سُئِلَ بهلول : أيهما أفضل المسير خلف الجنازة أم المسير أمامها ؟ فقال : لا تكن في النعش وسرّ حيث تشاء....لقد سُئِلَ بهلول سؤالاً فقهياً وهي مسألة من طراز المسائل التي إنشغل بها الفقهاء والفقه الإسلامي عن كثير من القضايا في الحياة التي هي من صميم العيش والإهتمام بالحيِّ قبل الميِّت  - كما يُشاع عند الناس الحيُّ قبل الميِّت – وهذا ما أراد أن يجيب عنه بهلول الفقيه هو البحث في هذه المسألة عن الموت والميِّت الذي علَّم الناس أن يركضوا وراء مزاعمه لإحراز الحسنات في الحياة الأخرى ، حتى نسوا حق المواطن الحي في الحياة..ولهذا فإننا نواجه مشكلة ثقافية في الصميم وهي ثقافة البُعد عن الحياة التي قد تُسبِّب بعزل الدِّين عن الدنيا وتُطلق يد السياسيين والدينيين في تبرير المخالفة تبريراً فقهياً يؤدِّي أنَّ الحياة ليست نهاية المطاف وأنَّ المواطن الذي خسر حقَّه في الحياة من قِبَل الطبقات الحاكمة الحزبية والسياسية والدينية فإنَّ الله تعالى يُعوِّض عليه ما خسره في حياة أخرى ، وهذا تفسير له شائبة إسلامية تحت قاعدة  (العِوض والتعويض ) وتمسَّكت به تلك الطبقة الحاكمة..فمن هنا نرى أنَّ الإسلام لا يُعوِّض الإنسان ما خسره في الحياة بل يحاسبه لما زرع وحصد وما قدَّمت يداه ولأنَّ الإسلام لا يضمن لمن يتبعه الحياة السعيدة في الجنَّة لقول الله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرَّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرَّة شرَّاً يره ) بغض النظر عن لونه ومعتقده ، ولهذا كانت فكرة وثقافة الحياة بعد الموت سلاحاً في يد المؤسَّسات الدينية تتمسَّك به للدفاع عن حقها ونصيبها في السلطة والحكم والإدارة تحت عنوان بأنها سلطة دينية لا سلطة دنيوية..فهذه الفكرة تجعل المواطن ليس مسؤولاً عن حياته ومصيره بل تتقرَّر حياته ومصيره من حين مولده إلى حين مماته ، فهذه الثقافة تمتدّ إلى أعماق نفوسنا وبين الحين والآخر نعيشها ثقافة عارمة وتمتدّ لتأكل وتحرث الأخضر واليابس بأمل وغدٍ جديد ومستقبل أفضل ، ولهذا السبب نتحرِّك في نقد هذه الثقافة ونقد أوضاعنا السياسية والإجتماعية ، ولكننا نعيش من جهة أخرى حالة من التسليم والإنقياد الأعمى إلى الإستبداد ضد النقد والحرية عندما تصبح منافعنا ومصالحنا في خطر ، فإنها ثقافة حاكمة في أوساطنا ومجتمعاتنا تجعلنا لا نتهتم بتلوُّث البيئة والمجتمع ولا بإحترام القانون وحفظ النظام بقدر ما نهتم إذا رأينا كسرة خبزٍ في الطريق فنقوم برفعها وتقبيلها ولا نهتم إذا رأينا قُمامة في الطريق أو عندما نقوم بزيارة حسينية تقابلها جهة المراقد الشريفة ترانا لا ندير ظهورنا إلى هذه الجهة بل ترانا نسير إلى الخلف..فهذه الأمور تجعلنا نهتم بها أكثر من إهتمامنا بالحياة وبقضايانا الدنيوية مع العلم بأنها من صميم الدِّين وحالها حال الأعمال الصالحة لبناء حياة كريمة كما أشار إلى هذه الحقيقة الإمام الصادق (ع) " لا تنظروا إلى كثرة ركوع الرجل وطول سجوده بل إلى أمانته وصدقه بالتعامل " فعندما نفقه الحياة يمكننا أن نفقه الموت فكيف لنا أن نفقه الموت ونحن لم نفقه الحياة بعد..