عن العتبي قال: كان في زمن المهدي رجلٌ صوفيّ، وكان عاقلاً ورعاً، فتحمّق ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يركب قصبةً في كل جمعةٍ يومين. الاثنين والخميس، فاذا ركب في هذين اليومين فليس لِمُعلمٍ على صبيانه حكمٌ ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان، فيصعد تلاً وينادي بأعلى صوته: ما فعل النبيون والمرسلون، أليسوا في أعلى عليّين؟ فيقولون نعم،                           

 قال: هاتوا أبا بكر الصديق. فأُخذ غلامٌ فأُجلس بين يديه: فيقول، جزاك الله خيراً أبا بكر عن الرعية، فقد عدلتَ وقُمت بالقسط، وخلفتَ محمداً (ص)، فأحسنت الخلافة، ووصلت حبل الدين بعد حلٍ وتنازع، وفرغت منه الى أوثق عروةٍ، وأحسن ثقة، اذهبوا به الى أعلى عليّين.


 ثم ينادي: هاتوا عمراً.فأُجلس بين يديه غلام، فقال: جزاك الله خيراً أباحفص عن الاسلام، قد فتحت الفتوح، ووسعت الفيئ، وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية، اذهبوا به الى أعلى عليين بحذاء ابي بكر، ثم يقول: هاتوا عثمان. فأُتي بغلامٍ، فأُجلس بين يديه، فيقول له: خلطت في تلك السنين، ولكن الله تعالى يقول:( خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليهم)! ثم يقول: اذهبوا به إلى صاحبَيه في أعلى عليّين، ثم يقول: هاتوا علي بن ابي طالب. فأُجلس غلامٌ بين يديه، فيقول: جزاك الله عن الأمة خيراً يا أبا الحسن، فأنت الوصيُّ ووليُّ النبي، بسطت العدل، وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفيئ، فلم تخمش فيه بنابٍ ولا ظفر، وأنت أبو الذّرية المباركة، وزوج الزكيّة الطاهرة، اذهبوا به الى أعلى عليين، الفردوس.         

 ثم يقول: هاتوا معاوية. فأُجلس بين يديه صبي، فقال له: أنت القاتل عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين، وحجر بن الادبر الكندي الذي أخلقت وجهه العبادة، وانت الذي جعل الخلافة مُلكاً ،واستأثر بالفيئ، وحكمَ بالهوى، واستنصر بالظّلَمة، وأنت أول من غيَّر سُّنة رسول الله ص ،ونقض أحكامه، وقام بالبغي، اذهبوا به فاوقفوه مع الظّلَمة. ثم قال: هاتوا يزيد. فأُجلس بين يديه غلام، فقال له: يا قواد! انت الذي قتلت أهل الحرّة، وأبحتَ المدينة ثلاثة أيام، وانتهكت حرم رسول الله ص، وآويت الملحدين، وبؤتَ باللعنة على لسان رسول الله ص، وتمثّلت بشعر الجاهلية:


                                 

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا 


 جزع الخزرج من وقع الأسل.                                       

وقتلت حُسيناً ،وحملت بنات رسول الله ص سبايا على حقائب الإبل، اذهبوا به الى الدرك الأسفل من النار. ولا يزال يذكر والياً بعد وال، حتى بلغ الى عمر بن عبد العزيز،فقال: هاتوا عمر. فأُتي بغلامٍ، فأُجلس بين يديه، فقال: جزاك الله خيرا عن الإسلام، فقد أحييتَ العدل بعد موتِه، وألنتَ القلوب القاسية، وقام بك عمود الدين على ساق، بعد شقاقٍ ونفاق، اذهبوا به فالحقوه بالصديقين.                   

ثم ذكر من كان بعده من الخلفاء الى ان بلغ دولة بني العباس، فسكت، فقيل له: هذا أبو العباس أمير المؤمنين. قال: فبلغ أمرُنا إلى بني هاشم؟ ارفعوا حساب هؤلاء  جملةً واقذفوا بهم في النار جميعا.