إبن الجنوب , عاش بين الرعب والصمود ..
ينتمي إلى نادي العاشقين فقرأ الشعر وكتبه وانتسب باكرا إلى الكلمة فكانت طوع يديه شعرا ونثرا وقصة ..
امتهن الصحافة كما الشعر وامتهن الرسم فكان الرسم والشعر توأم روحه فكتب انفعالات الروح والقلم ورسم من الخيال صفاء اللحظة وانفعال الروح ..
إنه الشاعر القدير الاستاذ محمد سرور وهذا الحوار  ..

في البداية نريد أن نتعرف اكثر على شاعرنا الاستاذ  محمد سرور  .
من مواليد عيتا الشعب ، منطقة بنت جبيل . من عائلة كادحة ، وطنية ومبكرة في مجال النضال الوطني .

عشت الصبا بين الرعب والتجهير والصمود ، وأكملت الهجرة باكراً ، منذ العام 1976 ، أي منذ أوجد الإسرائيليون ما سمي بدولة لبنان الحر – بقيادة سعد الحداد . واستمرت المتاهة ... ولم تزل .

ما سبق يعفيني من تعداد البيوت التي سكنت ، والمناطق التي عشت فيها ... وبالطبع المدارس التي تنقلت واخوتي إليها .

يقولون وراء كل شاعر مجموعة من الشعراء من هم الشعراء الذين يتأثر بهم الشاعر محمد سرور .
كنت ككل العاشقين لهذا العالم الجميل – الشعر – فقرأت الأدب الفرنسي بنهم – كفيكتور هيغو ولامارتين وبودلير وغيرهم ، وأحببت كثيراً الشاعر الهندي طاغور ، ونيرودا ... إضافة إلى الشعر العربي : محمد الماغوط والسياب وفدوى طوقان وأمل دنقل ، وكثراً ما استوقفني محمود درويش ، الذي أحببت بعض نتاجه الأول ، لكن المراحل المتقدمه من نتاجه هي التي قربتني منه أكثر .

لكني وبكل فخر ، استطعت أخيراً أن أجد اللون الذي يناسب ذائقتي ويأخذني إلى حيث اتعمَّق في الإنتساب إلى هذا العالم القلق روعة وانسياباً .

كيف بدأ شاعرنا الكريم رحلته الى عالم القصيدة ومتى اشتعل القلم بلهيب الروح ؟
بصراحة ومنذ صغري بدأت أحبو وأدب صوب الشعر ، الظروف اجتهدت كثيراً على الدفع بي قدما ، والظروف نفسها أخرتني كثيراً عن الإنتساب العملي . المعاناة والإنفعالات التي لم تتوقف يوماً عن التدفق في مخيلاتنا ، وبالطبع الرغبة الجامحة والتعلم والمطالعة الدؤوبة ، خاصة عندما تكون في صميم العمل الإبداعي – فأنا هاوٍ مجتهد للرسم ... كذلك فإن التجارب الإنسانية والعاطفية تسهم في تحريك الشحنة الداخلية للنطق بالشعر كما بغيره .

الكتابة الشعرية بمعناها الحقيقي ، ورغم قربي الشديد من الشعر والشعراء ، بدأت مؤخراً ، أي منذ مدة لا تزيد على الخمسة عشر سنة إلا قليلا ، وذلك بسبب تداخل عملي في مجال الكتابة الصحفية والأدبية والرسم .

ماذا عن الرواية او القصة ؟ هل خضتم غمار هذه التجربة  .
أحب القصة بشغف يضاهي محبتي للشعر ، خاصة تلك المشبعة بالصور الشاعرية والتي يستبد بها الخيال ارتحالا وتحليقاً في المدى الإبداعي ، وأقرأ القصة أكثر من قراءتي الشعر لأني أعتبرها مصدر عميقاً للإلهام الشاعري . لدي مجموعة قصص قصيرة ، هي محاولة أحببتها جداً ، واطلع عليها بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة ، نصحوني بنشرها ، لكني إلى الآن لم أقرر بعد .

بالنهاية الإبداع ليس حكرا على مدرسة أو لون أو اتجاه ، كونه موجود في كل عمل اتقن وانجز بالجودة التي تقتضيها الحالة الإنفعالية .

محمد سرور كناقد  ماذا يقول لنفسه ماذا يقول عن قصائده  .
أقول لنفسي أن : شاغبْ أكثر وأكثر ولا تخفْ ، واقرأ كثيراً ، ثم أكتب القليل القليل .

أحزن عندما أعجز عن ملاحقة خطا أو عجز في نص ما لي . ويحزنني أكثر عندما أستمع إلى شاعر يدعي التخضرم والكمال ، فيما لا أرى من شاعريته سوى نظم متقن – تقنياً – فيما تخونه الشاعرية تماماً .

أحتاج إلى تواضع أكثر ، وإلى تغلغل لا محدود بالقيم والأبعاد الإنسانية – إلى التشبع المحايد غير المكرور وغير العصبي لهذه القيم السامية ، إلى الدخول في عالم الشعراء الكبار الذين اجادوا قنص الفكرة والشاعرية معاً . احتاج إلى محكمة ذات دائمة العمل في داخلي لكي أستطيع العبور إلى ضفة الإنسان السليم والنظيف .

لذلك أشعر بالحاجة الدائمة إلى التجدد والتعمق بتجارب الرواد والكبار ، وهذا يدفعني اكثر لقراءة نفسي وتحديد ماذا أريد ومن خلال ذلك تحديد ماهية الشعر وماذا تمثل بالنسبة لي قبل الآخرين .

برأيكم الشعر رسالة أم هواية  ؟
للشعر مقومات عديدة تبدأ من الحاجة إلى التعبير عن قضايا تهم الإنسان والإنسانية . قضايا بحجم القلق والتعب والغوص والترقب والسفر ... والسهر الدائم .

مواصفات الشاعرية والحس الشاعري والنضج الموسيقي الداخلي والتثقف اللغوي والإحساس بالقدرة على الإضافة إلى دنيا الشعر وإثبات ذلك ، عوامل كلها يجب أن تجتمع بشخص محدد لكي يستطيع الإدعاء بانتسابه على الإبداع الشعري .

لذلك أرى أن الشعر هوية ورسالة في آن واحد .

هوية كونها المرآة للشخص والجماعة . ومقياس حضاري – قيمي للبنية الفردية وبمستوى أقل ألبنية العامة . ورسالة بصفتها حاملة الأحاسيس والإنفعالات . تحمل القضايا ، تعبر عن الهموم ، تفجر المكنون العاطفي والوجداني ، تتسلل إلى أعماق الذات – كالغزاة – دون ضوابط أو قيود . تجمِّل البوح وتزخرف الخوف ... وتحيي الجماد الساكن في حارات الذاكرة .

ما هي رسالة الشعر والشاعر برأيكم  ؟
يتلخص الشعر بالتالي : تكأ الجراح والإصغاء لما يقوله لنا الوجع . الشغب الحميم ، الذي لا يهادن ولا يتوقف امام الحسابات . عدم التردد عن نشر الغسيل – أيا كان لونه أو ناشره . الشعر هو ثورة الذات على الذات وكل يتصل بها من عوامل ومؤثرات . هو الفضح اللا محدود لكل شيء دون التدخل بصيرورته أو شرحه .

عندما يكتب الشاعر عن الحب أو العشق هل يكتب الحقيقة برأيكم ؟
لا يكذب الشاعر ، بل بتلاعب بالمكان والزمان  والمزايا  الإنسانية للمعني من خلال إسقاطها على آخر أو آخرين . يتناقل أدوار الشخصيات والتجارب بطرق رمزية – إيحائية تعفيه من الإفصاح والمباشرة .

يدوزن الشاعر العواصف على إيقاع انفعالاته ومقاصده ، فيصنع عالمه الذي ينفخ فيه الحياة ثم يحرِّكه بما يشبه إتقان النسمة مداعبة الوجوه بالوخز اللذيذ .

ماذا عن كتاباتكم في الحب هل هي من عالم الخيال  ام هي قصص واقعية ؟
القصص تتلخص بالرموز والحلقات التي تؤلف أسوارة القصيدة . التجارب والقصص الشخصية  تصير مواداً من سفر وتنهدات . تصير منجماً من ذهب العاصفة التي تشعل الخاطر بواسطة ضمم أو باقات من حديقة التجربة وبطريقة محكمة الحبك والصياغة ، وبعسدة في التورية ، بحيث تقرأ على ان غيمة الأوار امطرت على اللحظة ، فيما الحقيقة تكون إيقاظاً لبركان من خلال إحداث تقب في خاصرته ... ليس إلا . لذلك فإن التجارب والقصص الشخصية شديدة الأهمية في مسيرة الشاعر .

تعددت لغة الشعر في واقعنا الحالي وثمة ما يشبه الصراع بين القديم والحديث لأي شعر ينتصر محمد سرور  ؟
 مهما قيل ويقال عن الشعر ، لا يهمني لأي المدارس والتجارب والألوان ينتسب . فقد تجده في نص أدبي رائع . وفي هذا المكان أو ذاك من المدارس والإتجاهات الشعرية .

أقول : إن الشعر ليس عملية تقنية أو ميكانيكية ، ليس مجرد نظم ورصف لفسيفساء اللغة ، بل صناعة للدهشة الخلابة ... استحضار للطعنة البهية إلى النفس التواقة .

ومع ذلك اميل إلى كسر القيد الذي يدَّعي أن الشعر دون قواعده وقوالبه ليس شعراً . لا لاحكتار هذه القيمة النبيلة ، لكن لا للتهاون مع متسلقي سلم البهاء .

المعضلة ليست بالمدارس والميول ، إنما ب : هل ما نكتب أو ما نقرأ هو الجيد والمميز من الشعر ؟ هنا يجب أن نكون أمناء على هذه الرسالة العظيمة .

هل يصل الشاعر إلى ما يريد  ؟ هل وصل شاعرنا محمد سرور إلى ما يريد ؟
لا يصل شاعر إلى ما يريد ... وحين يدَّعي ذلك يكون الشاعر بلغ حافة الإحتضار .

ذلك لا يعني الندم عما أنجزه الشاعر أم لم ينجزه ، بل على مسيرة الشعر وأين بلغت من خلال ما كتب .

ماذا عن كتاباتكم الشعرية هل صدرت لكم ايه منشورات يمكننا ان نتعرف عليها  ؟
صدرت لي مجموعتان : يوميات الوجع الفلسطيني – عام 2002 ومرايا جائعة – صدرت عام 2008 . ولي مجموعة جديدة – تحت الطبع – نشوة الغبار . لكن لي المئات من النصوص الشعرية والأدبية التي نشرتها في الصحف والمجلات . كذلك لي الكثير من القراءات الأدبية والفكرية والسياسية التي أعتز بها .

 

هل لنا أن نتعرف إلى مجموعة من قصائدكم ؟
أما عن نماذج نتاجي الشعري فإني أعتز بوضعها بين أيديكم وأيدي الأحبة القراء .

عن الإبتسامة أقول :

خانتني ابتسامتي

مع حدائقَ تغتالُ وردَها الصبي

مع لغةٍ مطعونةٍ بالنبذِ القبلي .

 

حتى دمعتي العزيزة

من جيبي المثقوبِ تدحرجتْ

على رصيفِ العمرِ المُدمَّى

لم تزلْ تؤدِّي ذعرَها الأبدي .

 

لصديق لي أقول :

 

أشهد أن امرأةً

ضفائرُها من عشبٍ ومن مطر،

عاريةً

إلاّ من عطرٍ وقلادة

هي الغزال في كفِّك

والجمر

حصادُ قلبكَ الهاذي

آخرُ أنّاتِ التعب.

في الغزل أقول :

سوفَ أنازلها

بكلِّ غيماتِ العشق الشتوي

وأنين البردِ في خلايا الجليد

وندبةِ الجوع على شفةِ الوليد

أنازلها

بشوقٍ يُساهرُ ليلَ البدوي .

عن اللاجىء :

 

يا نديمَ الترحال

زانية مع ثعالبها الدوالي

وحبرُكَ المدمَّى

بالتنهُّدِ يرتقُ ثقوبَ اليقين

منذ أعلنتَ للهجرة موعداً

تشتهيكَ الحِرابُ

ألست بدرَ الغائبين؟

عن ثقافة الدم والنزف :

 

أعترفُ بأنَّ دمي يغادرُ خلسة أوردتي

هذا الماكرُ الأحمر

كلما أغوتني قبائلُ النار

تقافزَ مزهوَّاً إلى التراب.

 

في الوطن :

مائدةُ الغبار جسدي

شغفُ الأطلالِ بالأنين

فرَسُ جراحي الأصيلة

رمادُ القوافي

ونعاسُ الحنين

مرعى الحتوفِ جسدي

نايُ البهجةِ القتيلة.