الإبقاء على التسوية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كان ولا يزال هدف الرئيس سعد الحريري. بعدَ أسبوعين من الحرب الافتراضية بين العونيين والمستقبليين، بدا صمت الحريري دهراً، فظنه البعض قاب قوسين من «الانتفاضة». غيرَ أنه خرج أمس ليرمّم للتسوية، مع الوقوف على خاطر الطائفة والتيار والجمهور، وليقول لشركاء التسوية إن لصبره حدوداً

 

كلام رئيس الحكومة سعد الحريري مِثله كمثل القول الفرنسي «يدٌ من حديد في قفاز من مخمل». كلامٌ يعرِض فيه زعيم تيار «المُستقبل» استياءه وغضبه، بنبرة لا تخلو من سعة الصدر! ففي لحظة تفجّر الحنق «السني» على التيار الوطني الحرّ ورئيسه ووزرائه ونوابه، يُصرّ الحريري على التمسك بالتسوية «لحماية البلد». يمسك التصعيد والسياسية السنية في كف، وفي الكفّ الأخرى التحالف مع العونيين.

 

كان يُمكن الحريري أن لا يخرُج في مؤتمر صحفي للردّ على كل الحملات، وبلا كل هذا الاشتباك. فعلَ ذلك مُرغماً تحت ضغط بيئة سياسية وطائفية استفزها أداء وزير الخارجية جبران باسيل. أخرج ردّ الفعل تجاه الأخير، من دون أن يصل إلى إعلان العداوة معه. وللأمانة، أجاب عن كل الأسئلة التي طُرحت في الأيام الماضية، وأعطى موقفاً واضحاً منها. موقفه بدا أكثر جرأة من كل المرات السابقة، إنما بالحسنى.

مِن الواضِح أن الحريري أرادَ شدّ عصَب جمهوره وبيئته، مُتحدثاً للمرة الأولى عن غضب سنّي لطالما نفى وجوده سابقاً. وهذا مؤشر ورسالة تقصّد من خلالهما الإيصال إلى المعنيين، وتحديداً باسيل، بأن استمرار التعامل بهذه الطريقة لن يؤدي إلى مكان.

فنّد الحريري مختلف الملفات. وردّ عليها نقطة بنقطة، قائلاً للجميع إنه «لن يسكُت بعد اليوم». لكن العبرة تبقى بالتنفيذ والمقررات والممارسات التي ستنجُم في مرحلة ما بعدَ هذا الخطاب، والموقف الحاسم الذي لم يتسم «بالتعصيب»، بل بالتعصب الطائفي. نسي الحريري أنه رئيس حكومة. تحدث كرئيس تيار سُنّي من على منبر السرايا الحكومية، كأنه في «بيته وسط أهله».

الأكيد أن الحريري يُريد استمرار التسوية. هرع أمس إلى ترميمها، لكنه بتجديد بعض شروطها وتحسين بعض شروطه، خاصة أنه لا يرى أي أفق إيجابي لتطيير هذه التسوية، ما دام الستاتيكو الإقليمي باقياً على حاله. لذلك، أراد تظليل نفسه بمظلتين: مظلة إقليمية لا تُتيح الإخلال بالتوازن حالياً، عبرَ إعادة تأكيد علاقة لبنان بالدول العربية (المقصود هنا السعودية). ومظلَة سنية تنطلِق من كلامه عن غضب سُني، يتوافق وينسجم مع كلام دار الإفتاء ورؤساء الحكومة السابقين. وفي هذين الموقفين اللذين صدرا عنهما، لم يُفت الحريري الإصرار على أنه المُتحدث باسم الحكومة التي يحدّد هو سياساتها. وبالاستناد إلى هاتين المظلتين، ردّ الحريري على كل «المزايدين عليه». ولا ينفصِل ذلك عن سياق الرسائل التي أوصلها إلى باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون، بأنه لن يقبل باستمرار هذا النهج، مُحاولاً تبرير ذلك بأنه يريد قطع الطريق على أي محاولة للاستثمار أو المزايدة عليه.

 

 

أما طرابلس التي تذكرها متأخراً نحو أسبوع، فهنأها بـ«سلامة المدينة التي افتداها الجيش وقوى الأمن بأرواح 4 أبطال»، مؤكداً أن «خروج إرهابي من أوكار التطرف لن يبدل هوية طرابلس، هي ستبقى مدينة الاعتدال والعيش المشترك رغم أنف المشككين ومستغلي الفرص وموضوع العفو لا بد أن يمشي». ثم أتى على ذكر حكم المحكمة العسكرية بقضية زياد عيتاني، مهاجماً مفوض الحكومة لدى المحكمة القاضي بيتر جرمانوس الذي «انقلب على صلاحياته وانتقل لأداء دور محامي الدفاع»، ومَن «خطر على باله أن يحاسب مؤسسة لأن ليس هناك من يحاسبه، هذا أمر غير مقبول ولن أقبل في أي وقت التطاول على المؤسسات الأمينة أو العسكرية». وشدد على أن «الجيش وقوى الأمن والأمن العام وأمن الدولة، مؤسسات للدولة لكل الشعب وممنوع أن يتم وضعها في خانة المحاصصة، بعد الهجوم الإرهابي في طرابلس سمعنا كلاماً بلا طعمة، عن البيئة الحاضنة وكيف خرج الإرهابي من السجن، ووضعوا تحقيقات شعبة المعلومات في دائرة الشك، والمحكمة العسكرية حكمت عليه وقضى كامل محكوميته، تفضلوا اسألوا الأمن العام والشرطة العسكرية والمحكمة العسكرية». أما بشأن الموازنة، فقد وضع الحريري «الإصلاحات» التي أقرتها حكومته في خانة ما لا خيار غيره، مكرراً الهدف الذي بات معلناً لها، وهو إرضاء «سيدر» و«ماكنزي». وشدّد على ضرورة تضامن الكتل المشاركة في الحكومة وعدم إسقاطها بنود الموازنة التي شارك في إقرارها، وأدّت إلى خفض عجز الموازنة، دفترياً، إلى حدود الـ7.5 في المئة من الناتج المحلي.