إنّه رهاب اللاجئين الفلسطينيين. لا بل قد يكون أمراً أخطر من ذلك. هذا ما يُستشفّ من خطاب وزير الخارجية جبران باسيل خلال الاجتماع الوزاري الاستثنائي «لحفظ الكرامة وتشارك المسؤولية وحشد العمل الجماعي من أجل الأونروا»، الذي عُقد في روما أول من أمس. أظهر باسيل ما يتعدّى «الخوف» من الوجود الفلسطيني، ليصل حدّ الدعوة إلى «تهشيلهم» من لبنان.

العنوان «جذّاب» لما يُسمّى «المجتمع الدولي»، والولايات المتحدة الأميركية. ولا شكّ في أنّ دوائر الإدارة الاميركية ستتلقّف تصريح «وزير الخارجية اللبناني»، مُستفيدةً منه في إطار عملها لتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حقّ العودة لأبناء الأرض وتثبيت القدس عاصمة لكيان الاحتلال.
من روما، دعا باسيل وكالة «الأونروا» إلى «شطب كلّ لاجئ فلسطيني من قيودها في حال تغيّبه عن الأراضي اللبنانية أو في حال استحصاله على جنسية بلد آخر، وذلك حتى تُخفّف من أعبائها المالية من جهة، ولكي تُسهم في خفض أعداد اللاجئين في لبنان من دون التعرّض لحقّ العودة الذي هو مُقدّس. وفي حال أردنا مقاربة الأمر كما يفعل المجتمع الدولي معنا في موضوع النازحين السوريين، فإننا ندعو هذا المجتمع الدولي نفسه إلى تنظيم حملة العودة الطوعية للاجئين الفلسطينيين، حيث إنّ كل مقومات العودة الآمنة والكريمة متوافرة في الحالة الفلسطينية».
ماذا يعني كلام باسيل؟ ببساطة، الإسهام في تضييق الخناق الأميركي على اللاجئ الفلسطيني، وإنهاء الحالة السياسية للاجئين، التي باتت مُرتبطة بلبنان، المُلتزم بحسب بياناته الرسمية بالقضية الفلسطينية والدفاع عنها.
استغل باسيل منصبه كوزير للخارجية من أجل التسويق لأفكاره الخاصة، من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء قبل تقديم اقتراحه «التنصّلي» من اللاجئين، ووضع نفسه في موقع «الناصح» لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، حول كيفية تخفيض نفقاتها، القائم طبعاً على «طرد» اللاجئين من لبنان. هذا هو الهدف «الأسمى» للمُرشّح عن المقعد الماروني في قضاء البترون؛ إنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان. حتى ولو كانوا موجودين داخل مُخيمات، وبغياب الحدّ الأدنى من الحقوق الانسانية. مُجدداً... إنّها «فزّاعة التوطين».

 


ولكنّ وزير الخارجية، قرّر «تجميل» خطابه بالتأكيد على أنّ «لبنان الذي استقبل 500 ألف لاجئ فلسطيني لـ70 سنة، ليس هنا ليستجدي مالاً، بل ليُطالب بحقّ شرعي لشعبٍ بالعودة إلى وطنه وبحدّ أدنى من مساعدته». أراد من هذه العبارة أن تكون «سترة نجاته»، من دون أن يُدرك أنّه يُناقض نفسه، بنفسه. والسبب أنّ اللاجئين يُحافظون على هذه «الهوية» من خلال سجلات «الأونروا». شطبهم من هذه الجداول يعني إلغاء وجودهم كلاجئين، وإسقاط حقّ العودة عنهم. ومن الطبيعي أن يلجأ قسمٌ من اللاجئين، بعد إسقاط صفة اللاجئ عنهم، إلى البحث عن جنسية بلدٍ آخر. هذا هو التوطين، باللغة التي يفهمها باسيل... ويخشاها، ولكن التي يسعى إليها الأميركيون تحديداً.
من غير المُمكن، مهما أراد الفرد مقاربة الموضوع بـ«نيّة حسنة»، فصل خطاب وزير الخارجية اللبناني عن الخطة الأميركية الجديدة تجاه فلسطين، المعروفة بـ«صفقة القرن». تخفيض إدارة دونالد ترامب للمساهمة الأميركية في موازنة «الأونروا» في لبنان وسوريا، يأتي في هذا السياق. البعض يقول إنّ باسيل أراد استثمار خطابه، محلياً، في الانتخابات النيابية المقبلة. ولكن، بالتأكيد انّ هذا الكلام يترك صدى «إيجابياً» لدى أعداء القضية الفلسطينية، أكثر بكثير من ناخبي البترون.
تقول مصادر في فريق 8 آذار إنّ خطاب باسيل «مُمكن أن يستغله الاميركيون كذريعة لدعوة الدول العربية التي تستضيف لاجئين إلى تبنّي هذا الطرح، وشطب اللاجئين من الأونروا». ولا تستبعد أن يكون الوزير «قد استشعر اقتراب تنفيذ صفقة القرن، ولا يريد للبنان أن يتحمل أعباءها». في كل الأحوال، «لا تهم الأسباب، بقدر ما أنّ الفكرة تحمل في طيّاتها خطورة كبيرة على حق العودة».
من جهتها، تسأل مصادر باسيل «ما الفرق بين أن يعود الفلسطيني إلى بلده من أستراليا أو أفريقيا؟ هل يجب أن يكون قريباً من الحدود؟». تُصرّ المصادر على أنّ «كلامنا لا يتنافى مع حقّ العودة، بل يقترح تخفيف الأعباء عن الأونروا. فالدولة الأميركية، من خلال تقليص النفقات، تُعاقب لبنان على سياسته الداعمة للفلسطينيين»، علماً بأنّه لا يدخل ضمن مهمات وزارة الخارجية تقديم اقتراحات لـ«المجتمع الدولي»، المسؤول عن احتلال فلسطين ووجود اللاجئين أينما كان.
ترفض المصادر اتهام باسيل بالتماهي مع السياسة الأميركية، «غير مقبول هذا الحديث. اللواء جميل السيد كان أول من اتخذ التدبير بحق اللاجئين عام 2003، قبل أن تعود الحكومة لتُلغيه. السيد اليوم مُرشّح على لائحة المقاومة في البقاع الشمالي، فهل كان هو في حينه وطنياً واليوم نحن نتماهى مع السياسة الأميركية ــ الاسرائيلية؟». بالنسبة إلى المصادر، «باسيل قام بدوره كوزير خارجية». في أيّ اجتماع لمجلس الوزراء كُلّف بلعب هذا الدور؟ وهل هناك اتفاق حول كلامه؟ «هذا مُجرّد اقتراح، لو قَبِل به المجتمعون كنا عرضناه على الحكومة، التي قد توافق أو ترفض». هل القصة بهذه البساطة؟ «الموضوع بسيط، وأنتم تُضخّمونه»، تُجيب المصادر!