قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان هذه الحكومة قد أعطيت جدياً داخلياً وخارجياً فترة سماح مدتها ثلاثة اشهر، وهذه الفترة وردت في مداخلات نواب بعض الكتل النيابية، ما يجعل الحكومة في مواجهة تحدي الانجاز، أو على الأقل التحضير العملي للانجاز الفعلي خلال الاشهر الثلاثة الاولى من عمرها، وإلّا ستكون امام مهب السقوط خصوصاً انّ الملفات التي ينبغي ان تتصدى لها هي من الخطورة على مستقبل البلد ما يستدعي توفير المعالجات الناجعة والسريعة لها، ويتصدرها الملف الإقتصادي والمالي، الذي اعترف الجميع بأنه محفوف بمخاطر كبرى تهدد بسقوط الهيكل على رؤوسهم.

وأكدت هذه المصادر أنّ التحدي الأكبر هو الفساد الذي بلغ حدوداً خطيرة وسيكون عَصياً تحقيق الانقاذ الاقتصادي والمالي من دون مكافحته، وإن كان البعض يتخوّف من ان يؤدي هذا الملف الى صدامات وخلافات داخلية بين المكافحين وبين الفاسدين، خصوصاً اذا كان الفاسدون او بعضهم يتمتعون بحمايات او غطاءات سياسية من هذا الطرف او ذاك، خصوصاً اذا فتح ملف الفساد بمفاعيل رجعية من شأنها ان تجعل كثيرين «تحت الغربال».

وأشارت هذه المصادر الى انّ ما يوجب الشروع العملي والسريع في مكافحة الفساد، بمفاعيل رجعية أو من دونها، هو أنّ الدول المانحة والمؤسسات الدولية المالية وغيرها باتت تشترط هذه المكافحة لتقديم أي مساعدات او قروض جديدة، الى درجة انّ هذه الدول والمؤسسات بدأت تشترط أن تُشرف هي مباشرة على تنفيذ المشاريع التي ستمولها سواء بهِبات ومنح، او بواسطة قروض ميسّرة او غير ميسّرة، وذلك ضماناً لعدم حصول أي هدر في صرف الاموال المخصصة لهذه المشاريع.

لا عذر للحكومة

نقل زوّار رئيس مجلس النواب نبيه بري، انه بعد انتهاء جلسة المناقشات النيابية، ونَيل الحكومة الثقة، «يفترض ان تبدأ ورشة العمل المنتظرة من الحكومة، لإعادة وضع البلد على سكة النهوض وتعويض كل ما ضاع على لبنان واللبنانيين في الفترة الماضية».

وكرر بري التأكيد ان «لا عذر لدى الحكومة في عدم الانجاز السريع، لمجموعة الملفات الحيوية التي تهمّ الناس، ولعل الطريق الاسرع الى هذا الامر، هو الشروع فوراً في تطبيق القوانين النافذة والمعطّل تنفيذها منذ سنوات طويلة، خصوصاً انّ من بينها عدداً من القوانين التي تساهم في إعادة نهوض البلد، وتصويب الوضع الاداري في بعض القطاعات التي تعاني شغوراً في مجالس إدارتها، وخصوصاً في قطاع الكهرباء.

وبالتالي، صار من الواجب على الحكومة ان تبادر الى وضع المراسيم التطبيقية لهذه القوانين، فبذلك تعطي اشارة جدية الى عزمها على حل المشكلات، وإلّا فإنّ استمرار هذه القوانين معطّلة من شأنه ان يزيد الامور تعقيداً.

ورداً على سؤال، قيّم بري إيجاباً «الحيوية» التي ظهر فيها المجلس النيابي الجديد في جلسة مناقشة البيان الوزاري، ملاحظاً «انّ اكثر كلمة تمّ استخدامها هي كلمة «فساد»، ما يعني انّ هذا الفساد يشكل هاجساً مؤرقاً للجميع، ولا بد من انطلاقة سريعة وفاعلة لاجتثاثه وهذا واجبنا جميعاً، وفي المقدمة الحكومة».

وعن الجَو المتشنّج الذي خلقته بعض المواقف في الايام الاخيرة، اكد بري «انّ لغة التقارب والتآخي والوئام هي التي ينبغي ان تسود بين اللبنانيين بما يعزّز كل عوامل الجمع في ما بينهم، وينأى بهم عن عوامل الانقسام والتفرقة».

وقيل لبري: «اللافت للانتباه هو صدور «مواقف ايجابية» من بعض الاطراف بعد الاشكالات التي سبّبتها الجلسة»، فقال: «البلد لا يحتمل. وضعه الاقتصادي صعب جداً، والوضع العام يتطلب دائماً عناية مركزة لتحصينه، ولا أخفي انّ الجميع قلقون وضائعون ويستشعرون الخطر، ومن هنا انّ المطلوب اولاً وأخيراً هو حماية الاستقرار الداخلي وتحصينه».

«التيار الحر»

وفيما لقي خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ردود فعل واسعة، خصوصاً في شقه الداخلي المتعلق بالفساد، أكدت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» أنّ «هناك تكاملاً بيننا وبين السيد نصرالله في هذا الشأن»، مؤكدة «أنّ قيادة «التيار» قبل الانتخابات النيابية، ولاحقاً من خلال اللقاء الذي جمعَ الوزير جبران باسيل بنصرالله، كانت تعلم انّ ملف الفساد بات من ضمن أولويات الحزب»، مشيرة الى «تباينات كانت موجودة سابقاً بين الحزبين في شأن الاولويات، تحديداً قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن اليوم هناك تنسيق كبير، واللقاء الأخير بين باسيل والسيد نصرالله كَرّس هذا التنسيق والذي سنرى ترجمته العملية في مجلس الوزراء ومجلس النواب».

وتبنّت المصادر ما ورد حرفياً على لسان السيد نصرالله من «أننا نريد المال المسروق أن يعود ونريد أن لا يسرق المال الموجود»، بمعنى أنّ العمل سيكون على مستويين: محاسبة الفساد القديم ومكافحة الفساد الجديد، وخصوصاً الوقوف سداً منيعاً من خلال منع أي تلزيمات تفوح منها رائحة فساد».

ورأت «أنّ خطوة تكتل «لبنان القوي» الاصلاحية والجريئة من خلال مبادرة عدد من الوزراء الى تقديم استقالاتهم، وهي أساساً في جوهرها القانوني موجّهة الى رئيس الحكومة وموضوعة في تصرف رئيس «التيار»، لو أنّ هذه الخطوة تقدم عليها كافة الأحزاب الكبرى فإنّ ذلك سيكون كفيلاً بحَضّ الجميع على عدم تضييع دقيقة واحدة والعمل من أجل تحقيق خطوات إصلاحية في مدة زمنية باتت ضاغطة على جميع الافرقاء السياسين»، مؤكدة «أننا لن نُحرَج أمام أي فريق قد تكون أطرافاً محسوبة عليه متورّطة في ملفات فساد».

وقالت: «ملف الـ11 مليار دولار الذي تحدث عنه السيد نصرالله كان «التيار الوطني الحر» الوحيد الذي بادَر الى فتحه قبل سنوات، وقد وصلنا حقّنا بانضمام آخرين الى معركة حسم هذا الملف عبر معرفة وجهة صرف هذه المليارات».

وشدّدت المصادر على «انها قد تكون الفرصة الأخيرة في عهد رئيس ميشال عون لإنجاز ما كان صعباً جداً في العهود السابقة، وذلك بسبب عناده وإصراره وشفافيته»، معتبرة أنه «إذا لم ننجح، لن تنجح الخطة الاقتصادية والانقاذية، ولن نجد مزيداً من المؤسسات الدولية تقف الى جانبنا لتساعدنا».

«القوات»

من جهتها، إعتبرت مصادر «القوات اللبنانية» انه منذ اليوم «تبدأ مرحلة سياسية جديدة، على لبنان ان يتفرّغ لنفسه، ويتفرغ لإدارة شؤونه في الشكل المطلوب».

وقالت لـ«الجمهورية»: «بعد نيل الحكومة الثقة نأمل ان تنطلق المؤسسات الدستورية في دورة وحيوية جديدتين بعد فراغ طويل، كذلك نأمل في ان ينطلق البلد من مرحلة التعطيل إلى مرحلة جديدة».

وأضافت: «واضح انّ كل القوى السياسية تستعد بزخم كبير بدءاً من رئيسَي الجمهورية والحكومة وكل القوى السياسية، فالبلد بحاجة إلى ورشة سياسية، ونَتوسّم خيراً في هذه المرحلة وانطلاقة متجددة دستورية للانتظام المؤسساتي، فكل القوى السياسية عازمة على مواجهة الفساد، وحان الوقت للانتقال من الشعارات إلى الممارسة الفعلية والعملية».

واضافت المصادر: «يجب أن تركّز القوى السياسية كل جهدها وتأثيرها لمواكبة هذه المرحلة بعيداً من أي محاولة للتعطيل أو النكد السياسي، وأن يكون مجلس الوزراء هو المساحة لمناقشة القضايا الوطنية الكبرى، وفي الوقت عينه أن يتمكّن من إقرار جدول أعماله المتصل بشؤون الناس وبأولوياتهم الحياتية».

واشارت إلى «انّ التأخير الذي حصل أدخلَ البلد في مرحلة كبيرة من التأزم الاقتصادي، المالي والمعيشي، لذلك يجب الانطلاق بقوة».

وشددت على اهمية «ان يستفيد لبنان من الفرصة العربية والدولية ومن رغبة كل القوى الاقليمية بتحييد لبنان وتكريس الاستقرار فيه»، داعية الى «ان يستفيد اللبنانيون من فرصتين، الاولى من طبيعة خارجية في ظل حرص دولي وإقليمي، والثانية من انّ اللبنانيين عازمون على الذهاب قدماً في اتجاه المشاريع لإنقاذ لبنان من الازمة. وبالتالي، يجب عليهم الاستفادة من أجل تحقيق جملة ملفات، أوّلها الاقتصادي، مروراً بملف النازحين، ولا تنتهي بالإلتزام بسياسة «النأي بالنفس».

ولفتت الى «انّ هذا الكلام لا يعني أن نضعَ جانباً ما هو متعلق بالسيادة، فهذه القضية أولوية، وبالمقدار الذي تُحرز فيه الدولة تقدماً وتوسّع هامش حضورها، تحقق السيادة تدريجاً. ولكن يجب ان نتجه اليوم الى ما يمكننا تحقيقه وهو محاربة الفساد التي فيها نتقاطع مع كل القوى السياسية، وما لا يمكننا حله نَتّجه إلى إقامة «ربط نزاع» فيه ريثما تسمح الظروف».

بكركي

بدورها، قالت أوساط البطريركية المارونية لـ«الجمهورية» انّ «خطوة تأليف الحكومة مهمّة جداً، وكان يجب ان تؤلف بعد تكليف الحريري بأيام وليس بأسابيع، لكن للأسف كل ما جرى أوصلنا الى ولادة قيصرية بعد 9 أشهر».

وذكّرت هذه الاوساط بكل ما كان ينادي به البطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلال الأشهر الماضية، والتحذير من انفجار الازمة المعيشية، وانتشار الفساد واهتراء مؤسسات الدولة وسرقة المال العام. واضافت هذه الأوساط: «نسمع كثيراً عن نيّة القوى السياسية محاربة الفساد، لكن العبرة في التطبيق وليس في الكلام، لأنّ التجربة مع غالبية الطبقة الحاكمة لا تشجّع، لذلك ندعوهم الى عدم اللعب في مصير البلاد والعباد».

ودعت الى «إطلاق حرب شرسة ضد الفساد وبلا هوادة»، لافتة الى «أنّ البطريركية المارونية تراقب كل ما يجري، ولن تسكت عن التجاوزات أو تسمح بنَهب الدولة مجدداً وإفقار الشعب».

من جهة ثانية إنتخب حزب الكتائب اللبنانية قيادته الجديدة في ضوء مؤتمره العام الحادي والثلاثين الذي إنعقد الجمعة في بيال - فرن الشباك، وأعاد إنتخاب النائب سامي الجميل رئيساً له بالتزكية.

مطالبة يمنية

وفي التداعيات الخارجية لانطلاق عمل الحكومة، دعا اليمن، على لسان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، الحكومة اللبنانية الجديدة إلى «وَقف تدخلات «حزب الله» في الشأن اليمني، وسحب خبرائه ومقاتليه من اليمن، ووقف كل أشكال الدعم الذي يقدمه للميليشيا الحوثية بما فيها إيقاف قنوات التحريض والفتنة، في اعتبارها أنشطة عدائية ضد اليمن، إضافة الى أنها خروج عن مبدأ «النأي بالنفس» الذي أعلنه لبنان إزاء أزمات المنطقة».

وقال: «التدخّل الصارخ في الشأن اليمني والدعم المباشر الذي يقدمه «حزب الله» اللبناني للميليشيا الحوثية واضح وجَلي، ليس في مثل هذه التصريحات فقط، بل من خلال وجود خبراء تطوير الصواريخ وصناعة الألغام والعبوات الناسفة والمدربين واحتضان الضاحية الجنوبية لبيروت إعلام ميليشيا الحوثي من مثل قناة «المسيرة» و«الساحات».

وكان رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي تحدث في حشود خرجت من مناطق يمنية «رفضاً للتطبيع مع «إسرائيل» ولمحاولة تصفية القضية الفلسطينية»، فقال: «يُشرّفنا أن نكون حلفاء للمقاومة الإسلامية وحلفاء لـ«حزب الله».