1-  التطورات السياسية والاجتماعية التي حدثت في السنوات الأخيرة قد أبرزت صحوة هويات جزئية متعددة ومتنوعة مما أدى بتلاشي الهويات الشاملة السابقة المتأثرة بالأيدئولوجيات القومية واليسارية؛ فما هو البديل للهوية الشاملة العربية او الاسلامية؟ وهل هذا يعني أننا سنشهد المزيد من التقسيمات السياسية في دول المنطقة على أسس مذهبية وعرقية؟ وكيف بإمكان تلك الهويات المتنوعة أن تشارك وتنسجم ضمن مشروع دولة؟

 

1-   السبب الأول للاستفاقات المرضية على الهويات الفرعية ، هو ضعف الدولة أو غيابها ، بسبب اختزالها في حزب أو عرق أو طائفة ، حيث يذهب المواطن الى جماعته العصبية طلباً للأمان الذي لا يتحقق الا بالدولة الجامعة والراعية بقوة وعدالة .. في هذه الحالات ينبغي تشكيل كتلة تاريخية متعددة الانتماءات والمواقع والخبرات ، من أجل إنجاز تسوية تاريخية بدولة متفتحة على التطورات ومتفقة رغم اختلافها ، على توسيع المشتركات و تضييق وضبط الاختلافات . وعاملة على ترسيخ مفهوم المواطنة من خلال القانون ، وداعمة لثقافة تعلم الناس بأن الهوية ليست كينونة بل هي صيرورة دائمة ، أي تكمل بالآخر وبالمستجد المعرفي.

 

 

 

2-  النزاع الطائفي المتفاقم في المنطقة قد غير الكثير من التوازنات والتحالفات، فما هو تصوركم عن مستقبل هذا النزاع والى أين سيؤدي بنا؟

2-الصراع الطائفي العنيف موجود في التاريخ ويمشي عكس التاريخ ، حتى لو استطاع أن يحكم التاريخ لمدة طويلة ، فمصيره النهاية لصالح السلام وبناء الدولة الجامعة ، التي لا تلغي الاختلاف ، بل تحسن إدارته ومعالجة آثاره السلبية . ونحن نبحث عن النعمة في النقمة ،  نستاء من وصول الأحزاب الاسلاموية المتطرفة ، والحزب الديني متطرف دائماً ، ولكننا نتوقع أن تفشل بسبب انها عقدية لا برنامجية ، لا برامج لديها ، لتلحق بالأحزاب الشمولية التي تحكمت بالناس وأنجزت ولكنها سقطت بسبب نقص الحرية والعدالة ، أما الإخوان في مصر ، فلم ينجزوا الا المزيد من نقص الحرية .. والضياع والتخبط .. والمهم أن لا تستغل الديموقراطية أو الحرية في إعادة إنتاج الإستبداد الديني او العلماني .

 

3 -        قد تابعنا التقارب الايراني – الامريكي في الأسابيع الماضية، والآن يجري كلام واسع حول تقارب سعودي – اسرائيلي للصد عن المشروع الايراني، هل خرجت اسرائيل وامريكا بالفعل عن صورة العدو لدى شعوب ودول المنطقة في ظل الصراع الطائفي القائم؟

 

3-   لم أصدق ولا مرة أن هناك تناقضاً عميقاً وتناحرياً بين واشنطن وطهران ، فالبلدان يعرفان مصالحهما ، ولكن هناك أزمة موروثة ، يمكن حلها ، بعد اندلاع الصراعات المدمرة بينهما ، من الرهائن الى حرب العراق ، الى احتلال العراق بتوافق ضمني كما في أفغانستان ، الى المساهمة الإيرانية في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في لبنان ..  وقد وصلت المسألة الى ذروتها ليبدأ الحل ويتغلب الحب على الكره ، فذهبت ايران الى سورية وأمسك الأميركي بالكيميائي السوري ، فجاء موعد حل النووي الايراني والمقاطعة ، واعادة ترتيب الأولويات ، بما فيها اسرائيل ، التي يمثلها تصريح بيريز (ايران غير عدوة) لا تشنجات نتنياهو الذي يخاف من هبوط شعبيته . وهنا لن تجد اسرائيل داعياً للتحالف مع اي طرف عربي ، وليست السعودية من الغباء ولا من القوة ، بحيث تفكر في حلف ضد اميركا وايران معاً .. وبصرف النظر عن المناورات والرقص على حبال الاختلافات القابلة للحل .

 

4-  إن الأسلوب المختلف لقم والنجف في التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية قد أظهر وجود منهجيتين مختلفتين في المذهب الشيعي؛ وعليه الى أي مدى تتصورون أن النجف بإمكانها أن تؤسس لتشيع مدني في مقابل مشروع الاسلام السياسي الشيعي التي تتبناها حكومة ايران في حوزة قم؟

 

4       – لم يكن الخلاف بين قم والنجف في القضايا المصيرية عميقاً والشاهد أن الثورة الدستورية في ايران قادها علماء ايرانيون في النجف وآخرون في طهران تخرجوا من النجف .. الوضع الحالي الذي يخاف منه على النجف ان تستولي عليها قم ظاهرياً بسبب ضعفها وولاء سلطات العراق لإيران ، فإن الذي يستولي فعلاً ويضعف النجف هو السلطة الإيرانية لا الحوزة في قم ..  ولا باس من تعليق الأمل على التيار الإصلاحي العلمي والسياسي في ايران ، ليعيد العلاقة التبادلية بين قم والنجف ، اذا كانت النجف قادرة على النهوض .. وإلا فسوف تبقى قم هي الأقوى وتهمش النجف وتستتبعها لها وللسلطة الإيرانية طالما أن السلطة في العراق لا تريد أن تستقل من دون عداء لإيران .

5       -إن اصطدام مشاريع الاسلام السياسي السني والشيعي في السنوات الاخيرة وبالتحديد في سورية قد عمق من الأزمة الطائفية وجعل الحل مستصعباً للسوريين؛ ما هو وجهة نظركم في الحلول الممكنة للأزمة السورية؟ وكيف يمكن لهذه الاطروحة أن تتحقق؟

5-   مرض سورية ومصر وغيرها أي الاستبداد والفساد والغاء الدولة بالسلطة والغاء الدين بالدولة والغاء الدولة بالدين ، والغاء التعدد بمصادرة الجماعات الدينية والاثنية ، وتلغيم العلمانية بالمذهبية والقبلية ، وتحويل القومية الى شوفينية ، والاستقواء بالخارج على الداخل ، هذا المرض عمره من عمر إسقاط مشروع  محمد علي باشا لبناء الدولة النموذج (في القرن 18) في مصر .. وعليه فإن وقت الشفاء لا بد أن يكون طويلاّ في كل بلد عربي منتفض ولو نسبياً ، وفي سورية سيكون أطول  وأعقد وأشد ألماً ، لأسباب عديدة ، منها تاريخ سوريا التعددي الإشكالي ، ومنها موقعها بين اسرائيل وتركية  ولبنان  والأردن والعراق ، ومنها أن لا ثروات طبيعية فيها تغري الكبار بالحلول السريعة والعميقة .. ومنها أن ذكاء النظام قد انحصر ونجح في جعل كلفة الحرية أكبر من كلفة الاستبداد مادياً ، سورية بحاجة الى ورشة عربية ودولية ، على غرار يالطة ، بشروط مختلفة .. وبحاجة الى مشروع مارشال حديث ، بحاجة الى تسوية تاريخية ، وتحتاج الى تسويات عديدة ، متعاقبة .. وربما كان الحل هو صياغة نظام سوري على غرار النظام اللبناني مؤقتاً مع حصص طائفية ، ريثما تستقر وتتصالح ، وتعود الى التطور سياسياً وقانونياً على طريق التعدد المحفوظ بالوحدة (أعني رئيساً علوياً محدود الصلاحية ونائباً مسيحياً له ، ورئيساً سنياً للوزارة ، ومجلساً نيابياً متوازناً للنواب).

 

6-   لقد دعوتم في كتاباتكم الى تأسيس دولة مدنية وذكرتم بأن الدين لا يمكنه ان يؤسس دولة وبالعكس؛ هل هذا يعني أنكم تعتقدون بالعلمانية بديلا عن الحكومة الدينية؟ وكيف يمكن التوفيق بين الدين والدولة المدنية مع وجود تناقضات في الرؤية السياسية والاجتماعية؟

 

6-   من جملة أهدافي في الدعوة الى دولة مدنية ، اي دولة حديثة ديمقراطية تعددية ، دولة أفراد على أساس المواطنة والحق والقانون وحقوق الانسان ، أن أحفظ الدين كضرورة ، من شر المتدينين الذين يخلطون عشوائياً بين الدين والدولة ، تماماً كما خلطت العلمانية كثيراً بينهما ، فالاسلاميون يريدون انتاج الدولة بالدين ، وهذا يفسدهما معاً ، وبعض العلمانيين أرادوا إنتاج الدين بالدولة ، فأفسدوهما معاً ، الأجدى هو الفصل ، والفصل في أوروبا حفظ الدولة والمسيحية بتحريرها من الكنيسة ، وتحرير الكنيسة من  نفسها ، نريد هذا الفصل ، من دون الفصل بين الدين والأفراد وحتى بين الدين والمجتمع ، ونحن على قناعة ندافع عنها بأدلة علمية بأن الاسلام لم يصف دولة، بل وصف مجتمعاً معتبراً أن الدولة من ضرورات الاجتماع ، والضرورات متغيرة ، والدولة الحديثة هي التي تستجيب للضرورة الآن .

 

7-   لقد سمعنا في الأيام الأخيرة عن أنباء للقيام بأعمال انتحارية من قبل مجاهدين شيعة في سورية، وهذا تطور جديد من حيث أن التفجيرات الانتحارية عادة ما كانت تحدث من قبل سلفيين سنة؟ هل هذا يعني نحن الان أمام واقع انتاج سلفية شيعية متشددة مقابل النموذج السني لها؟

 

7-   أول من قام بعمليات انتحارية (سميت استشهادية) وأنا هنا لست في مقام التأييد ولا الادانة .. اول من قام بهذه العمليات هم شيعة بعد احتلال اسرائيل للبنان ، ومنهم اثنان من ابناء عمومتي .. وتقديري أن الفقه جاهز ، لأنه علم سلطوي ، للاستجابة الى أي مغامر أو متطرف ، ليغطي له بالفتوى أي سلوك يختاره ، وتاريخياً لم تسلم المسيحية من أعباء هذا المسلك السياسي ، لا الديني .. وفي تقديري ان لدى السنة فرصة فقهية للتحايل السياسي على الشريعة بسبب المسافة الزمنية الكبيرة الفاصلة بين الناس والمراجع الأربعة ، أما مع وجود ووجوب تقليد المرجع الحي لدى الشيعة ، فإن المسألة صعبة وخطيرة ، لأنها خروج على السياق الشيعي لا تحمد عقباه اذا استمر السكوت عليه ، ويحتاج الى مرجعيات مذعنة ومفتعلة من أجل تغطيته .. أما الشراكة في العنف والقتل من دون مبررات كافية أو دقيقة أو شرعية ، فإنه مؤهل لأن يكون مفعوله في نهاية المطاف عكسياً .. كما شهدنا في تاريخ ثورات سيطرت عليها شهوات القتل والنصر بالرعب .. وكما نسمع الآن من همس يتعالى صوته من أهالي المقتولين في سوريا من مقاتلي حزب الله .

 

8-   لقد بذلتم جهدا كبيرا في مشروع الحوار بين الأديان والمذاهب في مستوى المجتمع اللبناني وفي المنطقة بشكل اوسع؛ ما هو تقييمكم عن التطورات الجارية في العلاقة بين الاديان والمذاهب في الشرق الأوسط؟ وهل هناك من امكانية لتفعيل الحوار والتعامل البناء بعد تفاقم الازمات الطائفية؟

8-لم أدعُ ولن أدعو الى الحوار بين الأديان لأن الصراع بين اهل الأديان ، لا بين الأديان ، ورأيي ان الحوار لا بد أن يرتقي الى مستوى التحديات ، حتى لا يبقى موضة ، ولا يصبح جاذباً لأعداء الحوار بادعاء الحوار ومصادرته  وإفشاله .. إذن لا بد من مأسسة على أسس استقلالية لأن الصراعات تتفاقم ، ولم يعد كافياً أن نتحاور موسمياً ، لا بد من صناعة سلامنا وتوسيعه ، ولا بد من إظهار قوة الإعتدال بالتنظيم .. لا بد من مؤسسة تحول الحوار الى علم وثقافة وعمل ، والملاءمة بين الوعي النظري والعلاج الميداني لحالات النزاع واحتمالاته ، والتركيز على أنظمة المصالح المشتركة ، التي تفتح الوعي على الأفكار والقيم المشتركة ، مع ضرورة الانتباه الى خطورة أن يصبح الحوار شأن الأكاديميين حصراً لأنه يعيد إنتاج الفوارق ، ويضيق المشترك .. ولا شأن السلاطين لأنهم يفسدونه ، ولا مانع أن يستفيدوا منه إذا شاؤوا ، واستعدوا لحمل نتائجه وحماية حركته ، من بعيد ..