اعتبر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن أن الخطاب السياسي المتشنج المتبادل هو إنعكاس لحال الوضع الإقليمي والدولي الذي إستجدّ نتيجة إنقلاب المواقف الدولية والتقارب الأميركي- الإيراني، مستبعدا أن يعني ذلك أنّ الوضع ذاهب إلى انفجار داخلي يودي بأي أمل في تشكيل حكومة جديدة.
وفي حديث لـ"النشرة"، أشار الخازن إلى أنّ الأوضاع الداخلية، برغم رهافة الأمن في طرابلس، لا تزال تحت السيطرة، لأن لا مصلحة للغرب ولا للمحور الروسي- الصيني في زج لبنان في حرب أهلية خصوصًا في ظل التفاهم الأميركي- الروسي والإنفتاح الغربي على إيران والمُنتَظر أن يُؤتي نتائج إيجابية سريعة على ملف التخصيب الإيراني والتفاهمات الإقليمية، فضلاً عن مصالح الجبارين في استثمار الحقول البحرية الزاخرة بالغاز والنفط اللبنانيين، تحتّم كلها إستقرارًا نسبيًا في البلاد.
ورأى الخازن أنّه وبعد إنحسار موجة التصعيد السياسي الأخير، لا بد من أن يتولّى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعهما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام إيجاد أرضية تفاهم بعدما إنخرط "التيار الوطني الحر" في التواصل مع تيار "المستقبل" ومن ثم مع الحزب "الإشتراكي"، مِمّا يشكّل عاملاً إيجابيًا لإراحة السياسة من التشنّجات والإقتراب من سلة التفاهم.

 

حروب صغيرة متنقّلة
وعن دور المملكة العربية السعودية حاليًا في ظل إتهام حزب الله إياها بتعطيل عملية التشكيل، لفت الخازن الى انّه ليس بالإمكان تجاهل النقمة السعودية على التناغم الأميركي- الإيراني بشأن الملف النووي والذهاب إلى جنيف 2 بمعزل عن المشاركة الفعّالة لدور السعودية في هذا المجال. وقال: "لأن رئيس الحكومة المكلّف تمام سلام حظي بمباركة سعودية مباشرة، فإن مهمته موضع أخذ ورد نتيجة هذا التجاذب القائم بين محورَي طهران والرياض اللذين كانا مرشّحين للتفاهم لولا التطوّرات السورية المتسارعة التي جعلت الجيش السوري النظامي يتقدّم ويحقّق إنجازات أمنية على الأرض في مواجهة مسلّحي المعارضة".
وأشار الخالزن الى انّه يستبعد أي حرب أهلية في ظل عدم وجود عوامل خارجية وداخلية لمثل هذه الحرب. وقال: "هناك حروب صغيرة متنقّلة في أماكن متقابلة، المناصِرة أو المعارضة للنظام السوري كطرابلس والحدود الشرقية اللبنانية- السورية وصيدا، وهي لن تصل إلى حد الفلتان ما دام الجيش والقوى الأمنية ممسكة بزمام الوضع الأمني في حدّه الأدنى".

 

لا خوف على موقع الرئاسة
وعن انطلاق معركة رئاسة الجمهورية باكرا، اعتبر الخازن أنّه من غير الطبيعي أن تنطلق الإستعدادات اليوم للحركة الرئاسية نظرًا لبعد إستحقاقها وخصوصًا أن هناك أمور مُستَعجلة أكثر بكثير من إنتخابات رئاسة الجمهورية على أهميتها، وقال: "أعني بهذا تشكيل حكومة جديدة أولاً والشروع في إقرار قانون إنتخابي جديد وتمثيلي وتجري على أساسه الإنتخابات النيابية في أسرع وقت ممكن وإنتظام العمل الديمقراطي في لبنان. وبعدها يأتي الإستحقاق الأهم وهو إنتخاب رئيس جمهورية جديد في البلاد".
ولفت الخازن الى ان هناك إحتمالا، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم على صعيد الورم السياسي الحاصل، بتأجيل الإنتخابات الرئاسية في الموعد الدستوري، لأن هذا الأمر خاضع للتطورات الإقليمية وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لإنضاج حل سياسي في سوريا بحيث أن إستمرار الصراع المسلّح والنازف لن يمكّن القيادات اللبنانية من التفاهم على رئيس جديد. وأردف قائلا: "مهما يكن من أمر، فإن موقع الرئاسة لا خوف عليه من أي تغيير في المعادلة الإقليمية والدولية المقبلتين ووفق تطوّر الظروف في سوريا".

 

القضاء والمصرف المركزي خطّان أحمران
أما بالنسبة للأسماء التي هي قيد التداول لتبوّء موقع رئاسة الجمهورية، فقال: "علّمتنا التجارب والظروف أن الكثير من هؤلاء المرشّحين ناموا مساءً، ليلة إنتخابات رئيس الجمهورية، مرشّحين رؤساء جمهورية، وقاموا في اليوم الثاني دون تحقيق ما كانوا يبتغون، علمًا أن هناك الكثير من الشخصيات السياسية والإقتصادية المارونية جديرة بتبوّء هكذا مركز مميّز وحساس."
وشدّد الخازن على وجوب تحييد السياسيين عن القضاء، معتبرا أن القضاء هو عصب الثقة بلبنان وهو والمصرف المركزي خطّان أحمران لا يمكن زجّهما في التنازع الداخلي القائم حول سوريا. وأضاف: "إلى حدّ كبير يمكن القول إن القضاء، برغم بعض الثغرات الحاصلة، ما زال يتمتّع بمصداقية عالية خصوصًا مع وجود رئيس كالقاضي جان فهد على رأس مجلس القضاء الأعلى".

 

بكركي تعمل للحفاظ على وجه لبنان
وعن زحمة المؤتمرات الخاصة بوضع المسيحيين في المنطقة والتخوف على مصيرهم، أكّد الخازن أن هناك تخوّفا مسيحيا جدّيا على مصيرهم في المشرق إنطلاقًا من لبنان. وقال: "ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه في تأجيج الحرب اللبنانية، ومحاولة إقامة وطن بديل لفلسطين على أرض لبنان ما زال هدفًا مركزيًا في إستراتيجيتها الإقليمية لأن لبنان يشكّل عائقًا حقيقيًا لإعلان يهودية الدولة الإسرائيلية نظرًا لبقائه في صيغته التاريخية التي كرّسته بلدًا لجميع طوائفه ومذاهبه".
وشدّد الخازن على ان بكركي بسعي من البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مستمرة في التنسيق مع حاضرة الفاتيكان للحفاظ على وجه لبنان بمسيحيّيه ومسلميه، لأنه النموذج الأول في العالم لتناغم الحضارات والثقافات والديانات في زمن عمّت الطفرة الإسلامية المتطرّفة بلدان المشرق إمتدادًا من أفغانستان وباكستان وصولاً إلى سوريا. وأضاف: "البطريرك الراعي ماضٍ في جولاته الإغترابية والخارجية على ترسيخ التجذّر بالأرض ودفع المحافل الدولية إلى مناصرة الوجود المسيحي في المشرق لأنه الأساس والحضن الضامن لمبدأ التعايش بين الديانات السماوية بعيدًا عن الموجات الطائفية والمذهبية التي تُعتَبر عابرة عبور المصالح المُستخدمة بواسطتها، لاسيما الإسرائيلية صاحبة المصلحة الأولى في إنتاج أنظمة إسلامية متواجهة مذهبيًا لتبرير إعلانها يهودية دولتها".