كان يا ما كان، في زمان ياسر عرفات، مقاومة فلسطينية لمقاومة الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين، وبدل أن نتقدّم الى الأمام، وُلدت عندنا مقاومة إسلامية، اسمها الحركي حماس، فعُدنا خطواتٍ إلى الوراء. وسالت بين المقاومتَين دماءٌ غالية. وتشرذمت القضية وما زالت. وعندنا في لبنان كانت مقاومة وطنية، وكانت تعاني من عللٍ كثيرة، وكان القيّمون عليها يعرفون ذلك، ويعترفون به، ومع ذلك قامت بمعظم أعبائها، فأصبح عندنا مقاومة إسلامية مُقدّسة، لا يجرؤ أحدٌ أن يمُسّها بكلمة، حتى يوصم بالخيانة والصهينة، ومناصرة الأميركين الملاعين. ثم ما لبثت أن حوّلت وُجهتها إلى الداخل اللبناني، ومن ثمّ اجتازت الحدود، وانخرطت في قتالٍ مريرٍ في سوريا. وكان عندنا ثورة سوريّة شريفة وسِلميّة، هدفها الخلاص من نظام استبدادي، والإنتقال بسوريا الى الديمقراطية والحداثة والتنمية، والخلاص من القمع والتّخلُّف، ونشر أكاذيب المقاومة والممانعة، فأصبح عندنا مقاومات، لا نعرف أصلها من فصلِها، ولانعرف من يُقاتل النظام، ولا من يقاتل معه، وتتصارع مع بعضها أكثر مِمّا تصارع النظام. وأبرزت فصائلها الاصولية، كداعش والنُّصرة، كل ما عندها وما تختزنه من مخازٍ وعُنفٍ وحشيّ، وتطرُّفٍ ورجعيةٍ وتخلُّف. أمّا في العراق، فالحابل مُختلطٌ بالنابل،عدا الصدع المذهبي الرهيب، هناك الايرانيون كلاعبٍ أساسي، والأتراك على مقاعد الاحتياط، والاميركيون ملأوا الارض خبراء ،والسماء طائرات. والشعب العراقي في حمأة القتل والتشريد والتمزُق. أمّا في مصر، فيخوض الاخوان المسلمون حرباً ضروسا ضد الدولة والنظام، بصورةٍ غير شرعية، لاعادة "شرعيتهم" المفقودة، وبدل أن يكونوا إخواناً، ومُسلمين وادعين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إذ بهم يرتكبون شرّ الكبائر، من قتلٍ  واغتيالٍ وتفجيرٍ، وتخريبٍ لمؤسسات الدولة واقتصادها. وفي اليمن كانت هناك ثورة سلمية للخلاص من الحكم الاستبدادي، فأصابت بعض النجاح، فتقدّم الحوثيون مع الدعم الايراني وأحلام الملك المخلوع علي عبد الله صالح، فادخلوا البلد في صراعٍ داخليّ، هدد الدولة والنظام ،ممّا استدعى تدخُّلاً خليجياً بزعامة السعودية، لوقف التّمدُّد الايراني في المنطقة. وهكذا أصبح المشرق العربي بأكمله، مع جزءٍ كبيرٍ من المغرب العربي، في دائرة الحروب والدمار وتفكُّك الأنظمة، وعُرضةً للتّدخلات الاقليمية والدولية، وتضارب مصالحها.والغريب أنه لم تبقَ إلاّ واحةً واحدة في الجزيرة العربية، بمنأى عن الصراعات الدموية، وهي "عُمان"،حيث يسكن الإباضيون، خلفاء الخوارج، الذين كانوا يوصمون بالعنف والتّطرُّف، فإذا بهم اليوم أهل اعتدالٍ ووئام، وأصحاب دعوةٍ لكلمةٍ سواء، وحقن الدماء، والامر بالمعروف، والنّهي عن المُنكر.