من أبرز تلك الاوهام، أنّ المذاهب رافقت الاسلام منذ نشأته الاولى، وبعد وفاة النبي (ص) مباشرة، وبعد حادثة  السّقيفة التي انتهت بتنصيب أبي بكر الصديق خليفةً للمسلمين. إلا أنّ مجريات التاريخ لا تؤكّد ذلك. ففي زمن النبي والقرآن، وما تلا ذلك لثلاثة قرون أو أربعة، لم يكن الإسلام "سُنّياً".ولا "شيعياً"، ولا "إباضياً" ولا "اسماعيلياً" .فهذه المذاهب لم تكن منذ البداية، بل راحت تتشكّل نتيجة صيرورةٍ تاريخيةٍ بطيئة، ومُعقّدة وصِراعية. وقد تطورت وانبثقت من خلال مظاهرات الشارع، وخُطب يوم الجمعة، والمواعظ الشعبية، والدعاية الاسماعيلية، والترقية الرسمية لشعائر المذهب الشيعي عند البويهيّين. واندثار المذهب المعتزلي العقلاني، وصعود مذهب الأشاعرة والماتريدية، ليصبح فيما بعد مذهب أهل السّنة والجماعة، والمسارات الخفية أو المستترة للمذهب الزيدي، والهجوم المتواصل ضد الفلسفة.


 كل هذا وما تفرّع عن هذه المسارات ما زال يحفر عميقاً في جسد الأمة، ويُسبّب هذا الصدع النفسي الرهيب، بين جناحي الأمة الإسلامية، سُنّةً وشيعة.وهذا لا يزول بسحر ساحر، ولا بالدعاء والأمنيات، بل يحتاج إلى قوى علمانية حقيقية وفاعلة، ووعيٍ متزايدٍ بنبذ العنف والإستبداد، وإعمال الفكر التارخي وجني منجزاته، لفهم الحاضر فهماً صائباً، وتجاوز معوقات الماضي.               

وعليه ،فليُخفّف المغالون من رمي كل مصائبنا ومشاكلنا على إيران، بلهجة شعوبية ومذهبية حادة ،لا تفيد ولا تنير طريق ،ولا تحل مشاكل الأمة العربية، التي لا تعدّ ولا تحصى، والسؤال هو: لوحلّت إيران عن ظهرنا غدا، وهذا ليس بالبعيد، بعد الإتفاق السعودي الإيراني، فهل ستعود الأمة العربية أمّةً واحدة، متساوية كأسنان المشط. هيهات، ثم هيهات،فمشاكل الأمة العربية أكثر بكثير ممّا تتصورون، لكنّ أكثر الناس لا يعلمون.