ونحن بين الاسلاك الشائكة داخل معتقل انصار وبالتحديد في المعسكر المسمى ( س 3 ) المخصص تقريبا للمقاومين الشيعة المتدينين حيث كنا الاغلبية الساحقة , حينها لم يمنعنا الاسر ولم يحول الاحتجاز عندما قدم علينا شهر محرم الحرام من ان نقوم بكل المراسم العاشورائية من مجالس عزاء واللطم وغيره حتى اننا في اليوم العاشر, وبالامكانيات المحدودة جدا المتوفرة , نجحنا يومها بتحويل الساحة الخارجية للمعسكر الى ما يشبه المسرح الكبير جسدنا عليه قدر المستطاع واقعة كربلاء بتمثيل مسرحي كما جرت العادة في النبطية او في  بعض القرى العاملية ,, وان كنت انسى فانني لا انسى ان دوري بهذه المسرحية كان الحر الرياحي رضوان الله عليه , وكنت كما كل الممثلين "المعتقلين " لا نشك للحظة واحدة اننا في ذلك الوقت وفي ذلك المكان تحديدا وما نحن عليه انما نعبّر اصدق تعبير عن الموقف الحسيني الحقيقي والذي وعيناه منذ طفولتنا والمختصر بشكل لا يمكن ان يقبل التأويل بمقولة ابي عبدالله الحسين (ع) : " هيهات منا الذلة " , وانه من غير الممكن في نظرنا لاي احد بان يعكس جوهر القضية الحسينية على حقيقتها كما نعكسها نحن او من هم مثلنا في واحدة من اشرف مواقع الرفض للمذلة المتمثلة يومها بالاحتلال والمحتلين , وبما يحمل  نفس وجود هذا الاحتلال من معاني الظلم والمفترض ان يكون مرفوض فطريا عند اي شيعي حقيقي يحمل بين جنباته حب حقيقي للسبط الشهيد , وبالتالي كنت اعتقد انا " الحر الرياحي " بان من المستحيل على اي احد مجرد مقاربة احداث النهضة الحسينية من موقع مختلف لموقعنا , حتى انني كنت اجزم بان هذه الاستحالة هي من النوع الموضوعي الذي يستحيل فيه امكانية الوقوع ذاتيا ! الا ان هذا الاعتقاد لم يدم اكثر من ايام معدودات , وتبدد كل هذا الجزم مع دخول اسير جديد الى معسكرنا قادم من ما كان يسمى يومها بالشريط الحدودي ليخبرنا من ضمن ما اخبرنا به عن احوال الخارج , بان افرادا " شيعة " يخدمون بشكل علني في جيش لحد العميل قد اقاموا هم ايضا مسرحية عاشورائية في احدى القرى المحتلة .... ومنذ تلك اللحظة وانا اعيش صدمة صراع احياء مراسم عاشوراء بين معاني الجوهر .. ومجرد الفلكلور .