بعد مفاوضات طويلة وشبه سرية بين ايران والسعودية في العاصمة العراقية بغداد وبرعاية رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي شهدت العاصمة الصينية بيجين توافقات تاريخيا بين البلدين يبشر بطي صفحة الماضي الأليم وفتح صفحة جديدة سمتها السلم والأمان للمنطقة.


كشف مصطفى الكاظمي خلال مقابلته مع جريدة الشرق الاوسط السعودية تفاصيل المفاوضات التي تمت برعايته بين البلدين في العراق بطبيعة الحال شكلت تلك المفاوضات مقدمة ضرورية للتوافق الذي حصل في الصين ولكن يمكن القول بان برهان الصين كان أقوى لدى الطرفين من رهان العراق حيث أن الصين وبفضل موقعها الاقتصادي والاستراتيجي المتميز وعديم النظير في العالم تمكنت من فرض إرادتها على الطرفين واجلاسهما على طاولة واحدة امام الكاميرات واملاء التوافق.


يكفينا ان نلقي نظرة عابرة للدبلوماسية الصينية لنعرف مدى ذكاءها ودقتها في حياكة هذه الخارطة الحريرية.


قبل عامين تم توقيع الاتفاقية الاستراتيجية (25عاما) بين ايران والصين من شأنها ان تجعل ايران حليفة او شريكة للصين خاصة فيما يتعلق بمشروع الصين العظيم لإحياء طريق الحرير. وبالرغم من ان تلك الاتفاقية هي اتفاقية اقتصادية وستراتيجية الا ان ايران كانت كالمراة المعقدة لديها خيالاتها ومن تلك الخيالات آنها ستحتل موقع الحليفة رقم واحد للصين في الشرق الأوسط تستغني معها الصين من المملكة العربية السعودية وبل اكثر من هذا سوف تكون ايران في المحور العالمي الجديد لمقاومة الغرب وهيمنته الامبريالية وما إلى ذلك. واستغلت ايران موضوع زيارة نانسي بلوسي رئيسة الكونجرس الأمريكي لتايوان مناسبة لابراز وفاءها للصين والتحبب اليها من خلال إدانة تلك الزيارة واعتبارها إساءة لسيادة الصين وان تلك الريارة تمثل الغطرسة الامبريالية للولايات المتحدة وبالرغم من ذلك وجدت ايران ان الصين لا رغبة لديها بتغليب اللغة الايديولوجية السياسية على المصالح الاقتصادية. تبين هذا الموضوع خلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للرياض وحفاوة الاستقبال والعقود (70 ميليارية) التي تم توقيعها بين الطرفين.


لقن الرئيس الصيني شي جي بينغ خلال هذه الزيارة وما اعقبتها من زيارة رؤساء دول الخليج درسا مهما للجمهورية الإسلامية وهو انها لا تريد مواجهة الولايات المتحدة وان عهد الشعارات الايديولوجية والمجابهات بين المعسكرات قد انتهى وان التنمية الاقتصادية بحاجة إلى الأمن والاستقرار للجميع والا سيخسر الجميع.


أثارت زيارة شي جي بينغ للرياض سخط الإيرانيين خاصة عند ما خرج اجتماعه برؤساء مجلس تعاون دول الخليج ببيان طالب بالتفاوض بين ايران ودولة الإمارات على موضوع الجزر الثلاث فحينها شعرت ايران بدق ناقوس الخطر ولكن الرئيس شي حاول التدارك حيث ارسل وزير خارجيته إلى طهران بعد يومين من ذاك الاجتماع لطمانة ايران من المضي في الاتفاقية معها وان علاقاتها مع دول الخليج ليست على حسابها وإضافة إلى ذلك دعى نظيره الايراني ابراهيم رئيسي لزيارة بيجين وفعلا تمت تلك الزيارة قبل شهرين ولكن نتائج تلك الزيارة كانت خلافا لما يتوقعها الرئيس الايراني حيث ان الصين أبلغت ايران بان هناك ارادة أوروبية أمريكية لاعادة ملف ايران النووي إلى مجلس الأمن ما تتطلب تخفيف ايران من مستوى التخصيب وتخفيف التوتر في علاقاتها مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية واقترح الرئيس شي للرئيس الايراني رئيسي الدخول في مفاوضات مع المملكة السعودية لحل الصراع الإقليمي وتطبيع العلاقات بينهما. وبالرغم من ان زيارة الرئيس الايراني للصين لم تخرج باي نتيجة اقتصادية الا ان الدبلوماسية الإيرانية تعلمت الكثير من العملانية والواقعية التي تنتهجها الصين منذ خمسة عقود وتحولت من خلاله إلى واحدة من كبرى اقتصاديات العالم. الصين وصلت إلى هذه الذروة بفعل تخليها عن الشعارات الشيوعية الفضفاضة التي كانت تستهدف القضاء على الامبريالية ولكنها أدت إلى القضاء على كرامة المواطن الصيني عبر تفقيره وتجويعه كما نرى اليوم في كوريا الشمالية. اوصلت الصين كلا ايران والسعودية بضرورة التخلي عن المواجهة والخروج عن دوامة كسر العظم. سوف تستانف السفارتين أعمالهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الذي استمر لسبع سنوات. 


شكرا لرئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي الذي عبد الطريق التطبيع العلاقات الإيرانية السعودية وشكرا للرئيس الصيني شي جي بينغ الذي اجلس الطرفين على طاولة واحدة وابلغهما بان الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الصين وكل من الجمهورية والمملكة لن تجنى ثمارها الا بعد التطبيع بينهما. هذا البرهان الصيني يتمتع من القوة الاقناعية ما يكفي لضمان تنفيذ التوافق الايراني السعودي الذي كنا نتوقع توقيعه في بغداد سابقا او في مكة المكرمة التي سواء فيها المسلم العربي والمسلم العجمي وهي وطن لأي مسلم في العالم ولكن الصلح خير والسلم خير والتطبيع بين الأخوة خير واطلبوا السلم ولو بالصين وما ادراك ما الصين