وحده رئيس الحكومة سعد الحريري يجد نفسه محاصرا بين «لغم» رئيس المجلس النيابي نبيه بري الانتخابي، «وقنبلة» مرتقبة لرئيس الجمهورية ميشال عون بعد عودته من نيويورك، ترتبط بمقاربة جديدة للعلاقات اللبنانية ـ السورية، واذا كان «الهجوم» الانتخابي لرئيس المجلس قابلاً للاحتواء، عبر «اللعب» على «حبل» الاجماع الوطني والسياسي، وحصوله على دعم التيار الوطني الحر المستهدف ايضاًً «بزكزكة» رئيس المجلس الذي اقفل «الباب» بالامس على اي محاولة لتاجيل الانتخابات، فان استحقاق العلاقة مع دمشق لا يبدو قابلا للتأجيل وسط قناعة تتكون في بعبدا بان التأخير لم يعد في مصلحة لبنان الذي سيكون ملحقا في التسوية الجارية على «قدم وساق» بدعم اقليمي ودولي، وقد تدفع البلاد ثمنا باهظا بفعل هذا «التذبذب» في المواقف التي ما تزال تتعامل مع الازمة السورية وفقا لمناخات عام 2011...
ووفقا لاوساط ناشطة على «خط» بعبدا، فان زيارة الرئيس الى نيويورك ستكون مفصلية لجهة اتخاذ موقف متقدم من ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية في ضوء التطورات المتسارعة في السياسة والميدان، واذا لم يجد الرئيس جدية دولية في التعامل مع ملف النازحين، فانه سيعمل على حث الحكومة على اتخاذ كل ما يلزم من خطوات للتنسيق مع الحكومة السورية لمعالجة هذا الملف الذي يشكل «قنبلة» موقوتة في لبنان ولم يعد بالامكان تاجيل البحث فيه... كما سيستفيد الرئيس من جوجلة «المناخات» الدولية والاقليمية لتحديد الخطوات العملانية الايلة الى اعادة صياغة العلاقات اللبنانية السورية بما يتماشى مع مصلحة البلاد العليا، خصوصا ان الاجواء العامة تشير الى ان الخطوط العامة للتسوية السياسية قد رسمت ولا مصلحة لبنان بتأخير حضوره فيها... 
وقد بدأ رئيس الجمهورية اجتماعاته الجانبية على هامش مشاركته في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للامم المتحدة، والتقى امس الامين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط، وكذلك رئيس الصليب الاحمر الدولي، وتمت مناقشة مسألة ايجاد مناطق آمنة في سوريا لاعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم، واكد عون ان الدول المانحة مدعوة للتعاطي مع لبنان في ما خص المساعدات للنازحين ولبذل الجهود لكشف مصير المطرانين المخطوفين والصحافي كساب... وفور انتقاله الى مقر الإقامة في فندق «ريتز كارلتون» عقد رئيس الجمهورية اجتماعاً مع أعضاء الوفد المرافق، تم خلاله وضع اللمسات الأخيرة على برنامج المشاركة اللبنانية في أعمال الجمعية العامة واللقاءات التي سيعقدها عون مع عدد من قادة الدول ورؤساء الوفود المشاركة، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، على أن يلقي كلمة لبنان في 21 أيلول الجاري. 
 

 
 
 

 

 «قنبلة» بري


في الشكل، شكل قرار الرئيس بري عقد مؤتمر صحافي بعد اجتماع تكتل التنمية والتحرير، «رسالة» الى من يعنيهم الامر حيال جديته في مقاربته للملف الانتخابي، وبحسب اوساط بارزة في 8 آذار، فان الرئيس بري ينطلق من دعوته الى تقريب موعد الاستحقاق الانتخابي من عدة اعتبارات داخلية وخارجية، اهمها انه يريد «قطع الطريق» امام اي محاولة لتمديد جديد للمجلس النيابي، في ظل محاولات البعض الايحاء بأن هذا الاحتمال لا يزال قائما من خلال خلق تعقيدات لوجستية، وقد عمل رئيس المجلس بالامس على تفكيكها عبر تجاوز ربط اجراء الانتخابات بجهوزية البطاقة البيوميترية...
الامر الثاني يرتبط «بقطع الطريق» امام رغبة التيار الوطني الحر وتيار المستقبل باجراء تعديلات جوهرية على القانون القائم بعد ان ثبت لهما «بالوجه الشرعي» ان في القانون ثغرات لا تتناسب مع حساباتهما الانتخابية، خصوصا مع تقديرات سابقة اجراها «التيار البرتقالي» وثبت انها غير صحيحة... وقد جاء رئيس المجلس ليقول «ان ما كتب قد كتب»...
الاعتبار الثالث سياسي ويتعلق برغبة بري في اعادة تصويب الامور الداخلية في ظل «الميوعة» السياسية التي وصلت الى حدود الاستهتار بمتابعة ملفات داخلية اساسية واعتبارها شاناً ثانوياً، وفيما رئيس الجمهورية في نيويورك ورئيس الحكومة عاد للتو من موسكو، اراد الرئيس بري ان يقول بان الحدث في بيروت وليس في مكان آخر، والاستحقاق السياسي المتمثل بالانتخابات التشريعية لا يحتمل اي عملية تحايل بحجة تقدم ملفات اخرى عليه...
اما الاعتبار الرابع، فيرتبط بالتطورات الاقليمية المتسارعة وخصوصا في سوريا، وهنا يرغب رئيس المجلس في اتمام الاستحقاق الانتخابي بأسرع وقت ممكن، اذا كان ذلك متاحا، رغبة منه في فرز سياسي للقوى الداخلية بما سينعكس حكما على تشكيلة الحكومة المقبلة التي سيكون امامها مهمة المضي قدما في معالجة ملف العلاقات اللبنانية السورية، وكلما قصرت مدة «الصخب» الانتخابي يخرج هذا الملف من دائرة التوظيف المحلي الضيق، والمزايدات الانتخابية، وينتقل الجميع الى نقاش جدي ووازن حيال كيفية الخروج من «الدائرة المفرغة»، والانتقال الى خطوات ملموسة تسمح باعادة «تطبيع» العلاقات بما يؤمن مصلحة البلدين...
 

 «المستقبل»


اوساط تيار المستقبل تشير الى ان خطوة بري جزء من «اللعبة» السياسية المعتادة في البلاد، ولكنها لن تؤدي بطبيعة الحال الى «مشكل» سياسي لا يرغب به أحد، فالجميع يدركون انه لا يمكن حصول تعديل في موعد الانتخابات دون توافق سياسي بين جميع الافرقاء، لان احدا لا يمكن ان يخاطر بمقاطعة فريق وازن في البلاد اذا شعر انه مستهدف.. وسيكون رئيس الحكومة سعد الحريري واضحا في مقاربة هذا الموقف عندما يحصل نقاش جدي ومباشر في موعد قريب مع رئيس مجلس النواب الذي طالما ابدى حرصه على ضرورة عدم اضعاف تيار «الاعتدال» في الشارع السني الذي يمثله تيار المستقبل، فهل ثمة معطيات اقليمية تستوجب هذا الانقلاب في الموقف؟ حتى الان، تستبعد اوساط سياسية بارزة في 8آذار هذا الامر، وتعتقد ان بري يدرك جيدا ان «البدائل» غير جاهزة، وهو لا يريد استهداف «المستقبل» ، وبالتجربة ثبت ان «كحل» سعد الحريري افضل بكثير من «عمى» غيره....
 

 «الوطني الحر»  


من جهتها لا تعتبر اوساط التيار الوطني الحر ان «رسالة» بري موجهة لها، لان رئيس «التيار» جبران باسيل كان من اوائل الذي طالبوا بتقريب موعد الانتخابات اذا ما ثبت ان انجاز البطاقة البيومترية غير قابل للتحقق في موعده، كما ان رئيس الجمهورية ميشال عون كان واضحا في مقاربته للمسألة، وهو قبل على مضض التمديد الجديد للمجلس النيابي تحت ضغط المهل وانجاز البطاقة، وبرأي تلك الاوساط، فان بري لم يأت بجديد وهو يتبنى اليوم موقف التيار الوطني الحر الذي لن يمانع تقريب موعد الانتخابات في حال تحقق الاجماع الوطني حول ذلك... لكن هل الرئيس بري جاد في طرحه؟ ام يريد فقط تسجيل نقاط في السياسة على الاخرين؟
 

 حزب الله


حزب الله من جهته جاهز لخوض الانتخابات في اي توقيت، الثابتة الاساسية هي ان الحزب ضد اي تأجيل لهذا الاستحقاق، ومع اجراء الانتخابات في موعدها، واذا كان من بد لتقريبها، وكان خيار رئيس المجلس المضي الى النهاية في هذا الامر، فسيكون الحزب الى جانب حليفه، مع الادراك المسبق بان تعديل كهذا لن يحصل دون توافق اقله بين القوى السياسية الرئيسية في المجلس النيابي...
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري ترأس بعض ظهر امس في عين التينة اجتماع كتلة «التنمية والتحرير»، وبعد الاجتماع عقد بري مؤتمر صحافيا اكد فيه الاصرار على التسجيل للناخبين، وذلك تسهيلا لقيام الوزارة المعنية بموضوع الانتخابات التي تجد صعوبة كبيرة الان سواء كان في البطاقات البيومترية او في موضوع الاوقات، وهو في هذ السياق «غمز من قناة» التيار الوطني الحر الذي يصر على عدم التسجيل، وهو ملف سيكون مدار سجالات في الايام القليلة المقبلة...
وفي «رسالة» واضحة بمداولاتها لتيار المستقبل، اكد بري ان الكتلة مع اجراء الانتخابات وفق البطاقة البيومترية، وهذا هو نص قانون الانتخابات في المادة 84 منه التي تنص على ضرورة ذلك، ولكن لماذا لا يحصل ذلك ولو باجراء مناقصة سريعة بدلا من ان تكون عقودا رضائية تثير الاشكالات والشكوك؟ 
وإزاء هذه التخبط، اكد رئيس المجلس انه في موضوع «البيومترية» التي هي واجب قانوني كما قلت، يعني ذلك ان على وزارة الداخلية ان تصدر للناخبين بمعدل مليون بطاقة كل شهر، ونحن نرى في هذا الامر صعوبة بالغة كي لا اقول استحالة، لذلك، وخوفا من اي تمديد طارئ يوضع المجلس النيابي امامه كما حصل سابقا، تقدمت الكتلة اليوم باقتراح قانون معجل مكرر تنتهي بموجبه ولاية مجلس النواب الحالي استثنائيا في تاريخ 31-12-2017، على ان تجري الانتخابات قبل هذا التاريخ وفق الاحكام والاجراءات المنصوص عليها في القانون بعد اجراء التعديلات اللازمة على تواريخ المهل المتعلقة بالاجراءات التنفيذية وبما يتلائم مع هذا التعديل. 
 

 المجلس الدستوري


في غضون ذلك لم بخرج «الدخان الابيض» من المجلس الدستوري الذي عقد جلسته الاولى بالامس لدراسة الطعن المقدم بقانون الضرائب، وسط تعتيم اعلامي «خرقه» بيان رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان اكد فيه ان الامور ستأخذ مداها الطبيعي، ووفقا للمدة القانونية المتاحة وهي 15 يوما، وستعقد جلسة اخرى يوم غد الاربعاء في ظل عدم استبعاد صدور قرار عن المجلس بعد هذه الجلسة... وفي سياق قضائي آخر قررت محكمة استئناف جبل لبنان برئاسة القاضي الهام عبد الله وقف تنفيذ قرار اقفال مطمر الكوستابرافا الى حين بت الدعوى العالقة أمامها... وهذا يعني تأجيل ازمة نفايات كانت تدق «ابواب» «ضواحي بيروت...