في ليلة من ليالي رمضان المبارك جاءني صديق بعد أن أنهى موسم الإرشاد والتبليغ الديني في إحدى الدول الغربية لإخواننا المهاجرين الساكنين في تلك المناطق ، وأخذ يحدثني عن بعض الأمور في المجتمع الغربي..فقال : حدثت قصة أمامي مع شخص مسلم كان يحضر مجالس العزاء ويبكي وتبتلُّ لحيته بالدموع ويُعفِّر جبينه بالأرض من خشية الله لكسب الأجر والثواب والتقرب إلى الله تعالى.. ذهبت معه لشراء كرسيٍّ حديث للمُعوقين قد أعلن صاحبه الغربي عن بيعه بنصف ثمنه ، وعندما وصلنا المكان فقال المسلم أريد شراء هذه الكرسي لأنَّ لي شقيقة مُعوقة ،  أسمع الحوار بينهما وأعلم أنَّ صاحبي المسلم ليس لديه شقيقة ذات إعاقة.. أصدقاً شقيقتك مُعوقة!  إيه والله ،  خذها ولا أريد ثمنها... انتهت القصة ، هالني فعل هذا الرجل الغربي وصدَّق كلام المسلم.. وأنت ما رأيك أليس هذا من صميم الأخلاق والدين ؟ إنتفض صديقي المُبلِّغ الدِّيني وأخذ يحدثني عن سلبيات المجتمع الغربي وإنعدام الأمن هناك وأنهم يعيشون في حالةٍ من إنعدام العواطف والتكالب على الدنيا وأنَّ الصداقة هناك معدومة إلاَّ مع الكلاب. وكان يحدِّثني بلهجة ثورية وأسلوبٍ حماسي وجهادي وكأنه يخطب في الحسينية القُميَّة ، والحوزة النجفية..وعندما إنتهى من مواعظه فقلتُ له مهلاً يا صديقي أنت وأنا أعلم من غيرنا بحسنات الثقافة الغربية ونعلم سوءات مجتمعاتنا المتخلِّفة، فلماذا نطمس هذه الحضارة والتعتيم على هذه الإيجابيات من قبيل الإهتمام بالنظافة، والأخلاق الإنسانية، والصدق وحقوق الإنسان، والحرية الدينية ،والحرية السياسية ،ومن أهمها هو ذهابك أنت إلى تلك الدول وممارستك التيليغ الديني والوعظ ضد ثقافتهم ودينهم وتمارسها بكل حرية وتحت حمايتهم..قل لي يا صديقي هل نحن نسمح في المقابل أن يأتي قِسِّيس غربي إلى بلادنا ومجتمعاتنا لممارسة التبليغ لدينه ومعتقده ؟ فهل الدين هو أن نؤمن بحفنة من المفاهيم والتصورات التي تدور في مدار الذهن، ولا تتجسَّد في أرض الواقع العملي للإنسان على شكل أخلاق وصدق وحسن معاملة. ألم نقرأ قوله تعالى في القرآن الكريم (وأن ليس للإنسان إلاَّ ما سعى) ولهذا يا صديقي نؤمن بأنَّ الدين هو العدل ونؤمن بالإمام علي (ع) لا لأنه زوج الزهراء (ع) وابن عمِّ الرسول (ص) بل لأنه سار في خط الحق والعدل..فإذا تحرَّكنا في هذا المعنى على مستوى الأخلاق والمسؤولية ونكران الذات والعشق للفضيلة والحب للآخر فنحن من أتباع العدل وإلاَّ نكون أبعد عن هذا حتى ولو بكينا صباحاً ومساءاً وابتلَّت اللحى دموعاً على الحسين (ع)..يا صديقي فالإنسان إذا سار في خط العدالة والفضيلة وإبتعد عن الشَّر والرذيلة كان من أهل الأخلاق حتى ولو إختلف معنا في العقيدة وأحكام الشريعة...