هذا المُستجد، لا يلقي فقط مزيداً من الضباب الداكن حيال هذه العقدة، بل يلقي مزيداً من علامات الاستفهام على طريق العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، خصوصاً انّ نأي الرئاسة الاولى بنفسها عن هذه العقدة، أكدت مصادر مطبخ التأليف لـ«الجمهورية» أنّ صَداه لم يكن مريحاً في «بيت الوسط»، خصوصاً انّ هذا النأي مناقض لموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال إطلالته التلفزيونية الاخيرة، والتي عبّر فيها عن تبنّيه الكامل لموقف الرئيس المكلف.

وفيما ذهب مرجع سياسي بعيداً في تشاؤمه، حيث قال لـ«الجمهورية» إنه قرأ في المستجدات التي طرأت في الساعات الماضية على حلبة العقدة السنية، ليس عودة الى نقطة الصفر، التي نحن فيها أصلاً، بل ورقة نعوة للحكومة، تتداول أوساط سياسية انّ تعقيدات العقدة السنية تضاعفت اكثر ممّا هو متوقع، ومن شأن هذا الأمر ان يضع الحريري أمام خيارات صعبة:

- أوّلها، ان يفاجىء الجميع بتَلقّف خروج رئيس الجمهورية والتيار من هذه العقدة إيجاباً، ويبادر الى القبول بتوزير احد نواب «سنّة 8 آذار»، من حساب تيار «المستقبل». وهذا أمر اكثر من مستحيل بالنسبة اليه وغير قابل للنقاش لا من قريب او من بعيد.

- الثاني، ان يعتبر استعادة رئيس الجمهورية للوزير المسيحي الى الحصة الرئاسية، مفتاحاً للحل، إذ انّ الحريري في هذه الحالة لا يخسر وزيراً من تمثيل تيار «المستقبل»، ذلك انّ الوزير المسيحي الذي قايَض به مع رئيس الجمهورية كان في الاساس إرضاء للوزير السابق محمد الصفدي عبر تسمية زوجته فيوليت الصفدي لتوَلّي حقيبة وزارية. وبالتالي، هنا لا يدفع الحريري من حساب تيار «المستقبل». الّا انّ هذا الخيار مرفوض بشكل قاطع من قبل الرئيس المكلف.

- الثالث، ان يبادر الى قلب الطاولة والذهاب الى رمي الكرة في ملعب الجميع عبر تسليمه رئيس الجمهورية تشكيلة حكومة أمر واقع، بالصيغة التي أعدّها فيها. الّا انّ هذه الخطوة دونها إشكالات وإرباكات كبرى، فهي أولاً ناقصة خصوصاً انّ اطرافاً أساسية لم تقدّم اسماء وزرائها، مثل «حزب الله» والرئيس نبيه بري، وهي ثانياً ستبدو لعبة تَحَدّ من شأنها أن تفتح الداخل على امور غير محسوبة او متوقعة وعلى تَبِعات سياسية. وهي ثالثاً ستجعله كمَن يغرّد وحيداً، إذ قد لا يشترك معه في هذا الخيار مختلف القوى السياسية الكبرى، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية.

- الرابع، ان يبادر الى إلقاء الجمرة في أيدي الجميع، عبر الذهاب الى الاعتكاف الجدي، مع التلويح بالاعتذار. الّا انّ هذا الخيار له ثمنه الكبير، والخسارة عليه قد تكون اكثر من اي طرف آخر.

كتلة «المستقبل»

ولعلّ الرد على ما استجَدّ، أورده الحريري في بيان كتلة «المستقبل» التي اجتمعت برئاسته، واعتبرت فيه «انّ العقبات التي استجدّت على تأليف الحكومة لم تكن مبررة، وانّ الجهات المسؤولة عنها تتحمّل التَبِعات المترتبة عليها».

وأشارت الكتلة الى انّ الرئيس المكلف استنفد كل المساعي والجهود لوضع التأليف موضع التطبيق، وانّ المواقف التي عبّر عنها في مؤتمره الصحافي وفي لقاءاته الاقتصادية والسياسية الأخيرة، كافية لوضع الامور في نطاقها الصحيح، والرد على كافة المقولات والحملات التي ترمي الى تحميله مسؤولية تأخير الحكومة.

ولفتت الكتلة الى «انّ التشكيلة الحكومية جاهزة بإرادة ومشاركة معظم القوى السياسية، باستثناء الجهة التي ما زالت تتخلف عن الانضمام الى ركب المشاركة، وتصرّ على فرض شروطها بتمثيل مجموعة النواب الستّة».

وشددت على «انّ الدور المنوط بالرئيس المكلف في تشكيل الحكومة هو في صلب صلاحياته الدستورية، التي تخوّله تحديد الخيارات المناسبة للتأليف، وتحصين موقع رئاسة الحكومة في إدارة الشأن العام». معتبرة «أنّ بعض المحاولات الجارية للالتفاف على هذه الصلاحيات والخيارات، لا تعدو كونها خروجاً على الاصول والاعراف وسلوكاً غير بريء لتحجيم الدور الذي يضطلع به الرئيس المكلف».

دار الفتوى

وتناغم موقف الكتلة، مع تأييد واضح للحريري من قبل دار الفتوى، حيث شدّد على انّ «ولادة الحكومة تحتاج الى صبر الى حين إيجاد صيغة ملائمة تنهي الازمة المستحدثة». معتبراً انّ «العقدة ليست سنية بل سياسية مستحدثة بامتياز، ينبغي حلّها من دون ان يكون هناك غالب أو مغلوب».

وقال دريان: «مَن يشكّل الحكومة هو الرئيس المكلف بالتعاون والتشاور مع رئيس الجمهورية، ولا يجوز فرض شروط عليهما من اي طرف سياسي».

باسيل والنواب الستة

يأتي ذلك، في وقت كان الوزير باسيل يبحث «العقدة السنية» مع نواب اللقاء التشاوري الستة، في دارة النائب عبد الرحيم مراد، وخَلص الى إعلان باسيل وَقف مقايضة الوزير المسيحي من الحصة الرئاسية بوزير سنّي من حصة الحريري. على أن يعقب ذلك جهود لعقد لقاء بين «سنّة 8 آذار» والرئيس المكلف.

ولخّصت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» أجواء اللقاء بقولها انّ موعده تحدد يوم أمس، وكان يفترض ان يعقد قبل يوم أمس، وذلك بعد أخذ ورَدّ ساد حول مكان انعقاده، حيث رفض النواب ان يقوموا هم بالذهاب لزيارة باسيل في وزارة الخارجية كما سبق وطرح عليهم، وأصرّوا على ان يقوم هو شخصياً بزيارتهم أسوة بالقوى والشخصيات التي قام بزيارتها.

وأشارت المصادر الى انه في لقاء الأمس الذي تخلله غداء، قدّم باسيل عرضاً للواقع الحكومي والظروف التي مرّ بها التأليف منذ بدايته، وقال: «نحن عانينا أزمة الاقصاء والالغاء منذ العام 2005، وأنا من جهتي متضامن ومتعاطف معكم. لقد سبق وقلت وأعود وأؤكد انه اذا كان هناك اعتلال في الشكل، الّا انه في الاساس والمضمون، من حقكم أن تتمثّلوا».

وبحسب المصادر، فإنّ النواب الستة قدّموا مداخلات اكدت الحق الكامل لهم بالتمثيل في الحكومة، إن لناحية ما يمثّلون أو لناحية انّ الحكومة الجاري تشكيلها ليست من لون واحد وليست فقط حكومة لتمثيل كتل معينة، بل هي حكومة سياسية، ومطلبنا واضح هو أن نتمثّل في الحكومة وفق تمثيلنا الشعبي وحجمنا الذي أكدته الانتخابات.

وركّزت مداخلات النواب على مسألة انعدام المعايير في تشكيل الحكومة، وتوجهّت بسؤال الى باسيل: أيّ معيار اعتمدتم في تشكيل الحكومة؟

وبحسب المصادر فإنّ باسيل رد على هذا السؤال بقوله انّ الرئيس المكلف لم يمشِ بمعيار واحد، وسايَر «القوات اللبنانية» وأخذ على عاتقه هذا الموضوع.

ثم أشار باسيل، والكلام للمصادر، الى انّ الحريري وضع في بعض الحالات معياراً يقول بوزير لكل كتلة من 5 نواب. صدرت ردود من النواب الستة، تقول انه إذا كان المعيار 5 نواب، فكتلته من 20 نائباً، يعني تكون حصته 4 وزراء (هو من بينهم)، وأما اذا كان المعيار 4 وزراء فيعني ذلك أن تكون حصته 5 وزراء (هو من بينهم)، فلماذا يريد أن يأخذ 6 وكل التمثيل السني؟

بعد ذلك، تضيف المصادر، عَقّب باسيل على مداخلات النواب بقوله: لقد وصلت الأمور الى هنا، نحن نقرّ والأكثرية تقرّ بحقكم في التمثيل، ونحن كما تعرفون ضد الاستئثار. لذلك، دعونا نقول بصراحة، نحن نريد ان نسهّل أكثر، ولا نريد ان نكون عقدة، أنا شخصياً أبلغتُ الرئيس الحريري مساء امس (الاول) أننا نريد ان نخرج من مسألة المقايضة. (بأن يعود الوزير المسيحي الى حصة رئيس الجمهورية، ويستعيد الرئيس الحريري الوزير السنّي). وفهم من طرح باسيل انّ هذا الأمر يفتح أمام الرئيس المكلف إمكانية للحل، ويخرجه من إحراج في الوزير المسيحي.

واشارت المصادر الى انّ باسيل لم يبلّغ الحاضرين ما رَدّ به الحريري على إنهاء مسألة المقايضة معه، وفَضّل في الوقت نفسه ان يبقى كلامه هذا خارج إطار الاعلام، فأصَرّ الحاضرون على إعلانه، وإن لم يفعل باسيل فسيسرّبونه. ثم اقترح باسيل على النواب ضرورة أن يُصار الى لقاء بينهم وبين الرئيس الحريري، فعبّروا عن تجاوب مع هذا الاقتراح وأكدوا ان لا مانع لديهم، خصوصاً انه سبق لهم ان قدّموا اشارات كثيرة في هذا السياق، علماً ان لا عداوة بيننا وبين الحريري، بل هناك خصومة سياسية لا تمنع ان نلتقي، ولا شيء يمنع ان نبادر الى طلب اللقاء في اي وقت، ونحن سنتابع اجتماعاتنا لنتخذ القرار.

وهنا، وبحسب المصادر، أبلغ باسيل الحاضرين قوله: نحن مكملون معكم، وأينما يمكن ان نساعد سنبادر الى المساعدة. نحن نريد حكومة في اقرب وقت، الوضع أصعب مما تتصورون، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والمالي. تُمارَس علينا ضغوط خارجية هائلة ،وتردنا إشارات كثيرة. كل يوم هناك ضغوط.

بيت الوسط: لا لقاء

وفيما آثرت دوائر القصر الجمهوري الصمت في انتظار ما ستؤول اليه حركة المشاورات الجارية، قالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية»: ليس هناك من جديد، ولذلك لا حاجة لعقد لقاء مع هذه المجموعة النيابية، فقد سبق له أن التقاهم مع كتلهم النيابية أثناء الاستشارات النيابية، وليس هناك ما يمكن بحثه فالعقدة في مكان آخر. فضلاً عن انّ ما هو مطروح الى اليوم لا يشكّل مخرجاً لأي عقدة، بل انه يمكن أن يزيد عدد العقد.

ذكرى الجميّل

على صعيد آخر، ولمناسبة الذكرى الـ12 لاستشهاد الوزير بيار الجميّل، انطلقت عند السابعة من مساء أمس مسيرة من قسم الكتائب في الجديدة إلى النصب التذكاري في المكان الذي استشهد فيه، حيث تمّ وضع الأكاليل. وتخللتها صلاة لراحة نفس الوزير الشهيد.