بات بحكم الثابت ان الثلث الثاني من شهر كانون الأوّل الجاري، لن يكون أفضل من الثلث الذي سبقه: عدم توقع أي جديد في ما خص المأزق الذي تمر فيه عملية تأليف الحكومة..
فبعد غد الأربعاء، يُشارك الرئيس المكلف سعد الحريري في مؤتمر دعم الاستثمار في لبنان، الذي  يُعقد في العاصمة البريطانية لندن..
وإذا كان الموقف الدولي ما يزال على حاله لجهة الدعم المستمر للرئيس المكلف للوفاء بالالتزامات الدولية تجاه لبنان، سواء في مؤتمر سيدر، أو مؤتمرات لندن وبرلين وبلجيكا، فإن مؤتمر القمة الخليجي الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض، عبر مجدداً عن أمله في ان يتمكن الرئيس الحريري «من تشكيل حكومة وفاق وطني تُلبّي تطلعات الشعب اللبناني الشقيق وتعزز أمن واستقرار لبنان وتحقق التقدم الاقتصادي والرخاء لمواطنيه، داعياً كافة القوى السياسية اللبنانية إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتغليب المصالح العامة التي تجمع اللبنانيين».
وأكّد المجلس الأعلى رفضه لدور إيران وتنظيم حزب الله «الارهابي» في زعزعة استقرار لبنان واضعاف مؤسساته السياسية والأمنية، وتفتيت الوحدة الوطنية وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية فيه.
وإذا كانت بعبدا تتريث بانتظار ما سيسفر عنه الأسبوع الطالع من تطورات، قبل حسم القرار إزاء توجيه رسالة إلى المجلس النيابي، فإن موقف حزب الله تتجاذبه حسابات متعددة، بعضها ما عبر عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد من ان الحزب لا يريد قلب الطاولة، بل تمثيل النواب السنة المستقلين، وبعضها تعزيه إلى مصادر مقربة منه من «ان خيار الحريري قد لا يبقى مطروحاً على الطاولة إلى ما لا نهاية».
وتعتقد مصادر سياسية ان الوضع الجنوبي، بعد بيان «اليونيفل» عن وجود نفق في منطقة كفركلا، يرمي بثقله على الوضع الداخلي، الأمر الذي يتطلب الاتفاق على حكومة قادرة على التعاطي مع أية تطورات سلبية.
وفي حين، عزّز الجيش اللبناني وحداته في الجنوب، لا سيما في النقاط الساخنة من كفركلا إلى العديسة، علمت «اللواء» من مصادر دبلوماسية نقلاً عن مسؤولين روس ان موسكو أبلغت تل أبيب رفضها المس بالاستقرار في الجنوب، تحت أي اعتبار وفي لبنان أيضاً.
جمود حكومي
في هذا الوقت، لم تنحسر السجالات حول صلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ولا الكلام حول اعتزام رئيس الجمهورية توجيه رسالة إلى مجلس النواب لطرح موضوع تعثر التشكيل، على الرغم من توضيحات مراجع في قصر بعبدا بأن موضوع الرسالة مجرّد فكرة، سبق ان طرحت في مرحلة سابقة من تعثر التأليف الحكومي، ثم سحبت من التداول، ومن تحذير مراجع دستورية وقانونية عدّة، على اعتبار ان هذه الخطوة ستنقل البلاد إلى مرحلة أكثر خطورة قد تذهب بالاستقرار وبالتسوية الرئاسية التي قامت على تفاهم الرئيسين عون والحريري.
إذ أكدت أوساط «بيت الوسط» أمس، ان «الرئيس الحريري ثابت على موقفه، سواء بالنسبة لصلاحياته، أو بالنسبة لرفض تمثيل النواب السنة المستقلين في الحكومة، وانه لا يحق لأي سلطة بما في ذلك مجلس النواب، نزع التكليف منه، الا إذا قرّر الاعتذار، وهو أمر أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق بأن هذا الأمر غير وارد، وانه لن يعتذر، وسيبقى على موقفه، أياً كانت الضغوط وأياً كان مصدرها رئاسياً أو حزبياً، بدعم نواب بيروت ونواب المستقبل وحلفائهم».
ومع سفر الرئيس الحريري المقرّر غداً إلى لندن للمشاركة في منتدى اقتصادي، تدخل عملية تشكيل الحكومة مرحلة جمود كلي لا يبدو لها أفق واضح، وسط حالة من الفراغ السياسي والحكومي لا يمكن التكهن بمداها ومدتها، وان كان ممكناً التنبؤ بأن نتائجها ستزيد أوضاع البلاد سوءاً وتردياً.
وزاد من حدة الصراع السياسي، حيث لا يمكن استبعاد البعد الإقليمي عنه، ولا الضغوط الخارجية والتدخلات، سقوط كل المقترحات والأفكار التي قدمها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل امام رفض الأطراف المعنية بأزمة تشكيل الحكومة، وتحول السجال والخلاف من الحصص والتمثيل إلى حجة الثلث الضامن أو المعطل، ومن ثم إلى ممارسة الصلاحيات الدستورية للرؤساء، برغم ما رافق ذلك من لغط وتوضيحات لم تفعل فعلها في تصويب الأمور.
ويبدو من مسار الامور ان ثمة مخاوف وهواجس سياسية وطائفية لدى بعض الاطراف بمواجهة الاخرى، باتت تتحكم بعملية تشكيل الحكومة، اكثر من الامور الاجرائية المتعلقة بتوزير هذا الطرف او ذاك، وهذه الهواجس تتعلق بما تقول مصادر الرئيس الحريري انه محاولة الامساك بقرار الحكومة من قبل اطراف معينة لفرض اتجاهات معينة داخلها، وبما تقوله مصادر القوى الاخرى بالمقابل عن رفض الاحاديات ضمن الطوائف وضرورة ايجاد رأي او موقف آخر مما يجري داخليا على صعيد التوجه الاقتصادي والمالي والمعيشي والاداري، ومما يجري خارجيا على صعيد الاوضاع والتحالفات الاقليمية. وجاءت احداث بلدة الجاهلية وما تبعها من مواقف سياسية عالية النبرة، وقبلها الضغوط والمواقف الاميركية والخليجية ضد «حزب الله» وحلفائه، لتزيد من الهواجس السياسية لدى كل طرف.
من هنا - بحسب مصادر متابعة عن قرب لعملية تشكيل الحكومة - تمسك الرئيس الحريري برفض تمثيل أحد النواب السنة المستقلين، ورفض منح فريق سياسي واحد الثلث الضامن داخل الحكومة، ورفض الرئيس ميشال عون والتيار الحر احتساب الوزير السني السادس من حصتهما والتمسك بحصة صافية لهما من عشرة وزراء «على الاقل».
وفي هذا الصدد توضح مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون والتيار الحر انه غير صحيح رغبتهما في الحصول على 11 أو 12 وزيرا بضم الوزير السني السادس والوزير الدرزي الثالث الى حصتهما، وتؤكد استمرار صيغة الثلاث عشرات التي جرى التوافق عليها خلال المفاوضات والتي اسفرت عن وضع صيغة حكومية كاملة بعد حسم الخلاف حول حصة «القوات اللبنانية» و«اللقاء الديمقراطي النيابي» والحزب التقدمي الاشتراكي، بأربعة وزراء «للقوات» ووزيرين للتقدمي.
وتوضح المصادر ان الوزير الدرزي الثالث سيكون مستقلا وليس من حصة اي طرف، بل هو نتيجة التوافق بين الحزب التقدمي والحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة الوزير طلال ارسلان، ولو كان هذا الوزير مقربا من ارسلان، كما ان الوزير السني السادس سيكون من حصة رئيس الجمهورية وليس وزيرا اضافيا على حصته المؤلفة من اربعة وزراء (3 مسيحيين وسني من خارج اللقاء التشاوري)، ولذلك يرفض الرئيس الحريري ان يكون احد الوزراء السنة المحسوبين ضمن حصته من النواب الستة المستقلين حتى لا تنقص حصته وزيرا سنّيا، ويرفض ان تتضمن حصة الرئيس عون احد النواب السنة المستقلين لأسباب سياسية، لا بل يرفض بالمطلق توزير أحد من هؤلاء النواب لاعتبارات باتت معروفة، منها ما يتعلق بتمثيل هؤلاء ومنها ما يرتبط بفرض شروط لتعطيل تأليف الحكومة.
وفي هذا السياق، رأى عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون في حديث الى تلفزيون «mtv»، أنه «قد يكون رفض إعطائنا الثلث المعطل جزءاً من التعقيدات الحكومية الحاصلة اليوم»، لافتاً الى أن «حزب الله قال إنه لا يزعجه إعطاءنا الثلث المعطل وأكثر أي ١٥ وزيراً لكن النائب جهاد الصمد قال العكس وواضح أن حزب الله طرح ودعم العقدة السنية».
وردا عن سؤال، قال: «لا نريد أن يعتذر الرئيس الحريري بل نريد أن يقترح شيئاً ما ولم يكن هدفنا الحصول على ١١ وزيراً وليس صحيحاً ان الرئيس عون يرفض التنازل عن وزير من حصته كي لا يخسر الثلث المعطل».
«حزب الله»
أما «حزب الله» فإنه لم ير شيئاً جديداً على مستوى تشكيل الحكومة، وأوضح نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ان الحزب «ينتظر قرار رئيس الحكومة المكلف ليتخذ الخطوة المناسبة في ما يتعلق بتمثيل اللقاء التشاوري المؤلف من ستة نواب من السنة، وانه إذا حسم هذا القرار تصبح الحكومة قابلة للاعلان بين يوم وآخر».
ذكرى ميلاد كمال جنبلاط
من جهة ثانية، شكلت مناسبة ذكرى ميلاد كمال جنبلاط المئة وعام هذه السنة، محطة وطنية لافتة، لم تغب عنها ما جرى في منطقة الجبل التي تجاوزت قطوع فتنة في بلدة الجاهلية، التي احيت أمس ذكرى أسبوع لمقتل مرافق الوزير السابق وئام وهّاب محمّد أبو ذياب، من خلال مواقف لوهاب لم تخل من تهديد ووعيد للرئيس الحريري تزامنت مع بث شريط «فيديو» حمل لقطات لمجموعة مسلحة ترتدي القمصان السود، أطلقت على نفسها «كتيبة سلمان الفارسي»، مع تهديدات مماثلة للحريري واللواء عماد عثمان.
على ان اليافطات التي رفعها الحزب الاشتراكي فوق بعض الطرق الرئيسية في الشوف، حملت في المقابل مواقف رئيسه وليد جنبلاط والثناء على جرأته الهادفة إلى الحفاظ على الوطن وهيبة الدولة ومؤسساتها ولا سيما الأمنية منها وصون العيش المشترك، وكانت هذه اللافتات مع الشعارات والاناشيد التي بثها المشاركون في احياء الذكرى والحشود التي حضرت كافية للتدليل على مكانة المختارة لدى أبناء الجبل، حيث اكتفى جنبلاط ونجله النائب تيمور والشخصيات المشاركة وبينها ممثّل الرئيس الحريري النائب محمّد الحجار بوضع زهرة على الضريح، مع كلمة أمل فيها جنبلاط الإسراع في تشكيل الحكومة لأجل لبنان، مشدداً على التنازل من قبل الفريقين لأجل صالح لبنان.
الجنوب: توتر واستنفارات
وسط هذه الأحوال السياسية، بقيت التطورات الميدانية في الجنوب، وسط متابعة سياسية وعسكرية، لا سيما وان قوات الاحتلال الاسرائيلي واصلت عمليات  عن انفاق تقول ان حزب الله، أقامها من داخل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى الاراضي المحتلة، وهي نقلت أمس عمليات التفتيش إلى منطقة كروم الشروتي في خراج بلدة ميس الجبل في داخل الخط الأزرق، حيث سجل وجود عدد كبير من الأهالي إلى جانب الجيش اللبناني ودوريات لقوات «اليونيفل» من الجانب اللبناني لمراقبة هذه الأعمال، والتي انتقلت ليلاً إلى الجهة المقابلة لبوابة فاطمة عند خراج كفركلا، حيث باشرت حفارة ضخمة الحفر بحثاً عن انفاق مزعومة.
وافيد عن استقدام قوات الاحتلال لآلية من نوع «بوكلين» خرقت السياج التقني وقامت باعمال حفر ساتر ترابي يبعد نحو 20 متراً عن الخط الأزرق، وتمركز خلفه العديد من جنود العدو، كما تمّ رفع منطاد للمراقبة والتجسس فوق منطقة كروم الشروقي، ولاحقاً انسحبت جرافات العدو الاسرائيلي من المنطقة المقابلة لميس الجبل، في حين بقي الجنود خارج السياج التقني من دون خرق الخط الأزرق، وسجل من الجانب اللبناني انتشار للجيش اللبناني بوجود دوريات «لليونيفل».
وسادت حالة من التوتر للحظات في محيط بلدة كفركلا اثر سماع أصوات ثلاث طلقات من سلاح حربي، ظناً ان مصدرها حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، والتي تشهد منذ أيام خروقات واستفزازات لقوات الاحتلال، لكن تبين انها رصاصات ابتهاج بحفل زفاف في البلدة، واوقفت القوى الأمنية مطلق النار. وثمة رواية أخرى قالت ان جنود الاحتلال اطلقوا النار في الهواء هلعاً بسبب سوء الأحوال الجوية، خوفاً من تسلل  عناصر «حزب الله» إليهم.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان لمديرية التوجيه، ان وحدات الجيش المنتشرة في منطقة الحدود الجنوبية قامت بتسيير دوريات معززة، في ضوء التطورات الأخيرة، وانها اتخذت جميع الإجراءات اللازمة بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان (اليونيفل) لمتابعة الوضع الأمني عند الخط الأزرق، وهي على جهوزية تامة لمواجهة أي طارئ».
واستبعد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في أوّل تعليق له حول ما يجري على الحدود الجنوبية، ان يقوم العدو الصهيوني بعمل عسكري ضد لبنان، لأنه منذ العام 2006 هو مردوع بقدرة المقاومة.
وقال قاسم، في حوار خاص مع صحيفة «الوفاق» الإيرانية، ان «قواعد الاشتباك التي اوجدها «حزب الله» في لبنان صعبت كثيراً فكرة الحرب الابتدائية من إسرائيل على لبنان»، مشيرا إلى ان «الجهة الداخلية الإسرائيلية معرضة حتى تل أبيب، ولا توجد نقطة في الكيان الصهيوني إلا وهي معرضة لصواريخ حزب الله.
أمنياً، أكّد قائد الجيش العماد جوزيف عون، خلال تفقده في مطار رفيق الحريري كتيبة الحراسة والمدفعية عن  ان الاستقرار الأمني هو عامل أساسي في الدورة الاقتصادية خلال الأعياد.
إلى ذلك، توقفت مصادر أمنية عند شريط مسجل، منسوب إلى بعض دروز السويداء، يتوعدون الرئيس الحريري، ويعلنون انتسابهم إلى سليمان الفارسي.
وعلمت «اللواء» انه يجري التدقيق لمعرفة هوية الشريط، والأشخاص الذين يتوعدون ليبنى على الشيء المقتضى القضائي والقانوني.