في وقتٍ دعا لبنان الرسمي إلى مواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ديبلوماسياً وشعبياً، تتّجه الأنظار إلى بكركي ظهر اليوم، حيث تُعقد قمّة روحية إسلامية ـ مسيحية دفاعاً عن قضية القدس.

وتقول أوساط سياسية لـ«الجمهورية»: «إنّ خطوة الكنيسة المارونية أمر لافت جداً، وإن لم يكن موقف بكركي جديداً على صعيد دعم القضية الفلسطينية والقدس بشكل خاص، لكن هذه المبادرة تعزّز اجواء الوحدة الوطنية، وأهمّيتُها تكمن في انّها تأتي ايضاً بعد زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى المملكة العربية السعودية اخيراً، وكشفَ فيها عن دور الكنيسة الانطاكية على الصعيد العربي».


وتشير الاوساط الى «انّ هذه المبادرة التي قام بها البطريرك، بالتنسيق والتشاور مع كل قادة الكنائس المسيحية الكاثوليكية والارثوذكسية والمذاهب الاسلامية، لاقت ارتياحاً».


وعلمت «الجمهورية» انّ البيان المزمع ان يصدر عن القمة «سيؤكد الثوابت الوطنية والمشرقية المعروفة عند المجتمعين، إضافة الى ثبات خيار القدس مدينة للدولة الفلسطينية، وأن تكون مراكز العبادة مفتوحة للجميع. كذلك، سيدعو البيان المجتمعَ الدولي الى الاهتمام بقضية القدس، والى ان يكون ما يحصل اليوم منطلقاً لإحياء مشروع سلام عادل وشامل يضع حدّاً لمأساة الفلسطينيين، سواء كانوا في الارض المحتلة ام في بلاد الشتات».

القمّة الإسلامية


ويتماهى هذا الموقف مع المواقف التي صدرت عن قادة الدول الاسلامية الذين دعوا العالم، في ختام قمتِهم الطارئة في اسطنبول امس، الى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وشدّدت كلماتهم على ضرورة مواجهة قرار ترامب والمؤامرة التي تستهدف القدس، وأكّدوا أنّ القدس ستبقى عاصمة أبدية لفلسطين.


كذلك يتماهى الموقف مع البيان الختامي للقمة، ما يعني انّ كل الاطراف المسيحية والاسلامية في الشرق متفقة على موضوع القدس، و»هذا امر يجب ان يوظّف لإطلاق مفاوضات سلام جديدة لا ينحصر راعيها بالطرف الاميركي، طالما انّ الرئيس دونالد ترامب على رأس الدولة الاميركية، ويتّخذ مثل هذه المواقف»، حسب مصادر القمّة.

عون


وقد أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته في القمّة أنّ خطوة ترامب «تُسقط عن الولايات المتحدة صفة الدولة العظمى التي تعمل على إيجاد حلول تحقّق السلام العادل في الشرق الاوسط». وقال: «إذا لم تتصدَّ الأمم المتحدة لهذا القرار، فإنّها تتنازل عن دورها كمرجع دولي لحلّ النزاعات الدولية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، كما ينصّ ميثاقها، فينتفي بذلك سبب وجودها».


ودعا عون الى «التقدّم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة باسم مجموعة الدول الإسلامية لتعطيل القرار الأميركي وإلزام الولايات المتحدة إلغاءَه».

وحضَّ على القيام «بحملة ديبلوماسية تهدف إلى زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين والانتقال إلى اعتبارها دولةً كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مع اتّخاذ الإجراءات القانونية والسياسية والديبلوماسية اللازمة لاعتماد القدس الشرقية عاصمة لها».


وطالبَ عون بـ«اتخاذ إجراءات عقابية موحّدة ومتدرّجة، ديبلوماسية واقتصادية، ضد أي دولة تنحو منحى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، ودعا «شعوب دولنا الى ان تتحرك في بلدانها وأماكن انتشارها، لتشكيل قوّة ضغط شعبي تساند ضغطنا السياسي والديبلوماسي».

وشدّد على «التمسك بالمبادرة العربية للسلام بكلّ مندرجاتها من دون انتقاص، والتوافق مع وسيط دولي نزيه، للعمل على تفعيلها كي لا يبقى أمامنا سوى العودة عنها، مع ما يترتّب عن هذه العودة من تداعيات».

باسيل


بدوره، دعا وزير الخارجية جبران باسيل، خلال اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي التحضيري لقمّة اسطنبول، الى «الخروج بقرارات وإجراءات تنفيذية تتناسب وحجم الخطر المحدق بالقدس، بما ترمز اليه إسلامياً ومسيحياً ويهودياً، وبما يعكس وزن الدول الـ 57 التي تتألف منها المنظمة، كذلك وبما يتخطى مضمون القرار المتخَذ في مجلس وزراء الخارجية العرب الذي أيّده لبنان، مع تسجيل اعتراضه على عدم ملاقاته للمستوى الذي تستحقّه منهم قضية القدس بكافة مضامينها.

مصادر ديبلوماسية


وذكرت مصادر ديبلوماسية شاركت في مؤتمر اسطنبول لـ«الجمهورية» أنّ باسيل أدخَل تعديلاً على البيان النهائي قبل صدوره، والذي وضع قبل الجلسة التي شارك فيها الرئيس عون، إذ كان وارداً أنّ هوية القدس إسلامية، فتمكّن من إدخال تعديل على هذه الفقرة، أو بالأحرى، أضاف البُعدين المسيحي واليهودي الى الهوية الاسلامية، لناحية اعتبار القدس للديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية».


وغرّد باسيل لاحقاً: «القمّة الإسلامية أكّدت اليوم أنَّ القدس يهودية ومسيحية وإسلامية أو أن تكون مدينة للسلام أو صحَّ فيها «أنكِ لم تدركي وقتَ مجيء الله إليكِ ليخلّصَك».

الراعي


وعشية القمة الاسلامية ـ المسيحية في بكركي، اطلقَ الراعي من السراي الحكومي بعد لقائه رئيس الحكومة سعد الحريري، سلسلة مواقف متقدّمة ومهمّة، طارحاً أفكاراً جديدة كانت مدارَ بحثٍ منذ تأسيس الكيان اللبناني عام 1920.

فبعدما ابدى اطمئنانه الى الوضع السياسي، وجدّد دعمَ الحريري قائلاً: «نؤيّد وجودَه على رأس الحكومة، لأنّه يعطي ثقة للبنانييين»، شدّد على «انّ النأي بالنفس لا يمكن ان نأخذه كقطعة على حدة، بل يقتضي استكمالاً في البحث في الاستراتيجية الدفاعية.

ولكن الاساس، اذا توصّل لبنان فعلاً لأن يتمّ الاعتراف به من الامم المتحدة، على ان يكون بلداً محايداً بالمفهوم الدولي للحياد، والذي يتضمّن داخلياً النأي بالنفس، عندها لا نعود نتكلّم عن النأي بل عن الحياد».


وقالت مصادر كنسيّة لـ«الجمهورية»: «إنّ تناوُلَ البطريرك الماروني مسألة الحياد يطرح على بساط البحث جدّياً دور لبنان في المنطقة، بحيث تهدف بكركي الى إخراجه من نزاع المحاور الإقليمية والدولية، فقد عانى لبنان من حروب الآخرين على أرضه وتحمّلَ عبء المواجهة العربية - الإسرائيلية، كذلك تأثّر سلباً بالنزاع السني- الشيعي، وقد حان وقت إخراجه من كلّ تلك المحاور، في حين أنّ الحياد لا يعني أبداً عدم تضامنِه مع قضايا الجوار المحِقّة».

رسائل أميركية


في هذه الأجواء، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية رسائل دعم عدّة الى لبنان، وتوزّعت على الصعد السياسية والعسكريّة، حيث اكّدت مجدداً بشكل حازم، دعم استقرار لبنان بكل الوسائل.


المواقف الأميركيّة أعلنتها السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد خلال زيارتها وقائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الاوسط الجنرال جوزيف فوتيل، رئيس الحكومة، فأثنت على مقرّرات مجموعة الدعم الدولية التي اعترفت بدور الحريري كشريك رئيس في الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره.

كذلك ذكّرت السفيرة «بتشديد المجموعة على سياسة النأي بالنفس والتزامات لبنان السابقة بقرارات مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك القراران 1559 و1701».


أمّا عملياً، فكان تأكيد أميركي على استمرار مساعدة الجيش اللبناني، حيث كشفَت ريتشارد عن ثلاثة برامج جديدة لوزارة الدفاع الأميركية. وهذه الأنظمة، التي تُقدّر قيمتها بأكثر من 120 مليون دولار، تشمل 6 طائرات هليكوبتر هجومية خفيفة من طراز MD 530G، و6 طائرات بلا طيّار جديدة من طراز Scan Eagle، إضافة الى أحدث أجهزة اتصالات والرؤية الليلية».

الحريري


سياسياً، تريّثَ الحريري في «بقّ» بحصته، ولم يحدّد متى سيكشف ما في جعبته. فبعدما كان من المتوقع ان يطلّ مع الزميل مرسال غانم في برنامج «كلام الناس» في 21 كانون الاول، اعلنَ غانم امس انه تمّ تأجيل موعد الحلقة الى موعد قريب جداً يعلن عنه في حينه، «نزولاً عند رغبة الحريري الذي كان قد أعلن عن نيّته بقّ البحصة عبر كلام الناس مع مرسال غانم»، بحسب ما جاء على صفحة «كلام الناس» على تويتر.


وقالت مصادر عاملة على خط الاتصالات السياسية لـ«الجمهورية» انّ المرحلة هي مرحلة تهدئة، وتريّث، الرئيس الحريري جاء نتيجة اتصالات معه ونصائح بعدم الدخول بأيّ سجال مع ايّ طرف وتركِ الامور كما هي لا أكثر ولا أقلّ».


وقالت المصادر: «مجرّد أن يقول الرئيس الحريري انّه سيبقّ البحصة فهو بقّها فِعلاً ولا حاجة الى مزيد لأنّ من لديه مسلّة تحت إبطِه شعَر بها، والرسائل وصَلت، وكلّ انسان يدرك ما فعَله.


وعن إمكانية حصول لقاء بين الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع قالت المصادر: لن يعمل الحريري على لقاء كهذا، والكل سيأخذ حجمه بانتظار الانتخابات النيابية التي ستظهِر الاحجام الحقيقية، امّا العمل الوزاري او النيابي فسيبقى ضمن اصول التعاطي، وليتصرّف كلّ فريق وفق حساباته وقناعاته».


وكان الحريري قد أوضَح انّه سيسمّي الاشياء بأسمائها «قبل الانتخابات بمنيح». وكان قد اجابَ في مؤتمر مركز الابحاث والدراسات في «فينيسيا» رداً على سؤال عن سبب إرجاء المقابلة: «قلت إنّه في يوم من الايام ستكون لي مقابلة مع مارسيل غانم ولكنّني لم أحدّد أيَّ يوم».


وأكد الحريري «أنّ مبدأ النأي بالنفس مهم للغاية، ومن لا يحترم هذا المبدأ سيكون اللوم عليه»، وشدّد على أنّ ايّ فريق سياسي يريد تحقيق الاستقرار وتحقيق مصالح لبنان الاقتصادية عليه ان يلتزم تطبيق سياسة النأي بالنفس.

وقال: «موقف الولايات المتحدة ودول اوروبا تجاه «حزب الله» واضح، والجميع يطالبون بحوار وطني، وعلينا ان ننظر الى هذا الحوار بشكل جدي ومسألة «حزب الله» هي أكبر من لبنان وهي مسألة اقليمية».

معبر جوسيه ـ القاع


على صعيد آخر، وفي خطوة هي الأولى منذ اندلاع الحرب السورية وحتى ما قبلها بسنوات، تدخل مشاريع القاع تحت السيطرة الامنية من خلال افتتاح المبنى الجديد لمركز امن القاع الحدودي او ما يُعرف بمعبر جوسيه ـ القاع ، ظهر اليوم، برعاية وحضور المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وعدد من الوزراء والنواب ورجال الدين وشخصيات رسمية ومدنية وعسكرية ويحضر عن الجانب السوري الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني ـ السوري وضباط المعبر السوري. ويتضمن المعبر، الى الامن العام، نقطة للجمارك وأخرى للجيش اللبناني.

ابراهيم

وقال اللواء ابراهيم لـ«الجمهورية»: «إفتتاح هذا المعبر سيسهّل حركة عبور المواطنين اللبنانيين والسوريين بشكل شرعي وآمن، وسيساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية. هدفُنا منذ سنين وقفُ العبور غير الشرعي وضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، خصوصاً انّ هذا المعبر سيعيد السيطرة الامنية وبسط السلطةِ الشرعية بعمق ١٢ كلم، وهي المسافة التي كانت سابقاً خارج السيطرة الامنية، وسيتيح معرفة الاشخاص المتواجدين على كامل هذه البقعة ورصد نشاطاتهم، علماً انّ هذه البقعة او المتعارف عليها بأنّها مشاريع القاع، تضم مزارع وخيَماً ومجموعات من البدو كانت خارج السيطرة.

كذلك سُجّلت في السابق خروق امنية في هذه المنطقة، وحالات تسلّل واعمال تهريب. ولا ننسى انّ هذا المعبر سيخفّف بشكل كبير عن نقطة المصنع والعبودية لمن يريد الانتقال الى حمص وخصوصاً اهل البقاع، وهم اكثر من سيستفيد من هذا المعبر».


وردّاً على سؤال أكّد ابراهيم «أن لا علاقة لسياسة النأي بالنفس بافتتاح هذا المعبر الذي يدخل في إطار تنسيق العبور بين لبنان وسوريا، وهو أمر قائم ولم يتوقف يوماً، بل على العكس سيزداد كثافةً ونشاطاً».

تهديد إسرائيلي


على صعيد آخر، هدّدت إسرائيل بلسان وزير الاستخبارات والمواصلات يسرائيل كاتس بـ«إعادة لبنان للعصر الحجري في حال حاوَل «حزب الله» الهجوم على إسرائيل بأوامر ايرانية».

وأكد عدم السماح لإيران بإقامة مصانع لاسلحة متطورة للحزب في لبنان، مشيراً الى أنّ لإسرائيل معلومات حول هذا الامر. ولفت إلى أنه إذا اقتضَت الحاجة يمكن استعمال القوة العسكرية ضد «حزب الله».