سنظلُّ على إلحاحنا بالسؤال التالي: لماذا لا يُجدِّد المشروع القومي نفسه ،ويتخلّص من سلبياته، ويؤسِّس أحلاماً حقيقية عن التقدم،  المبني على الحرية والعدل، والوحدة التي تقوم على الحوار لا الإلزام، والمستقبل الذي يُحقّقه الإبداع لا الإتّباع،  فاذا كانت الرأسمالية قد جدّدت نفسها بعد الحرب الباردة، والاشتراكية أعادت صياغة أنساقها، فما بالنا نمشي القُهقرى، خطوة حيِيّة إلى الامام، وخطوتان وقحتان إلى الوراء.

حتى العصر الليبرالي العربي الذي كان واعداً بين عامي 1850و 1940، وكان يُبشّر بالخير، أُصيب بأعطابٍ خطيرة. فبدلاً من التقدُّم في مجالات الحرية والتنوير، إذ به ينتكس على عقبيه في العديد من المجتمعات العربية والاسلامية، نذكر منها حالة مصر وتركيا وإيران، وبدل أن نتخلّص من الجوانب الإستلابية للعامل الديني. وتنتقل دولة الاستقلال التي عرفها العالم العربي في أكثر من قُطر، إلى دولة الاشتراكية"العلمية"، فوجئنا باندلاع الحركات الأصولية، وهذه الرِدّة"الثورية"، يطبعها الرّعبُ والعنف والارهاب.

التي استهلكت من حيويته ومستقبله أكثر من نصف قرن، والجماعات الاصولية التي تحاول أن تفرض مشروعية سياسية وقانونية وأخلاقية، وفقهية عتيقة، لم تخضع لأية مراجعة نقدية، منذ كتاب"السياسة الشرعية" لإبن تيمية(رائد الفكر الاصولي هذه الايام)، أو"مقاصد الشريعة" للشاطبي، أو حتى كتاب"بداية المجتهِد" لإبن رُشد. في حين يسود شللٌ شبه تامٍّ في أوساط المفكرين الليبراليين والمُجدّدين،هذا إن وُجدوا. وإن بحثتَ عنهم، فستجدهم في مراكز أبحاثٍ وتدريسٍ خارج الوطن العربي،لذلك يبقى تأثيرهم محدوداً، وفاعليتهم قاصرة.