لا يهولنّك رؤية المُنجّمين  والعرّافين يملأون الفضائيات التلفزيونية، وخاصة في لبنان الإشعاع والحضارة. ففي إحصاءٍ أخيرٍ، أُجري في فرنسا أواخر القرن الماضي، تبيّن أنّ أكثر من ثلث الفرنسيين لايؤمنون بدوران الأرض حول الشمس(على الرغم من كوبرنيكوس والتعليم الإلزامي).وفي ثقافتنا ما زالت مزروعة أوهام الجن الذين يعلمون الغيب ويكشفون المستور، فهذا وعيٌ راسخ، أبّدته سلوكياتٌ مجتمعية مازالت صالحة. فالإعتقاد بوجود الجن أدّى إلى تقنين هذه السلوكيات وجعلها ذات وظيفة شغّالة حتى يومنا هذا. فالمُسلم المؤمن لا يبول في جُحرٍ، لأنّه مسكن الجن، ولايبول في مُستحمّه، لأنّ ذلك يورث الجنون، ولا يأكل ولا يشرب بشماله، لأن الشيطان يأكل بها، فإذا لم يذكر اسم الله على الطعام، "فإن الشيطان يأكل معه"ويفسد عليه طعامه، فاذا سقطت من يده لقمة عليه"ان يأخذها ويميط ما كان بها من أذىً، ويأكلها ولا يدعها للشيطان".وهو لا يشرب من ثلمة الإناء، لأنّها "كفل الشيطان".ولا يعقص شعره أثناء الصلاة، لأنّ الشعر المعقوص"مقعد الشيطان".ولا يطأ امرأته في أول الشهر، ولا في آخره، ولا في مُنتصفه، لأنّ الشيطان يشاركه عندئذ في وطئها، فيبني معه بها، ويشاركه في ولده. ولا يغشى امرأته إذا احتلم قبل أن يغتسل، لأنّه إن لم يفعل، "خرج الولد مجنوناً".واذا تثاءب مثلاً، عليه أن "يُمسك على فمه، لأنّ الشيطان يدخل فيه".وليس له أن يتغوّط في مكانٍ مكشوف، "لأن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم".واذا سمع ديكاً يصيح، عليه أن "يسأل الله من فضله، لأن الديك رأى ملاكاً"، أمّا إذا سمع حماراً ينهق فعليه ان يتعوذ من الشيطان، لأن الحمار رأى شيطاناً، فاذا شاء أن يركب بعيره عليه أن يذكر اسم الله قبل ذلك، لأنّ "على ظهر كل بعيرٍ شيطان، و"ما من بعيرٍ لنا إلا في ذروته شيطان".فإذا سافر في عملٍ او تجارة، ليس له أن يسافر وحده، لأنّ"الراكب شيطان، والراكبان شيطانان".فلا يتكون الركب إلا من ثلاثة فأكثر، (ومن هنا لا يخلونّ رجلٌ بإمرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما)، فإذا دخل بيته وتراءى له سواداً في زاوية البيت ،عليه أن يضربه قبل ان يتكلم، فإنّه شيطان. فإذا حلّت العتمة عند العشاء، عليه أن"يكفت صِبيته ،أي أن يمنعهم من الخروج في ذلك الوقت،"لأنّ للجن انتشاراً وخطفة، وللشياطين في ذلك الوقت إيذاء لكثرتهم،"فاذا ذهب ساعة من العشاء، لا بأس بأن يخلي صبيته."وأغلِق بابك واذكر اسم الله، وأطفيء مصباحك واذكر اسم الله، وأوكِ سقائك واذكر اسم الله، وخمّر إناءك واذكر اسم الله، فإنّ الشيطان عندئذ لا يفتح غلقاً، ولايحلُّ دكاءً، ولا يكشف آنية، "والشيطان والجن تتخذ أشكالاً شتى: فالأجدع شيطان، والكلب الأسود شيطان، والحيّة شيطان، ناهيك بأنّ المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتُدبر في صورة شيطان، لذا، يستنبط بعض أهل الرأي والفقه، "إنه لا ينبغي ان تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وإنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقاً، "والشيطان كثيراً ما يقطع الصلاة، "فإذا مرّ بين يدي أحدكم شيء وهو يُصلّي، فليمنعه، فإنّما هو شيطان". وغالباً ما يتخذ هذا الشيطان الذي يقطع الصلاة"صورة امرأةٍ و كلبٍ وحمار"،مما أثار احتجاجاً فعلياً من قبل أم المؤمنين عائشة، إذ قالت:"بئسما عدلْتمونا بالحمار والكلب".


وهذاغيضٌ من فيض، ولا يستنفذ طبعا تلك المجالات التي يتدخل الجن والشيطان عبرها في حياة المؤمنين وافعالهم، فاذا تباركْتَ بتنبّؤات ليلى عبد اللطيف، فآمِن واستيقن، فإنّها لا تنطق عن الهوى  هي وأضرابها من المُنجّمين ،كذلك لا تستخفَّ او تستهِن برسالة الفضائيات التي تستقبلهم المرّة تلو الأخرى.