بين دفاع وزير الخارجية جبران باسيل عن سلّة الضرائب، والمرافعة عن انجازاته في الملاحقات والتعيينات، التي لم ير لها المواطن اثراً ملموساً، وخارطة الطريق التي وضعها الرئيس نبيه برّي، والذي لم يدع إلى جلسة لمجلس النواب الأربعاء لمتابعة مناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما كان متوقعاً، والذي قلب فيها رأسا على عقب اجندة الاولويات الحكومية، متهماً الحكومة بأن «سيوفها كانت على السلسلة وقلوبها على المافيات»، عاش وسط بيروت يوم أمس، يوماً من ايام الحراك الاحتجاجي على الزيادات الضريبية المقترحة لتمويل السلسلة التي دخلت في «ذمة» التأجيل، واصبحت في عالم الغيب.
وفي حدث نادر من نوعه، توجه رئيس الحكومة سعد الحريري الى ساحة رياض الصلح، حيث تدفق نحو الفي شخص (رويترز) وهم يهتفون: «لن ندفع» حاملين اللافتات والإعلام اللبنانية، وخاطب المتظاهرين، مؤكداً أن «الحكومة مع رئيس الجمهورية ستكون دائماً إلى جانب الناس ووجع النّاس، وتواجه الفساد وسنوقف الهدر، والمشوار سيكون طويلاً». لكن المتظاهرين رددوا هتافات ضد رئيس الوزراء، ورشقوه بالزجاجات الفارغة، فغادر، ثم غرد على موقع «تويتر»، داعياً منظمي التظاهرة إلى تشكيل لجنة ترفع مطالبهم لمناقشتها بروح إيجابية.
ولاقت هذه التصرفات من جانب المتظاهرين ردود فعل سلبية ومؤيدة لخطوة الرئيس الحريري بالحضور الى الساحة ومخاطبتهم، وعلى التو خرج انصار أحزاب التقدمي الاشتراكي والكتائب والاحرار من الساحة احتجاجاً، فيما وصف الرئيس نجيب ميقاتي التعرّض لمقام رئاسة الحكومة «بالأمر المرفوض والمستنكر»، معتبراً ان حق التظاهر والتعبير عن الرأي مشروعان، وكذلك كان موقف كل من وزير العدل السابق اللواء اشرف ريفي والنائب خالد الضاهر.
واللافت أن الحركة الاحتجاجية، بعد توقف النشاط في ساحة رياض الصلح، استمرت في عدد من المناطق، حيث اقدم شبان على إحراق اطارات ومستوعبات النفايات في منطقة مار مخايل في الضاحية الجنوبية، كما ترددت معلومات عن تحرك عدد قليل من الشبان في منطقة الطريق الجديدة، في وقت بقي بضع عشرات من المحتجين وسط العاصمة مصرين على الاستمرار في التحرّك.
وفي أجواء البلبلة هذه، وانشغال المسؤولين المعنيين بغياب روح التضامن الوزاري والتباعد بين المجلس والحكومة، وغياب أي موقف واضح في بعبدا، إزاء ما يجري، ما خلا التركيز على وصف التحركات الجارية بأنها «تندرة في اطار حملات عشوائية تضليلية»، على حدّ تعبير بعض وزراء «التيار الوطني الحر» الذي عاد رئيسه إلى التأكيد بعد الاجتماع الطارئ لتكتل «الاصلاح والتغيير» السبت ان الضرائب التي فرضت على مجالات كانت محرمة سابقاً كالربح العقاري والمصارف والشركات والاملاك البحرية.
لكن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ذهب أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن تحسين الوضع المالي للدولة يكون باصلاحات وليس بفرض ضرائب، داعياً وزراء القوات وكتلته النيابية التي التمسك بموازنة العام الماضي، الأمر الذي يعني حكماً أن موضوع السلسلة بات مستبعداً لدى حزب «القوات.
ولم يكن انفجار الحراك الشعبي في الشارع بعيداً عن الاشتباك غير المعلن بين مكونات التسوية التي بدأت مع انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل حكومة الحريري، واعادة الدينامية لعمل مؤسسات الدولة.
وعليه لم يوجه الرئيس برّي دعوة لعقد جلسة لمعاودة مناقشة السلسلة، في وقت توقعت فيه مصادر نيابية أن يُصار إلى تأجيل طرح السلسلة إلى ما بعد حسم موضوع الانتخابات النيابية، وفق أولوية الرئيس برّي.
اما الرئيس الحريري فسيعقد اليوم لقاء مع سفراء مجموعة الدعم الدولية لمساعدة النازحين السوريين، وذلك في إطار التحضير للمؤتمر الدولي الذي سيعقد في بروكسل خلال الاسبيع المقبلة لبحث المساعدات المالية للبنان، من أجل ترميم وإصلاح البنى التحتية التي تعرضت لاعباء وجود النازحين في لبنان.
مؤتمرات ومواقف
وفي موضوع السلسلة، تعقد اليوم ثلاثة مؤتمرات صحفية، الأولى لوزير المال علي حسن خليل، والثانية عصراً لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والثالثة لرئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان، في اعقاب مؤتمرين عقدا السبت، الأوّل لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل دافع فيه عن ضرائب السلسلة التي لا تطال ذوي الدخل المحدود لكنها تمس للمرة الاولى الجيوب الكبيرة في إشارة إلى الضرائب التي فرضت على الشركات والمصارف والاملاك البحرية، والثاني لجعجع في اعقاب اجتماع لكتلة وزراء ونواب «القوات» أعلن فيه انه طلب من وزراء «القوات» العودة الى مشروع موازنة العام الماضي، باعتبار ان الدولة غير قادرة على الانفاق.
اما الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي دعا إلى مقاربة ملف السلسلة بعيداً عن المزايدات وعن تصفية الحسابات، مشدداً على ان الشعبوية في هذا الملف لا تفيد، فقد كشف السبت عن لقاء مصغّر سيعقد للكتل النيابية الأساسية في المجلس لإعادة النظر بالسلسلة، مشيراً إلى ان الحزب لديه طرح كامل حول البدائل في هذا الموضوع، لم يشأ الكشف عنه، لكنه أكّد انه يمكن تمويل السلسلة دون ان يزداد أو يضاف ليرة واحدة على فقير أو ذي دخل محدود، الا انه قال ان هذا يحتاج إلى ممارسة جدية من قبل القوى السياسية والكتل النيابية.
قانون الانتخاب
على صعيد قانون الانتخاب، تكشف المعلومات ان اتصالات بعيدة عن الأضواء نشطت في الساعات الماضية بحثاً عن صيغة مقبولة، تسمح بالالتقاء حولها لإنقاذ الانتخابات، مع بدء مهلة الـ90 يوماً لدعوة الهيئات الناخبة في 18 حزيران المقبل.
وتوقعت مصادر سياسية مطلعة أن يزور وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الرئيس ميشال عون اليوم للتشاور معه في موضوع قانون الانتخابات ،على أنه يمكن تحديد المرحلة في ضوء هذه الزيارة . وذكرت أن رئيس الجمهورية ليس في وارد التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على اساس قانون الستين. وكشفت أن هناك اجتماعات تمت خلال اليومين الماضيين، وبينها اجتماع مطول عقد ليل امس من دون كشف المكان ولا تفاصيل، لكن مصادر قالت ان العمل منصب على الوصول إلى صيغة معقولة،بحسب مصادر نيابية في «التيار الحر».
وكان الوزير المشنوق وقع مشروع مرسوم بدعوة الهيئات الناخبة في موعد جديد حدده في 18 حزيران وإحاله إلى رئاسة الحكومة للتوقيع عليه، على غرار ما حصل في المرسوم الأوّل الذي حدّد موعد الاقتراع في 21 أيّار.
يذكر ان اليوم 20 آذار تبدأ مهلة الـ90 يوماً لاجراء الانتخابات وفق قانون الستين.
وفيما دعا الرئيس عون إلى إيجاد حل لقانون الانتخاب الذي وصفه «بالمعقد»، ملمحاً إلى قانون تكون الارجحية فيه لأن ينتخب النواب المسيحيين مسيحيون رأى السيّد نصر الله انه «لا يجوز الاستهانة بالمصير الذي سيذهب إليه البلد ان لم تحسم القوى السياسية والكتل النيابية امرها في إقرار قانون انتخابي»، مشيراً إلى أننا «لا نقترح قانون انتخاب على قياسنا وقياس حلفائنا، بل قانوناً يحقق تمثيلاً عادلاً للجميع»، داعياً كل طرف بأن يقبل «بالعودة إلى حجمه الطبيعي وفقاً للعدالة والانصاف».
وكشف مصدر في «التيار الوطني الحر» لمقربين ان صيغة رابعة قيد التداول مع الرئيس الحريري والثنائي الشيعي و«القوات» للخروج من الحلقة المفرغة، وفتح الطريق لمنع جر البلد إلى أزمة سياسية مستعصية.
جنبلاط
وفي تطوّر آخر، استرعى اهتمام الأوساط السياسية والدبلوماسية إن في توقيته أو مضمون الوصية التي قالها امام الملأ النائب وليد جنبلاط لنجله تيمور (35 عاماً) بعد ان سلمه الزعامة الجنبلاطية السياسية في لبنان، فضلاً عن ان هذه الخطوة تأتي في الذكرى الـ40 لاغتيال مؤسس الحزب الاشتراكي كمال جنبلاط، والتي شارك فيها الرئيس الحريري مع ممثلين عن الرئيس برّي والسيّد نصر الله وشخصيات.
وبعد ان وضع جنبلاط الكوفية على كتفي تيمور خاطبه بالقول: «سر رافع الرأس واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، وكوفية المقاومين لاسرائيل أياً كانوا وكوفية المصالحة والحوار». (راجع ص2).
ولوحظ ان جنبلاط تجنّب في الذكرى التي شارك فيها الألوف من محازبيه وانصاره، في حشد قلما شهدته المختارة في السنوات الماضية، الإشارة في كلمة تنصيب نجله الزعامة السياسية للمختارة، إلى المواضيع السياسية الراهنة، كقانون الانتخاب أو السلسلة، أو العلاقة مع بعبدا، لكن معلومات لمحطة O.T.V ذكرت ان جنبلاط ينوي زيارة قصر بعبدا قريباً.