بينما نحن جالسين كعادتنا تحت ضوء القمر وحشرجة الشجر وحفيق الورق ، وبقربنا موقد الجمر..وأصوات الأباريق ترسل صفَّارة سخونتها لأنيس جلستنا المفتوحة على شبابيك عيوننا التي لا تنام فرحاً وبهجةً وسروراً بحلاوة التبغ في فم الليل..وقناديل الوجوه المعلَّقة بين غيمٍ وغيمٍ ، وضحكاتٌ مملوءة بأصوات السعادة ، والنفوس لا تعرف إلاَّ المحبة والتسامح والخير...إذ هجم علينا شياطينٌ أكاد أحسبها أربعة، وأسوأهم ذاك الكبير الذي يصلِّي ويعلِّم السحر والتعويذة والشعوذة ، قد علَّق في عنقه جعبةً فارسيةً منتفخة الطرفين ، دقيقة الوسط قد شُبحت بالخيوط شبحاً منكراً تحسبه صولجانٌ مذهبٌ كمماليك قيصر..ولُفافةٌ ملكية على رأسه بعض خيوطها تشبه خيوط لحيته المسترسلة لحيةٌ بلحية تيسٍ بلا قرونٍ ، يتحرَّك في أطرافها ذنب الأبالسة ، ولعلَّةٍ يُطيل الصلاة ويأكل ويحرث الأخضر واليابس من أموال الفقراء والأرامل، وقد لُبِست جعبته قطعة فروٍ كأنهم يخافون عليها القرَّ...ثم بدر الثاني فاستخرج من كُمِّه هنةً سوداء كخرطوم الفيل فوضع طرفها في فِيهِ...وأخذ ينفخ فيها وينفخ حتى إنتفخت أوداجه إنتفاخاً ، وحبس بخنصريه على ثقوبها واستخرج منها صوتاً ملائماً مشاكلاً بعضه بعضاً كأنه خوارٌ بخوار – عَلِمَ الله ينطق – أصوات شؤم لا تصدر إلاَّ عن بومٍ له مخالب تمزِّق وأنها كانت تقتل ، صيحاتٌ غامضة كأنها صيحات البرابرة....ثم بدر الشيطان الثالث عليه قميص لا أدري أوَزَغٌ أم وسخٌ ، ويحمل مرآتان فجعل يُمري ويضرب إحداهما على الأخرى مرياً مرياً وضرباً ضرباً.....رابعهم بدر علينا بخفَّان أجذمان لا ساقان لهما ، وأخذ يقفز تحسبه يتراقص على ظهور العقارب السود ، ثم إلتبط وتمرَّغ واضطجع الأرض كشبه الذي عفَّر جبينه ولحيته بتراب مقدّس لينال بركة الآلهة التي لا تقبل صلاة وتضحية ولا اللهب الذي يرتفع من أفخاذ الضحايا ، وليس من بين الطير ما يبعث صوتاً ينبئ بخيرٍ لأنها قد امتلأت من شحم الإنسان ودمه....أنتم جميعاً كالنَّبَّالة تتخذون الناس غرضاً وتصوِّبون عليهم سهامكم...شياطينٌ ناهبين مرائين من كهنةٍ وكهنوت ، وتجَّار تتقنون فنَّ التجارة مع الله والناس ، تتبذَّخون على جهد الفقير وتشرِّعون الجريمة..وتلبسون عباءات فضفاضة ، وأقوالٌ حكيمة ، وسجَّادات صلواتكم لا تغادرونها إلاَّ عند النوم والنميمة عندما تتفرَّغون لعبادة كعاثب النساء....لحيةٌ بلحيةٍ..وكذبٌ بكذبً...شياطينٌ أربع.