يحار المرء عندما يسمع هذه الايام كلمة "الإسلام"، ترِد على كل شفةٍ ولسان، وكلّ ما هبّ ودبّ على أرض البسيطة.فعن أيّ إسلامٍ يتحدثون؟ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؟ إنّهم يتحدثون عنه كما لو كان مادةً لزجة طريّة هيّنة، موضوعٌ يقطّعونهُ على هواهم، ويصِلونه على هواهم. ويُشيّؤنه ويجوهرونه (أي يجعلونه كياناً جوهرياً جامداً لا يتطوّر ولا يتغيّر، لايحولُ ولا يزول). ثم يُضخّمونه حتى ليكاد يصبح غولاً مُرعباً، أو وحشاً إيديولوجيّاً، يشبه الأخطبوط المنبعث باستمرار. واذا كان الغربيون لهم عذرهم في عدم فهم الإسلام، بسبب الأدبيات السياسية المتسرّعة الأحكام حوله، فما عذرنا نحن المثقفون في الجهة المقابلة؟ لماذا أصبح الاسلام وخاصة على أيدي"المتنورين الاسلاميين"، الذين فُتحت لهم مجلاّتٌ خاصة، وغرفوا من  آبار النفط ما غرفوه، نقول لماذا أصبح الاسلام مُتصلّباً، جامداً، أبديّاً، جوهرانيّاً، لكأنّه فوق الزمان والمكان، والظروف والمناسبات، وبكلمة جامعة، فوق الظواهر التاريخية. وكيف بعد كل ما نُشر، وكل ما أُسِّسَ من منابر ثقافية، في طول العالم الاسلامي وعرضه  وفي أوروبا وأميركا, لايزال الاسلام هو المُسبّب  الأوليُّ، والنهائي لكل الانحرافات الإيديولوجية، ومظاهر العنف والتعصب الشائعة في العديد من المجتمعات التي يسودها هذا الدين، ونذكرُها بالاسم من إيران إلى مصر إلى سوريا الى السودان والجزائر والمغرب الأقصى وتركيا وباكستان وافغانستان ولبنان، والى ما لا يحصى عددُه. مؤسّساتٌ ومحطّاتٌ فضائية، ومنابر ثقافية كلها "إسلامية"،راحت على مدى أربعة عقود من الزمن، تنشر الفكر التبجيلي التقليدي،  وراحت تُركّز على الشعائر والطقوس، والألبسة والزّي، والطعام الحلال والحرام، في بلاد الاغتراب خاصةً، ولم يُكلّف أحدٌ نفسه أن يُعرّفنا بأنّ هنالك إسلاماً سعوديا، وآخر أندونيسيّاً وفارسياً وتركيّاً، وسنغاليّاً الى ما لا يحصى، لم يُلتفت البتّة إلى دراساتٍ إثنولوجية، لكل الفئات العرقية الثقافية الموجودة داخل المجال الواسع الذي انتشر فيه الاسلام. حتى تمكّن الراحل أسامة بن لادن وأضرابُه من أن يفتحوا لنا المعجم الديني القديم، ويستخدموا نُتفاً من نصوصٍ دينية، مُتفرّقة ومُبعثرة ومنزوعة من سياقها التاريخي، ليبرروا أعمالاً هي بالأساس ذات جوهر إيديولوجي وسياسي، لا علاقة لها بالدين بالمعنى المتعالي والتنزيهي للكلمة، فالاسلام كما لا يستطيع أن يُنكر أي مُنصِف ومُوفِّق، عندما جاء راح يتفاعل مع هذه الثقافات المحلية المختلفة، فيُؤثّر عليها ويتأثّر بها، ويتلوّن بألوانها. وإذا كُنّا فعلاً نحاول أن نخرج من دوامة هذا الوضع الذي نحن فيه، من التّخبُّط الفكري والمعنوي حول كلِّ مسألةّ لها علاقة بتصادم  الحضارات والاديان، أن يكُفَّ المثقفون والمتنورون الإسلاميون عن اعادة انتاج فكر تبجيلي للإسلام، لاطائل فوقه أو تحته، وأن  يخطوا خطواتٍ جريئة بعدم استعمال الاسلام كمفهوم تجريدي مُغلق، بمناسبة و بدون مناسبة، كما يفعل الصحافيون والإعلاميون الغربيون، والاسلامويّون هذه الأيام على حدٍّ سواء. إنّ هذا الاستخدام المهووس لكلمة"اسلام"،من دون أيّ حسٍّ نقديّّ، ونزيهٍ ومُنصفٍ من قبل الحركات السياسية المعاصرة المدعوة" إسلامية"،وهي في الواقع حركات سياسية متورّطة في صراعاتٍ ضارية، تُقارب الصواب مرّةً، وتُجانبُه مرّات، والعكس صحيح، إنّما عليها، وعلينا نزع القناع الديني عن وجهها، فليس كلّ ما تدّعيه، يرقى إلى مصاف المُقدس. فهناك اجتهاداتّ وآراء شتّى، وبين هذه وتلك تُزهقُ أرواحٌ وتُقاد شعوبٌ بأكملها الى مصائر مجهولة، وفي أغلب الاحيان مُظلمة. وهذا لا يعفي الغرب وأميركا من مسؤلياتها الجسام التي أطلقتها قوى العولمة التي لاترحم وهذا حديث اْخر.