصر والبحرين فرض حصار على قطر، بزعم أنها تقف إلى جانب إيران، غريمة السعودية اللدود. وما زالت الأزمة مستمرة حتى اليوم.
يُذكَر أنَّ كريس ميرفي -عضو مجلس الشيوخ المنتمي إلى الحزب الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت الأميركية- قال لجورج ستيفانوبولوس، المذيع الأميركي في برنامج This Week الذي يُذاع على قناة «إيه بي سي» الأميركية، بعدما نَشَر موقع ذا إنترسبت تقريراً عن جهود شركة كوشنر كمبانيز للحصول على تمويل من قطر: «لا أفهم لماذا تنحاز إدارة ترامب بقوةٍ إلى السعوديين في هذا الصراع بين السعوديين والإماراتيين والقطريين؛ لأنَّ الولايات المتحدة لديها مصالح مهمة جداً في قطر». وكان ميرفي يشير إلى قاعدة العديد الجوية بقطر والتي تُمثِّل مقر القيادة المركزية الأميركية، وتتركَّز فيها آلاف القوات الأميركية.
وأضاف آنذاك: «إذا كان السبب الذي دفع هذه الإدارة إلى تعريض القوات الأميركية للخطر في قطر هو حماية مصالح آل كوشنر المالية، فهذا هو كل ما تحتاج إليه من أدلةٍ لإجراء بعض التغييرات الكبيرة في البيت الأبيض».
جديرٌ بالذكر أنَّ بن سلمان موجودٌ في العاصمة الأميركية (واشنطن) في الأسبوع الجاري؛ إذ تلقَّى استقبالاً حاراً يوم الثلاثاء 20 آذار 2018، من ترامب، الذي قال للصحفيين إنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية «ربما تكون في أقوى أحوالها على الإطلاق».