"الراقصون على الدم" هذه هي العبارة الوحيدة التي يمكن أن تعبر أو تصف محطات التلفزة اللبنانية وضيوفها من السياسيين خلال الأحداث الدموية التي تحصل على الساحة اللبنانية .
فورا تسارع المحطات هذه عند أي حدث إلى إظهار الوجه البشع للحادثة وتتغاضى عن قصد أو عن غير قصد عن تهدئة النفوس ,وتضرم النار أكثر فأكثر على الحدث فيصبح دورها إظهار الوجه البشع للمأساة من جهة واستضافة مجموعة من السياسيين من الذين يبهرهم الظهور الإعلامي من جهة ثانية فتبدأ على الشاشة مهزلة التحريض السياسي والطائفي والمذهبي ويرقص الضيف والمضيف معا على وقع المأساة والدم فيحيون الحفلة ويتمتعون بإصدار المواقف السياسية اللامسؤولة والتي من شأنها إثارة الرأي العام باتجاه الفتنة والتحريض والقتل .
إن ما حصل أمس على الشاشات اللبنانية منذ اللحظة الأولى لجريمة التفجيرين في طرابلس وما حصل قبلها من تغطية لوقائع مشابهة يدل على أن محطات التلفزة اللبنانية باتت بدون استثناء من أخطر أبواق الفتنة والتحريض على الرأي العام والمجتمع اللبناني وإن استضافة هذه المجموعات من السياسيين وممن يسمون أنفسهم بالدعاة ورجال الدين الشتّامين والمحرضين وفي هذه الأوقات الحرجة التي يعيشها الوطن من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التأزم السياسي والطائفي والمذهبي .
إن أصول المهنة تقتضي الإبتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي الى التحريض السياسي والطائفي والمذهبي وإن لجوء محطات التلفزة اللبنانية إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية واللعب على أنقاض الحدث الدموي بطريقة مسيئة إلى الشعب والوطن تستدعي تدخل القانون والمجلس الوطني للإعلام للحد من هذه الظاهرة المسيئة للشهداء والجرحى وعموم الشعب اللبناني .
إن تغطية الاحداث أيا كان نوعها تقوم على مبدأ الصدق والوعي والمسؤولية خصوصا في هذه الظروف التي يمر بها البلد ,وإن اختيار الضيف السياسي أيضا يجب أن يتناسب وحجم الحدث عندما يقتضي الحدث تهدئة النفوس والارتفاع الى مستوى المسؤولية الدينية والوطنية .
إن ما حصل بالأمس على شاشات التلفزة اللبنانية لم يكن تغطية لحدث معين بل كان كله تحريضا وكذبا ولم يخرج المشاهدون منه بأي فائدة سوى الإستماع إلى الشتائم والتهديدات التي لا مبرر لها في هذه الظروف التي يمر بها البلد .
إن على المحطات التلفزيونية الإرتفاع إلى مستوى المسؤولية تجاه الإنسان والوطن وأن لا تكون مجرد أداة لنقل الصورة البشعة لأي حدث ,وإن من واجب هذه المحطات في هذه الظروف بالذات تهدئة النفوس وتهدئة البلاد والعباد واعتبار المصلحة الوطنية العليا هي الأساس .