فاطمة بعلبكي ولدت من رحم الفن والنضال الوالدة من المبدعات في فنون الرسم التشكيلي والوالد عسكري عشق النضال والمقاومة ونشأت على حياكة الحرف واللغة فكتبت في الشعر أجمله وعايشت قضاياها قضايا الوطن والأمة فجاءات قصائدها مليئة بالمقاومة و العنفوان ,كما عاشت الحب فكتبت في العشق أجل الكلمات .
فطمة بعلبكي بدأت في عمر المراهقة فخطت أحاسيسها على الورق وكبرت قصائدها شيئا فشيئا وباتت اليوم أكثر ابداعا وجمالا .
فاطمة بعلبكي وهذا الحوار

 في البداية نريد أن نتعرف اكثر على شاعرتنا الكاتبة فاطمة بعلبكي

من اسرة اجتمع فيها الفن والنضال كانت ولادة فاطمة بعلبكي عام 1984 في بيئة حاضنة للاحاسيس والعنفوان ...
فانا الابنة الثانية لرجل عسكري عاشق للمقاومة و امرأة مبدعة في فنون الرسم التشكيلي .. 
تربيت في كنفهما وتلقيت مع جرعات الغذاء جرعات القيم باساليب لا تخلو من فن وذوق وعنفوان و انا اعتقد ان سيرتي شأنها قد يكون كأي امرأة اخرى قد تصادفها يوميا ولكنها قد لا تجيد حياكة الحرف في التعبير عن مشاعرها و مكنوناتها عبر الكتابة مثلا .. 
اذن انا امرأة ولدت كي تعيش و تحيا و من ثم تموت .. و لكن حلمي ان تبقى حروفي نابضة حتى بعد ان يغطي التراب 
جسدي يوما ما .. 
لاعرف عن نفسي اقول : 
" انا شجرة الزيتون 
غصني اخضر الحنان 
وجذوري اساس العنفوان 
امي شجرة الصنوبر 
و ابي اصالة السنديان 
اني خير ثمرة من خير شجرة 
تجلل قدرها في كتب السماوات 
و على مر الزمان 
و كيف لا .. و منك يا امي 
انجت صلاتي و صيامي 
و معك عرفت رب الكون 
و في حضنك انت 
عشقت ترتيل القرآن .... "


كيف بدأت شاعرتنا الكريمة رحلتها الى عالم القصيدة والقصة ومتى اشتعل القلم بلهيب الروح ؟

رحلتي مع الشعر انطلقت من محطة الاحاسيس في عمر المراهقة حيث يقودنا التمرد على الواقع في اغلب الاحيان و تسوقنا ثورة اثبات الوجود .. حينها استفزتني الغيرة من اختي التي حظيت بوراثة موهبة الرسم من امي التي كانت تكتب الشعر ايضا .. فأقنعتني نفسي حينها ان الشعر من حقي الوراثي من امي اذن .. فأنا اعتبرت ان الله قسم بيننا ما من عليه من مواهب لامي بالعدل .. لها الرسم و لي القصيدة ..
اما لاشتعال القلم بلهيب الروح كان حين غمست يراعي بجراحات القلب البريئة لعلني استمد منه مدادا لحروفي وكانت انطلاقة جميلة دافعها الاحساس و غذاؤها الاحتكاك بمن نهوى ..


يقولون وراء كل شاعر مجموعة من الشعراء من هم الشعراء الذين تتأثر بهم الشاعرة فاطمة بعلبكي.

انا اقرأ الشعر بلغات متعددة فقد درست اللغة الانكليزية في المدرسة كلغة اساسية ثانية و عشقتها و انا اعمل كمعلمة انكليزية لتلامذة الصفوف الابتدائية .. و تعلمت اللغة السويدية في جامعة شعبية في السويد بعد حصولي على الاقامة السويدية هناك .. و تعلمت اللغة الفرنسية و احكيها بطلاقة في الشارع الافريقي و اتواصل بها معهم بحكم اقامتي في افريقيا .. لذا فاني اقرأ اللغات الثلاث هذه بالاضافة الى العربية طبعا .. اي اني اقرأ كل ما يشدني من تعابير و اساليب شعرية نثرية او قصص قصيرة بعيدا عن حالة التأثر العميقة جدا ... ولكن لنزار قباني كونه شاعر المرأة طعم آخر قد يكون سره انه أتقن ترجمة الانوثة نوعا ما او انه استطاع أن يفك طلاسم المرأة المعقدة السهلة ولو كذبا .. و لا انكر ان درويش شاعر رائع ايضا في اسلوبه و حرفه .. فكلاهما الشاعران اقصد قد خرجا من سجن القافية و تحررا منها و ابدعا في الصور و التعبير ..

 ما هي الروافد التي صنعت تجربتك الشعرية ؟ 
الروافد التي استقيت منها اشعاري ما كانت بعيدة عن الحس أو الحلم والواقع والبيئة التي اعيش.


فاطمة بعلبكي الناقدة ماذا تقول لنفسها ؟ 
أنا ناقدة قاسية لنفسي .. ولا يعجبني حالي او حرفي دوما حيث لدي هاجس دائم وهو أنني لست ابدع كثيرا و لا زال ينقصني الكثير الكثير من المعرفة للوصول الى الابداع حتى ولو كان رأي المحيطين بي إيجابيا و يعجبهم كل ما اكتب إلا أنني أظل في حالة من عدم الرضا ..


برأيك الشعر رسالة أم هواية ؟وما هي رسالة الشعر والشاعر بنظرك؟
الشعر بالنسبة لي هواية وطريقة تعبير عن ما يدور في الخاطر ... و لكن على هوايتي هذه ان تكون هادفة و راقية و مفيدة لي و لمجتمعي ..


ماذا عن كتاباتكم في الحب هل هي من عالم الخيال ام هي قصص واقعية ؟
الشعر بالنسبة لي هو مشاعري المختلفة من حزن و فرح و هموم و آهات و احلام و خيالات و واقع و افكار و كل حالاتي التي تحاكي وجداني .. فانا اتلذذ بكل حالاتي بعد ان اكتبها شعرا و ارسمها حرفا .. ففيها من الصدق و الحقيقة الكثير .. اراني بين السطور اسرح و امشي و ابكي و اشكي و اضحك و الهو و اغضب و انسى ... 
فأنا في لحظة الكتابة، اكون في حالةٍ وسطى بين الواقع والخيال... قد أستمد من الواقع مادةً لخيالاتي أو من خيالي مادة تقربتي من الواقع ...

تعددت لغة الشعر في واقعنا الحالي وثمة ما يشبه الصراع بين القديم والحديث لأي شعر تنتصر فاطمة بعلبكي ؟

مع كل احترامي للشعر القديم بكل اصالته ولكني عاشقة للشعر الحديث .. لاني اكره و ارفض ان اكون اسيرة للقوافي .. يريحني ان اطلق العنان لحرفي المتواضع الصغير .. 

هل يصل الشاعر إلى ما يريد ؟ هل وصلت شاعرتنا الى ما تريد؟ 
بالنسبة لي كل ما اريده هو ان اصل بحروفي الصادقة المتواضعة الى قلوب الناس اجمعين من عمال او سلاطين .. و من كبار او مراهقين .. فمثلا حين يغضب الرجل القارئ من حرف ازعج ذكوريته فمعناه اني دخلت احاسيسه اي اني جعلته يشعر بالمرأة و هذا ما اريد و كذلك الامر حين تشكرني احداهن لحرف لامس جرحا عايشته مثلي او غزلا ما في احدى قصائدي جعلها تبتسم او حتى اخرى انتفضت غيرتها الانثوية من كلام ما فهذا كله بالنسبة لي اني استطعت عبور احاسيسهم .. هذا كله يكفيني و يفرحني و يرضيني .. 

برأيك هل تستطيع المرأة ان تضاهي الرجل في الكتابة في الشعر في العمل ؟ 
اعتقد ان المرأة العربية الكاتبة تعاني صعوبات جمة وتأثيرات اجتماعية وأدبية ونفسية من خلال النظرة الضيقة لدورها من قبل الرجل في مجتمعنا العربي .. 

هل لنا أن نتعرف إلى مجموعة من قصائدكم ؟ ( نماذج عن كتاباتكم )
استطيع ان اقول ان كل قصيدة هي بمثابة روح او وليد لي .. فلو قدر لي ان اقرأ على مسامعكم كل حرف من حلروفي ما تهاونت ولكني سأختار اول قصيدة كانت على المنبر و مذاك الحين و انا و المنبر في اشتياق وحنين دائم .. القصيدة او المقطوعة ( اتوجه بها الى رجل اغضب حبيبته ) تحت عنوان " اجمع كيدك " و فيها اقول :

" جعلتك تجثو على ركبتيك دهشةً 
لتشقى أبداً ما حييت 
قمت تتوسل العيش بأنفاسٍ قصيرةٍ 
وأنا في يدي قبس حياتك تشتعل 
ثم تردى
... فإني أتوكأ بعصا الرحمان 
وأهش بها أوراق الشجر 
لاجعل منها ظلالاً تحميني 
فإجمع كيدك 
تراه جذاذاً ينتشر حولك 
إحذر أن تصيبك شرارة منك 
فتجرح لغو أحاسيسك 
تمعن هناك 
أرأيت ؟؟
اني أمهد لك فراش الصبي 
علني أحسن تربيتك مجدداً 
فما خطبك لا تنام 
تطيل السهر ليهوى نعاسك هالكاً 
لا تمد عينيك آناء الليل فتتعب 
فليلاً لا يسرح النظر بعيداً 
وحراس الليل يسكنون السماء 
وأنت تحرث الغم في خبائث أفعالك 
وأنا أحصن وسادتي من عاصفة بأسك 
أعدك أن لن أغوص فيك مجدداً يا ذا التيه والدوران 
إسمع حسيس نيراني 
وابقى منتظراً إلى حين " ...

و في قصيدة اخرى تحت عنوان " طائر الرماد " اقول :

" أنا قيثارة الوجع دون هواك 
مقطوعة أوتار ضحكاتي 
منسية حكاياتي ... 
وكأني ما كنت يوماً 
وصوت الريح يسحق هدوئي 
ومشواري وأشعاري صارت عبئا على الضباب 
ورحت وحدي أطير كحمامة بيضاء 
فوق قبب الجوامع 
أهرب و أضيع وأنت لا تعارض ولا تمانع 
أنا قنديل الحزن ..في عتم المساءات 
وإسمي على حائط النسيان 
معلق تحت مفتاح الحرمان 
وهم أوصدوا الذكريات على وجعي 
وما تركوا غير طريق الوديان الموحشة 
واعلنوا علي العصيان 
و كأني لم أكن 
ربما صدأت اذانهم من صوتي 
ما عرفوا أني أخلد في دنياهم 
شعراً 
وفردوسا 
لم أنتمي يوما إليهم 
ما كنت يوما من هناك 
لا من ماضيهم 
ولا من سمائهم 
لم أعرف كيف جئت إلى ارضهم 
أنا التي رافقتني المزن 
فأغدقت على زرعهم بأمطاري 
فكل امطاري نيسان 
وكل ما فيها حياة انسان 
عار علي أن أبقي جذوري في عيونهم 
سأجثت ذاكرتي ...واجفف دمع السنين
بشمس الأمل ...
وهو ليبقى كالقط المفترس
يجوع فيأكل ابناءه 
وليترك النور يغادر ظله 
كما دوماً كان 
وأنا ابقى زهرة البيلسان 
ما أجملني حين يغيب سواده عني 
اتركوه كما هو 
بين أبواب النسيان 
جسدا دون انسان 
يحترق جالساً 
ما عدت أراه خلف الدخان 
لم انتظره يوما 
وما شعرت أنه ملأ المكان 
ما هو إلا زبد البحر 
يطفو على سطح وجودي 
يشعرني بالغثيان 
يتوهم أن كبريائه ملك الضباع 
و ما هو إلا
ضاحك على عمره الذي ضاع 
أنا لست فرعا من فروعه 
ولا غصنا ولا ثمرة ...
وهكذا يكون عنفوان الاغصان
ستقرع أجراس الوحدة 
في كنائسه المهجورة 
وسيحترق ندماً 
كما حرق براءتي 
يوم مزق ريشي الناعم 
وذبح في داخلي كل عصفورة 
كان يود كسر الطيران في تحليقي 
ما عرف أني حين ارتطمت بقهره 
مت لأحيا مجددا .. وانتفضت كطائر من رماد ...
أطير وأحلق بكبرياء
لأصبح في عالم الطيور 
ملكة النسور " .....

و في قصيدة اخرى من نوع آخر ( اتوجه بها الى بعض الحكام العرب ) اقول :

" متى يستقيل إبليسكم ..
ويعتصم بالهدى معصمكم .. 
يا من تكتسون بثوب عيوبكم الرثة .. 
لعنتم !! 
يا من تتلونون بنار شياطينكم الملوثة .. 
...سحقتم !! 
فلتحترقوا بلهب إبليس .. 
وانصهروا في خمول فجره .. 
لا تستيقظوا .. 
ولن تفعلوا !! 
فها هو قد مسح على رؤوسكم .. 
جنوداً بتم .. 
أربعين عاماً أتممتم .. 
بالاصالة جنودك يا إبليس .. 
يحملون حجارة رمادك في كل كيس .. 
ثم يندمون .. لأنهم ما أكلوا عروق التفاح .. 
ويتحسرون .. لأنهم ما شربوا كؤوس الصلاح .. 
طبعاً هم يكذبون !! 
وأنتم تعلمون .. 
أرأيتم ؟! إبليسكم استنفر .. وقال .. 
هذا محال !! 
ما عدت أنفع ملكاً يتربع على عروشكم .. 
فهل تقبلون بي يا صهاينة العصر ..
تلميذاً مبتدئاً ؟
احفظ دروساً من كتاب وسوساتكم ..
وأهجأ حروفاً في دفاتر عمالتكم ..
فإبليس جهنم ما عاد لنيرانه وهج .. 
قد انطفأت ..
بعد أن أبصر النيران في جهالتكم ..
وقد عجزت !!
فيا أشباه الرجال .. 
إبليس جهنم إستقال .. 
ثم قال .. 
فكوا قيودي من الاحتلال !!!!! "

و مثلا للرجل العامل اقول :

" على جبينك اللجين ازرع قبلتين .. 
وعلى كفيّك الطاهرين .. 
انحني مرتين .. 
مرة لفرح رأيته فيك .. رغم الجروح .. 
ومرة لعناد الإصرار في صوتك المبحوح ... 
...وها هو الصمت قد شدني 
وامام ملكوت صبرك وقع جهدك قطرتين .. 
من جلدك تتفجر ينابيع الخير .. 

اعداد وحوار كاظم عكر