على وقع الحديث عن لجنة لبنانية ـ أميركية ـ روسية لعودةِ النازحين السوريين إلى بلادهم، تستعدّ دفعة جديدة من هؤلاء لمغادرة مخيّمات عرسال ومنطقة شبعا في الأيام المقبلة. لكن يبدو أنّ قضية العودة هي موضع خلاف ومزايدات بين بعض الأفرقاء السياسيين، تسيء الى وحدة لبنان وصيغته.

في هذه الأثناء تنتظر وزارة الخارجية تبليغاً رسمياً من واشنطن وموسكو حول تفاصيل التفاهم بينهما على عودة النازحين، لأنّ ما قيل حتى الآن عن هذا الموضوع لا يتعدّى العموميات لدى الدولتين، أمّا التفاصيل فنُسِبت إلى مصادر روسيّة.

وكشَفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ هذا التفاهم بين واشنطن وموسكو لم يدخل في التفاصيل حتى الآن، سواء بالنسبة إلى الأعداد أو بالنسبة إلى وجهة النازحين النهائية. ففي حين تعتبر واشنطن أنّ العودة تحصل بمجرّد بلوغ النازحين الأراضي السورية، فإنّ موسكو تعتقد من خلال وجود القوات الروسية على الأرض، أنّ هناك مجالاً كبيراً لأن يعود النازحون إلى مساقط رؤوسهم.

باسيل ويُنتظر أن يتلقّى لبنان مزيداً من المعلومات إذا تمكّنَ وزير الخارجية جبران باسيل الذي سيسافر إلى واشنطن اليوم، من الاجتماع مع المسؤولين الأميركيين الكبار، علماً أنّ الدوائر الأميركية، حتى الساعة، لا تزال بعيدة عن نتائج قمّة هلسنكي بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وقد ذهب المسؤولون الكبار، بمن فيهم مدير الاستخبارات الأميركية دان كوتس، إلى إبداء انزعاجهم من عدم معرفة ما دار بين الرَجلين، أو ما اتّفقا عليه، ولا يزال الإعلام الأميركي غارقاً في مضمون التصريح الذي أدلى به ترامب بعد مؤتمره الصحافي المشترك مع بوتين من دون القدرة على إعطاء نتائج محدّدة عن القمّة.

وعدا قضية النازحين السوريين، علِم أنّ هناك تفاهماً أميركياً ـ روسيّاً على أن ينتشر الجيش السوري على طول الحدود السورية ـ الأردنية ـ اللبنانية من الجهة السورية، على طول 80 كلم لضمان تنفيذِ اتّفاق الهدنة الموقّع سنة 1974.

وفي هذا الإطار، حافظت إسرائيل على استمرار حرّية القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية ضد إيران و«حزب الله»، وتمَّ تحييد قوات النظام السوري، بناءً على طلبٍ روسي، في حين ستحافظ الولايات المتحدة الاميركية على وجودها في شمال شرق سوريا حالياً في انتظار تبَلوُر موضوع الوجود الإيراني و«حزب الله».

كذلك تمّ تعزيز قوات حفظِ السلام الدولية (الاندوف) والبالغ عددُها اليوم نحو 1100 مراقب، وإعادة انتشارِهم على جانبَي الحدود، بعدما انتقل هؤلاء في سنة 2013 إلى الجانب الإسرائيلي عقب انتشار مسلّحي «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» في المنطقة الموازية للجولان، وخطفها عشرات العناصر من «الاندوف» وقد أمكن إعادتهم لاحقاً.

«المستقبل» ووصَف القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش التصريحات الروسية بـ«الإيجابية»، وقال لـ«الجمهورية»: «أمّا كيف سيتجاوب معها النظام السوري، وماذا ينتظر النازحون عند عودتهم، وكيف ستحصل التصفيات مع الذين قاوموا بشّار الأسد؟ كلّ ذلك تفاصيل لم تظهر بعد. لذلك، إنّها بداية جيّدة عملياً، ومِن واجب لبنان تلقّفُها إيجاباً والاستفادة منها إلى أقصى ما يمكن، لكن تبقى العبرة في التنفيذ». وأضاف: «موقف لبنان من هذا الملف «بعِمرو ما رَح يكون موَحّد»، فالبعض يتّخذ من المسألة وسيلةً لفتح بابِ علاقة لبنان على مصراعيه مع نظام بشّار الأسد الذي يدرك الجميع أنّه آخِر شخص تهمّه عودة النازحين. والمهم أن تكون عودتهم بناءً على خيارات تحميها دولٌ كبرى ومِن ضِمنها روسيا. أمّا خلاف ذلك، فقِسم من النازحين لا نعرف عددهم، لن يعود إلى سوريا».

«القوات» وفي السياق نفسِه أكدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّ «بعض الملفات يُفترض أن تكون فوق الانقسامات والخلافات، ومِن بينها ملف النازحين السوريين، وهناك فرصة حقيقية اليوم لعودة القسم الأكبر منهم، ويجب بذلُ كلّ الجهود لتحقيق هذا الهدف، خصوصاً وأنّ المجتمع الدولي على بَينةٍ من أوضاع لبنان والأسباب الموجبة التي تستدعي إعطاءَ الأولوية للنازحين على أرضه». ونوّهت بجهود رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وعوّلت على دور وزير الخارجية.

«الكتائب» وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «الحكومة تأخّرَت تسعة أشهر عن تلقّفِ المبادرة الروسية التي سبقَ لرئيس الحزب النائب سامي الجميّل أن تحدَّث في شأنها مع المسؤولين الروس في تشرين الاوّل الماضي خلال زيارته إلى موسكو». وأضاف: «لقد بُحَّ صوتُنا منذ ذلك الحين ونحن ندعو الحكومة إلى الاتّصال بموسكو لوضع أسسِِ عملية لإعادة النازحين السوريين، لكن يبدو أنّ الأولويات كانت منصَبّة على الصفقات والمحاصَصات والتعيينات وغيرِها مِن الأمور التي تعود بالنفع على أركان السلطة وليس على المصلحة الوطنية العليا. فخيرٌ أن تتحرّك الحكومة متأخّرةً من أن لا تتحرّك أبداً، لكنّ السؤال الذي يحتاج جواباً: من يتحمّل مسؤولية الخسائر والأضرار التي لحقت بلبنان واقتصادِه ومجتمعِه نتيجة هذا التأخير؟ ومن يحاسب المسؤولين عن هذا التقصير؟».

الوضع الحكومي ويُفترض بكلّ هذه التطوّرات أن تحرّك الوضع الحكومي إيجاباً، لكن يبدو أنّ عودة الحريري إلى بيروت في الساعات المقبلة، سَبقها عودة التشنّج الدرزي ـ الدرزي إلى الواجهة مجدّداً عبر استئناف الوزير طلال أرسلان هجومه العنيف على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في حين عقِد اجتماع طارئ لمشايخَ دروزٍ سعياً إلى التهدئة.

وفي حين رفضَت مصادر «الاشتراكي» الردَّ على أرسلان، قال الأخير لـ«الجمهورية»: «أنا مستعدّ لأن أتحمّل وأصبرَ في السياسة مهما تطوّر الخلاف مع جنبلاط، أمّا أن يستسهلوا التعرّضَ لكرامتي الشخصية فهذا أمر ممنوع ولا يمكن أن أقبل به أو أسكتَ عنه، حتى لو كانت ستخرَب الدنيا». وأضاف: «يتّهمونني تارةً بأنّني «زلمة» جبران باسيل، وطوراً بأنني أصبحتُ مارونياً.. عيب، لقد تجاوزوا الخط الأحمر، وعلى وليد جنبلاط وجماعتِه أن يعلموا أنّني متى شعرتُ بأنّ هناك استهدافاً لكرامتي فأنا أصبِح مثل الذئب الكاسر». 

الخرق الممكن وإلى ذلك أكّدت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أن «لا جديد حكومياً، لكنّ الخرق ممكن في أيّ لحظة، لأنّ العُقد معروفة ومِن طبيعة محلّية، وفي اللحظة التي يتّفق فيها جميع الأطراف على تدوير الزوايا يمكن تحقيق الخرقِ المنشود، ويدُ «القوات» ممدودة دائماً إلى الجميع، وردُّها على الوزير باسيل جاء من منطلق توضيح النقاط التي أثارَها، وهي كانت وما زالت ملتزمةً بالهدنة الأولى التي أعلِنت على أثر لقاء الدكتور جعجع مع الرئيس عون، والهدنة الثانية التي أعلِنت برعاية البطريرك الراعي».

الراعي وكان الراعي قد تمنّى لو «أنّ أصحاب السلطة السياسية يتحلّون بالتجرّد عن مصالحهم الخاصة، ويتعالون عن مكاسبهم المالية غيرِ المشروعة وصفقاتِهم وتقاسمِ المغانم على حساب المال العام وحقوق المواطنين، ويتفانون في خدمة الخير العام ويعملون على قيام الدولة المنتِجة ودولة العدالة والقانون والمؤسسات، ويكرّسون طاقاتهم وأحزابَهم وانتماءَهم الديني والمذهبي لتكوين الكيان اللبناني التعدّدي في الوحدة». وقال: «لو سلكَ أصحاب السلطة بحسب نهجِ التجرّد والتفاني لَما كنّا وصَلنا إلى الأزمات التي تتآكلنا»، وسأل: «أليس من المريب، أمام كلّ هذه الأزمات، أن تكون عقدة تأليف الحكومة الجديدة محصورة بتوزيع الحصص من أجلِ المغانم والمكاسب، بدلاً من إيجاد حكومة تضمّ خبَراء تكنوقراط يحقّقون الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات كما حدّدها مؤتمر «سيدر»، ويوظفون المساعدات المالية الموعودة بين قروض ميسّرة وهبات بقيمة أحد عشر مليار ونصف مليار دولار أميركي».