تعلم المسيحيون في الشرق من المسلمين الندب على أحوالهم وأوضاعهم المزرية بدءًا من مصر حيث الأقباط مهتجسون من السلفية الاسلاموية الناهشة بلحم النصارى مروراً بسورية حيث يقف مسيحيوها على أطلال معلولا بكَاؤون على علمنة مستبدة رعت كنائسهم وسنحت لرهبانها بنشر بخورأزكى أنوف المؤمنين ببلد حافظ لطقوس الأقليَات ووصولاً الى لبنان الذي كان في يوم من الأيَام مغارة للمسيح والمسيحيين في شرق اسلامي يسكنه المسيحيون كرعايا وأهل ذمة . باستثناء لبنان عاش المسيحيون في سورية ومصر وبعض الدول العربية المتواجدون فيها كحالات خاصة محافظة على خصوصياتها الدينية وتقاليدهم وعاداتهم ومنفتحة على الثقافة الغربية بأبعادها كافة . دون أن ينتشروا في النسيج الاسلامي أو أن يكونوا روَاد الدولة العربية التي أسهموا اسهاماً كبيراً في يقظتها وولادتها من خلال مساهماتهم في الفكر القومي العربي ونضال نخبهم في الثورة العربية .الاستثناء المسيحي في لبنان وُهب سلطة ولم يحسن المحافظة عليها لأنه تعاطى مع المسلمين كرعايا وأهل ذمة لذا أفقدت الحروب في لبنان المسيحيين امتيازاتهم وحولتهم الى شركاء متحاصصين للسلطة ولكن من موقع الالتحاق بالأكثريتين السُنية والشيعية . لا أحد ينكر دور المسيحيين اللبنانيين في الثقافة العربية وفي أغناء الأدب العربي وفي نقل الترجمات التي آثرت لبنان كدور وبعد حضاري متصل مباشرة بالعالم . ربما شكل المسيحيون رافداً اساسياً من روافد الفكر العربي الحديث ولعبوا دوراً مهماً في تنشيط الوعي العربي وتقديم تجربة فريدة في الادارة والحكم رغم الملاحظات الكبيرة مقارنة مع التجارب المحيطة بلبنان من قبل سلطويات لم تسهم في بناء شيء بل انها هدَمت ما بناه الاستعمار والعائلات التي حكمت بدفع من العثمنة وبتأييد من الاستعمار لحظة انتصارها وتقاسم بلدانه لبلاد العرب والمسلمين . في اللحظة الراهنة يعيش المسيحيون رحلة الجلجلة بكل آلامها ويرفعون ضحاياهم على صلبان من خشب الأحزاب الساعية الى الاستثمار السياسي في الدين لتحسين شروط منافعهم في المناصب والزعامات التي جعلوها جزءًا من عقليتهم التي ورثوها من المسلمين ولم يأخذوا منهم شيء سوى مفهومهم للسلطة . عجباً أن يتباكى المسيحيون المستثمرون في الدماء وأن يتجاوب معهم آخرون من ملل ونحل يفرحهم توزيع الجغرافيا  حصصاً طائفية ومذهبية واثنية وقومية انسجاماً مع الخلاف التاريخي وانقسامه المفضي الى هذه الولادات التي أمعنت طعناً في بنية الاجتماع السياسي وأصلوا "الأمَة" الى حالة مأزومة ومتورمة تتضخم سرطانتها بشكل نخر عظام "الأمَة" وجعلها جثة هامدة يقبر في كلَ مرحلة قسم منها في مطامر النفايات السامة .وحده المسيح خارج الندب والصلب ووحده حاملاً غصن زيتونة من القدس بوجه سيوف مسلولة بوجه السلام الذي جاء به الأنبياء .