وصل ساترفيلد الى بيروت، آتياً من إسرائيل التي نقل اليها الموقف اللبناني الرافض للطرح الاميركي الذي سبق ونقله الى بيروت، والذي يقول بتقاسم المنطقة البحرية المختلف عليها جنوباً، على نحو يعطي لبنان مساحة 60% منها أي ما يعادل 530 كيلومتراً مربعاً، فيما يعطي اسرائيل 40% اي ما يعادل 330 كيلومتراً مربعاً، على اعتبار انّ المساحة الممنوحة لإسرائيل تحت عنوان «خطة فريدريك هوف»، تنتزع من لبنان مساحات واسعة فيها، بينما هي حق للبنان وتقع ضمن حدوده ومياهه الاقليمية.

إلتقى ساترفيلد رئيس الحكومة سعد الحريري مساء امس في السراي الحكومي، بعد لقاء نهاري مع وزير الخارجية جبران باسيل، وتلته زيارة الى قيادة الجيش، على ان يزور رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم. وموضوع الحدود البحرية وحقوق لبنان، كان محل بحث بين بري والمدير العام للامن العام عباس ابراهيم، وكان لافتاً في هذا السياق، مواكبة رئيس المجلس لوصول ساترفيلد بموقف اكد فيه على «انّ موقف لبنان موحّد ومتضامن في الدفاع عن سيادتنا وثروتنا النفطية وحدودنا البحرية والبرية»، مشدداً على «انّ المعادلة الإسرائيلية «ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم»، هي معادلة مرفوضة قطعاً ولن تستقيم أو تمر». وواضح انّ بري يشير هنا الى مساحة الـ40% التي يمنحها الطرح الذي نقله ساترفيلد لإسرائيل.

وفيما اكدت مصادر مواكبة لحركة ساترفيلد لـ«الجمهورية» ان الموفد الاميركي لم يحمل في جعبته ما يمكن اعتباره تراجعاً عن الطرح الذي عرضه على المسؤولين اللبنانيين قبل انتقاله الى اسرائيل، في وقت كانت تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ما زالت تعزف على ذات الموقف الذي عبّر عنه وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان حول ملكية البلوك رقم 9. الأمر الذي يبقي النفط اللبناني في هذه المنطقة معلّقاً على حبل التعقيدات الاسرائيلية ومحاولات السطو عليه.

ومن هنا، كان تأكيد قائد الجيش العماد جوزف عون لساترفيلد «موقف الجيش المتمسّك بسيادة لبنان الكاملة على أراضيه ومياهه الإقليمية والاقتصادية»، وكذلك كان موقف وزير الخارجية الذي قالت اوساط قريبة منه لـ«الجمهورية» انه اكد للمسؤول الاميركي تمسّك لبنان بموقفه الثابت من البلوك رقم 9، وحقّه فيه.

رافضاً التنازل عن هذا الحق او إعادة النظر فيه. وانّ لبنان متمسّك بالاحداثيات التي قدمها. واذ أشارت الاوساط الى ان لا نقاش على البلوك 9 من قبل لبنان، لفتت الى انّ البحث تطرّق الى المناطق المتنازَع عليها، والتي سيحاول لبنان جاهداً تحصيل اكبر قدر من المكتسبات. فيما فَضّلت مصادر السراي الحكومي عدم الدخول في تفاصيل اللقاء بين الحريري وساترفيلد او اكتفت بالقول: «لنحتفظ بالتفاصيل في عهدة المسؤولين اللبنانين».

الجدير ذكره هنا، انّ هذا الموضوع اضافة الى مسألة الجدار الاسمنتي الذي تنوي اسرائيل إقامته على الحدود الجنوبية، سيكونان محور الإجتماع العسكري الثلاثي الذي سيعقد اليوم في مقر قيادة القوات الدولية اليونفيل في الناقورة. وسط توجيهات صارمة لممثّل لبنان في اللجنة بالتأكيد على رفض لبنان لكلّ ما يمسّ سيادته وحدوده البرية والبحرية.

محاولة تجميلية

واذا كان ثمّة من استبشرَ خيراً من حركة ساترفيلد حيال الحدود النفطية البحرية، فإنّ المعلومات التي تلقّتها بعض المراجع اللبنانية، تفيد انّ ما في جعبة الموفد الاميركي، الذي قد ينتقل من بيروت الى جنيف اليوم، لا يَشي بأكثر من محاولة تجميلية للطرح الاميركي المرفوض من قبل لبنان، حيث ان ما تسمّى «وساطة اميركية» لم تخرج عن سياق الهدف الاساس منها، والرامي الى تثبيت الشراكة الاسرائيلية في النفط اللبناني، وهو امر مرفوض قطعاً من قبل لبنان.

وبحسب معلومات احد المراجع السياسية، فإنه على الرغم من الحماسة الاميركية والاستعجال لطَي هذا الملف، فإنّ ما يسمعه لبنان من الموفد الاميركي ليس سوى لغة هادئة ورغبة بالوصول الى حل يرضي الطرفين اللبناني والاسرائيلي، مع إشارة الى استعداد اسرائيل للتفاوض، الّا انّ هذه اللغة الهادئة ليست كافية لطمأنة لبنان، ذلك انّ الكلام الاميركي لا ينطلق من نظرة محايدة للمشكلة القائمة، بل ما زال ينظر من الزاوية التي تحقّق مصلحة اسرائيل على حساب لبنان. وفي خلاصة الامر، انّ ما يحمله ساترفيلد لا يفتح ثغرة في الجدار، ولا يؤدي الى نقلة نوعية تجعل الوصول الى الحلّ المرضي لكل الاطراف مُمكناً.

وعليه، يقول المرجع: «لبنان مُعتدى عليه في هذا الامر، وما عليه الّا التمسّك بموقفه، ورفض ما يمسّ سيادته في البر والبحر، وطبعاً في الجو. لبنان ليس في موقع الضعيف هنا، فلديه من القوة ما يمكّنه من انتزاع حقه، واذا كان الرئيس بري قد عكس الموقف اللبناني لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم نيسان 1996 على غرار ما حصل بالنسبة الى الخط الازرق، فإضافة الى ذلك، أن يُصار الى اللجوء الى مظلة الامم المتحدة وتأكيد حق لبنان تحت رعايتها، وليس اللجوء الى مظلات أخرى لا تراعي الّا المصلحة الاسرائيلية.

الموازنة

من جهة ثانية، أعطت الحكومة امس، إشارة الى جديتها في إنجاز مشروع موازنة العام 2018، من خلال انطلاق اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالموازنة، والتي اجتمعت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وستعاود اللجنة الاجتماع اليوم، فيما قالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» انّ هناك توجّهاً عاماً بضرورة إنجاز الموازنة من قبل الحكومة في وقت قريب، وقد بدأنا النقاش في جلسة الامس، وأمكن البَت في ما يزيد عن عشرين مادة في مشروع القانون، واذا ما استمررنا على هذه الوتيرة فإنّ المسألة قد لا تتعدى اياماً قليلة ويُنجز مشروع الموازنة ويُحال الى مجلس النواب.

واشارت المصادر الى انّ الموازنة، كما هو واضح، لا تتضمن اي بنود ضريبية، الّا انّ الاساس فيها هو البند المتعلق بتخفيضات نفقات الوزارات والمؤسسات بنسبة عشرين في المئة على نحو ما طلب رئيس الحكومة، فهذه المسألة قد تستغرق وقتاً للبتّ بها وحسمها، خصوصاً انّ عدداً من الوزارات تجد صعوبة في خفض انفاقها، وهو الامر الذي عبّر عنه اكثر من وزير.

وفي وقت يؤكد وزير المالية علي حسن خليل على وجوب تضمين الموازنة بنوداً إصلاحية حقيقية تمكّننا من تجاوز الوضع المالي الصعب، قالت المصادر انّ ثمّة عقدة ما زالت موجودة، وتتمثّل في كيفية مقاربة الشروط التي طرحها وزراء تكتل الاصلاح والتغيير في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، والتي ربط الوزير باسيل مشاركته في جلسات الموازنة بالتوافق المُسبق عليها.

وعلى رغم السرعة في النقاش التي عكستها جلسة اللجنة الوزارية امس، الّا انّ ذلك لم يشكّل دافعاً لبعض وزرائها لإبداء تفاؤل جدي في إمكان الانتهاء منها قريباً، ذلك انّ التجارب مع مثل هذه اللجان تَشي بتَبدّلات ومفاجآت في اي لحظة من شأنها ان تعيد الامور الى نقطة الصفر، على حدّ ما قال احد اعضاء اللجنة لـ«الجمهورية».

وعلمت «الجمهورية» انّ نقاشاً حصل بين بعض الوزراء رَسم علامات من الشك حول إمكانية إنجاز الموازنة في فترة قصيرة، ذلك انّ عامل الوقت باتَ ضاغطاً بشكل كبير، علماً انّ رئيس المجلس وضع سقفاً للنقاش الحكومي في الموازنة حدوده 5 آذار المقبل، وهو موعد نهائي يصبح إقرار الموازنة مستحيلاً في مجلس النواب اذا ما تأخّرت إحالتها الى المجلس عن هذا التاريخ، ومن شأن عدم إقرارها ان يؤثّر سلباً على المؤتمرات الدولية المعنية بلبنان، وما يعوّل عليه لبنان منها.

يعني ذلك انّ امام الحكومة عشرة ايام فقط لإحالة الموازنة الى المجلس، وهذا لا يعني بحسب مصادر وزارية، إنجاز الحكومة لموازنة كيف ما كان، او موازنة مسلوقة، ذلك انّ آثار موازنة كهذه على البلد اكثر سلبية من عدم وجود موازنة.

ويتقاطع ذلك مع تشكيك مصادر نيابية بإمكان الانتهاء من الموازنة قريباً، او إمكان إقرارها من قبل المجلس قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي، وحتى لو تَمّت إحالتها اليه اليوم، خصوصاً انها تتطلّب جلسات مكثّفة من قبل اللجنة المالية ولِما يزيد عن شهرين.

الإنتخابات

في هذه الاجواء، يتسارَع النبض الانتخابي في مختلف الارجاء اللبنانية، والتحضيرات قائمة على قدم وساق، فيما اللافت الهمس الذي ما زال يُسمع في بعض الاوساط الداخلية حول مصير الانتخابات، على رغم التأكيدات المتتالية للمراجع السياسية بأنّ الانتخابات حاصلة في موعدها ولا شيء قادر على تعطيلها او عرقلتها.

وسجّلت حركة الاتصالات امس، نشاطاً ملحوظاً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وكذلك على مستوى الثنائي الشيعي وحلفائه حيث دخل عملياً الى حسم التحالفات على طريق حسم اللوائح النهائية، والحال نفسه بالنسبة الى تيار المستقبل الذي زَيّت ماكيناته بأقصى طاقتها في أماكن نفوذه في العاصمة والشمال والبقاع. فيما دخل الحزب التقدمي الاشتراكي في حركة اتصالات مع كافة الفرقاء، مستنداً على التحالف المبدئي مع تيار المستقبل والرئيس نبيه بري.

وكشفت مصادر اشتراكية لـ«الجمهورية» انّ الاعلان الرسمي لمرشّحي الحزب سيتم في وقت قريب، وخلال احتفال يرعاه النائب وليد جنبلاط، حيث بات محسوماً ترشيح كل من: تيمور جنبلاط، مروان حمادة، اكرم شهيّب، وائل ابو فاعور، هنري حلو، نعمة طعمة، فيصل الصايغ، بلال عبدالله.