يوم استَلمتم الأمن العام، كان لدى البعض تحفّظ أو مخاوف من أن تكونوا طرفاً، لكنَّ الممارسة أظهَرت أنّكم جعلتم من الأمن العام مؤسَّسة ناجحة وللجميع. هل أنتم راضون عمّا حقَّقتموه منذ عامَين إلى الآن؟   - الأوضاع التي وصَلت إليها البلاد، والفرز الموجود في أذهان الناس جعلهم يعتقدون بأنّه إذا جاء شخصٌ من مذهب معيّن سيكون أداؤه مثل أداء طائفته. وبالتالي، عندما وصَلنا إلى منصب المدير العام للأمن العام تعرَّضنا لسهام كثيرة وحملات إعلامية ومضايقات، لكنها لم تؤثّر في قناعاتنا، خصوصاً أننا نتحدَّر من مؤسّسة انتمينا إليها على مدى 31 عاماً، هي مؤسّسة الجيش اللبناني، وتعلَّمنا منها أن نكون فوق الطوائف.   فلا يمكن الحكم على أيّ شخص عبر سلخِه عن ماضيه، ونتشرَّف بأن يكون ماضينا مرتبطاً بمؤسّسة يفتخر بها جميع اللبنانيين. لذلك أرَدنا أن يكون الأمن العام على شاكلة هذه المؤسسة.   ومنذ دأبنا على ممارسة مهمّاتنا في جهاز الأمن العام، قسَّمنا العمل إلى منهجيَّتين: الأولى تُعنى بالشق الإداري، والثانية قائمة على الشق الأمني. وقد قطَعنا مسافة كبيرة في مجال تطوير الشقّين، وأثبَتنا أنّنا على مسافة واحدة من الجميع وبذَلنا جهداً لإخراج الأمن العام إلى رحاب الوطن وجعله على قياس الوطن وليس على قياس طائفة واحدة، وأنا أُقرّ بوجود بعض التجاوزات، لكن لا علاقة لها بالانتماء الطائفي.   لقد أحَلنا عدداً لا بأس به من الموظّفين المُرتشين أو الذين تعاطوا مع المواطنين بطريقة غير أخلاقية، إلى المحاسبة. واستطعنا أن نُظهر للرأي العام أنّنا لا نتقاضى ثمَن خدمتنا للناس، فنحن نعمل لدى ربّ عمل واحد، هو الشعب اللبناني، وإذا أرَدنا إرضاء ربّ عملنا كموظفين مخلصين، يجب أن نسعى إلى إرضاء الشعب وضميرنا في الوقت نفسه.   إنّ مؤسسة الأمن العام هي مؤسسة ضخمة تُعنى بشؤون الناس، لذلك يتطلَّب عملنا منّا الاحتكاك كثيراً مع الناس، وهذا يُولّد أخطاء، وقد آلينا على أنفسنا تنظيف المؤسسة من الأخطاء وعدم الخجل من هذا الأمر، وأن نملك الجرأة للإفصاح عنها والقدرة على استئصالها.   عندما تولَّينا مهمّاتنا منذ عامين، انتقل معنا من الجيش اللبناني 36 ضابطاً، اختَرتهم شخصياً، إضافة إلى 6 ضباط كانوا في الأمن العام نُقلوا إلى مؤسسة الجيش اللبناني، فأعَدنا لهم حقّهم بعودتهم إلى الأمن العام. أنشأنا فريق عمل، زاوَجنا فيه بين ضباط الأمن العام وضباط الجيش، وهذا التزاوج أنتَج النجاح الذي نُحقّقه اليوم.   لقد قسَّمنا الضباط إلى لجان، وأوكلت إلى كلّ لجنة مهمّات خاصّة وزَّعتها بشكل لا يتَجاوز القانون ولا يتعدَّى على صلاحيّات أيّ جهاز آخر. وضَعنا الكتاب مرجعيّة أساسية لنا ومارَسنا صلاحيّاتنا بالعودة إلى الكتاب.   في الشق الإداري، شكّلنا أجهزة رقابة لمراقبة أداء الموظفين، وأنشأنا ما يُشبه الأمن المسلكي والعسكري لمحاسبة عناصر الأمن العام، وتصحيح أيّ خلل يمكن أن يشوب عمل المؤسّسة.   أمّا في الشق الأمني المخابراتي، فقد ركّزت عليه منذ البداية وبنَيته من الصفر، وعملت على تطويره. منذ عامين، ظهَر جزء صغير منه إلى العلن، لكنّنا أبقَينا على الجزء الأكبر ضمن سياسة السرّية والصمت، وهو الجزء الذي رفَع منسوب ثقة الدول بجهازنا لجهة الأداء والحرفيّة في العمل.   • كيف تصِف العلاقة بين الأجهزة الأمنية؟   - التنافس موجود، لكن في المعنى الإيجابي وفي التسابق على اصطياد المعلومة. لقد حرصت دائماً على توجيه الضباط والعسكريين لاستقصاء معلومة لا يملكها جهاز أمنيّ آخر. فالأداء المتميّز في العمل يجب أن ينسحب على المعلومة التي يفترض أن تكون متميّزة ومتمايزة. هناك جزء كبير من عملنا يرتكز على الأمن الوقائي، فما معنى أن نقول للناس مَن وضع التفجير بعد حصوله وبعد سقوط الدم. نحن لا نستثمر على دم الناس ولا على أمنهم.   في ما يتعلّق بخليّة الناعمة والسيارة المفخخة التي عُثر عليها هناك، رفضنا منذ البداية تظهير عملنا الأمني الذي أوصلنا الى اكتشافها، لكن بعض أجهزة الدولة طلب منا ذلك نظراً إلى حجم السيارة وخطورة الحدث. لكنني شخصياً ضدّ تظهير العمل الأمني إلى الرأي العام، لأنّ لذلك سلبيّات كثيرة يمكن أن تُشكّل غطاء للمجرمين وتحول دون إحباط أي عمل آخر، وبالتالي ليس من مصلحتنا كشف طريقتنا في العمل على الأرض.   • كيف تصف الوضع الأمني في لبنان؟   - للأسف، يمرّ لبنان بمرحلة خطيرة، واستهداف لبنان قائم. وبكلّ صراحة، الخطر لا يزال موجوداً، وواجبنا بَذل كل الجهد للتصدّي له، لكن قياساً بما يجري حولنا، لا نزال أفضل حالاً. وأؤكّد أنّه على رغم المحاولات الهادفة إلى جرّ البلد نحو الفتنة، فإنّ لبنان لن ينزلق إلى حرب أهلية. وعلى رغم ما يجري حولنا وعلى ساحتنا، فإنّ الدولة لا تزال متماسكة وأجهزتها متماسكة وقادرة على مواجهة المخاطر.   المؤشّر الجيّد أنّ الجيل الصاعد هو جيل مثقّف ومنفتح، لا يؤمن بالطائفية والمذهبية، والجيل القديم لديه تجربة بالكاد خرج منها. ومن خلال اتصالاتنا مع الأفرقاء في الداخل وطبيعة عملنا، نؤكّد أنّ أياً من الأفرقاء لا يريد الذهاب إلى حرب أهلية. فالجميع مقتنع بأنّ القوّة في لبنان لا تفرض شيئاً. وأنا مقتنع شخصياً بأنّ عصر القوّة ذهَب ولن يعود. الإرادات الآن هي نتاج حوارات وتواصل، لا إرادات قوّة وقمع، ونحن في عصر التفاهمات والحوارات والتواصل.   • ماذا عن الأمن العام والأمن السياسي؟   - ينصّ القانون على أنّ الأمن العام يجمَع المعلومات السياسية ويقدّمها إلى السياسيّين لتسهيل اتخاذ القرار، وهذا ما نقوم به راهناً مع المسؤولين. نوضح الصورة السياسية أو المناخ السياسي، ونوصل المعلومة إلى السلطة السياسية تسهيلاً لاتخاذ القرار، لكنَّنا لم ولن نسمح بالتدخّل السياسي في عملنا. وحتى في ملف شادي المولوي، حيث فهِم البعض أنّ السياسة تدخّلت في عملنا لإطلاقه، فهذا الأمر غير صحيح.   السياسة تدخَّلت في القضاء الذي أحلنا إليه ملف المولوي بعد إنهاء التحقيق معه، ونحن لم نحد ميلاً واحداً عن توجّهنا في العمل الأمني، ورأينا آنذاك أنّ تداعيات هذا الملف كبيرة وستنعكس على البلاد، وتبيَّن لاحقاً أننا كنا على حق، وأنّ الموضوع عولج بطريقة خاطئة.   • طبول الحرب تقرع في المنطقة، ماذا عن لبنان؟ وهل هناك احتمال لعدوان إسرائيلي علينا؟   - المنطقة تمرّ بفترة عصيبة وعسيرة. ففي الاجتماع الوزاري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي في بعبدا، درَسنا تداعيات الضربة العسكرية المحتملة على سوريا، واتخذنا بعض التدابير لمواجهة الأسوأ وخصوصاً موجات النزوح عبر المعابر الحدودية.   أمّا على المستوى السياسي الداخلي، فأجرَينا سلسلة اتصالات مع كلّ الأفرقاء السياسيّين في لبنان، وتوصَّلنا إلى نتائج مطمئنة بما يعني حفظ الاستقرار الداخلي.أستبعد أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان، لأنّ حرب العام 2006 شكّلت درساً لإسرائيل التي تعلم أننا على جهوزية كاملة للتصدّي لأيّ عدوان.   • ماذا عن ملف اللاجئين السوريين والعبء الكبير الذي يتكبّده لبنان؟   - لدينا ورشة عمل بالتعاون والتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومع منظمة "UNHCR"، ونتابع الملف بشقَّيه الأمني والسياسي. لقد فاق عدد النازحين في الفترة السابقة المليون نازح، لكنّ العدد تراجع الآن، نتيجة التدابير المتّخذة لجهة حركة الدخول من سوريا. وقد أنشأ وزير الداخلية مروان شربل خليّة عمل بتوصية من المجلس الأعلى للدفاع لمتابعة ملف النازحين، والخليّة تقوم بعملها على أكمل وجه.   من جهتنا، تبقى عيوننا ساهرة، ونأخذ في الحسبان إمكان حصول تجاوزات تحت ستار النازحين، ونتَّخذ كلّ الإجراءات اللازمة التي تساعد على إمساك الحدود إلى حدٍّ كبير.   • هل تنظيم "القاعدة" موجود في لبنان؟   - "القاعدة" هي مناخ وفكر، أكثر منها كتنظيم. فالتنظيم لم يعد موجوداً في كلّ دول العالم. أمّا الفكر فموجود، والتشدّد لا هويّة له. لكن، أطمئن إلى أنّ شبكة علاقاتنا الإقليمية والدوليّة تساعدنا على العمل للحدّ من دخول هؤلاء الأشخاص إلى لبنان، وخصوصاً لجهة التعاون وتبادل المعلومات لما فيه مصلحة لبنان.   • ماذا عن ملف المخطوفين اللبنانيين في أعزاز والطيّارَين التركيَّين المخطوفين في لبنان؟   - أؤكّد أنّ هذا الملف سيصل إلى خواتيمه، واللبنانيون المخطوفون في خير إنما مسار العمل على تحريرهم بطيء. فهم ليسوا على الأراضي التركية، ونعوّل على "المونة" التركية على الجهة الخاطفة. لكن في الوقت نفسه، لا يجب أن نُحمّل الأتراك أكثر ممّا يتحمّلونه.   فالتواصل مع الجهة الخاطفة صعب ونُفضّل الإبقاء على تواصلنا مع الدولة التركية، أي التواصل من دولة إلى دولة. وأنا أكشف للمرّة الأولى أنّ ملف المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي يدخل في عملية التفاوض مع الأتراك ومع الجانب السوري.   • ماذا عن ملاحقة الشبكات الإرهابية؟   - نتقدّم على مسار ملاحقة الخلايا الإرهابية، لكنّ الوضع الأمني في لبنان لا يزال مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، والاغتيالات جزء من المخاطر الأمنية التي نتوقّعها. الجميع مستهدف لأنّ اغتيال أيّ شخصية اليوم سيساعد على ضرب الاستقرار، وسيعطي المردود المطلوب للجهة التي تقوم بهذه الأعمال. وحتى الآن، لم يصل التحقيق إلى الربط بين تفجيرَي الضاحية الجنوبية وطرابلس.   وأستبعد أن تُفبرك الأجهزة الأمنية المعلومات، إنما يمكن أن تصل إليها معلومات خاطئة، وفي المفهوم الأمني، مهما كانت المعلومة سخيفة لا يمكن إغفالها أو إهمالها. والجهاز الذي قصَدته دار الفتوى في بيانها، هو جهاز أمن الدولة، لكن حتى الآن لم تُثبت التحقيقات تورّط الأشخاص الثلاثة الموقوفين على خلفية تفجيرَي طرابلس.   • أيّ كلمة توجّه إلى جهاز الأمن العام واللبنانيين؟   - أعِد الضباط والعناصر، بأنّنا سنُسلّم مديرية للأمن العام يفخر بها الشعب اللبناني، وتكون على قدر تطلّعاته.   وأعِد المواطن بأنّنا وخلال أسبوع، سنوفّر له دائرة أمنيّة خدماتية تُعتبر الخطوة الأولى من نوعها داخل مديرية الأمن العام، وهي Call center المرتبط بالشقّين الخدماتي والأمني، ويتميَّز بالسرعة وخدمة 24/24. المركز أصبح جاهزاً لناحية المستلزمات والكادر البشري وسيُطلق قريباً.