إشتهر لبنان ومازال بصناعة النبيذ لتوفر عناصر طبيعية ملائمة لجودة الكرمة من ماء وهواء وتربة ومهارة فنية وشغف بهذة الصنعة الأمر الذي أدّى إلى تطوير مستمر لمشروب يقف في صفوف الدول الأساسية المشهورة عالمياً في تخمير العنب . باتت شهرة النبيذ اللبناني محط إهتمام مصانع محلية تزداد أعدادها لرواج شهرتها ورغم تدني أسعارها بالنسبة للنبيذ الأجنبي إلاّ أنّها محافظة على إنتاجها كمية ونوعية وهذا ما أبقاها صامدة رغم سوء أحوال لبنان إقتصادياً وتدني مستوى العملة الوطنية وتعطيل السياحة التي يراهن عليها المتكسبون من صنعة الكرمة . كما أن لبنان إشتهر منذ الحرب بالدماء وهذا ما روّج للعمل السياسي والحزبي بحيث تنامت تيارات حزبية لا حصر لها واستطاعات أن تستمر بفعل الدماء المبذولة وكلما قدم الحزب دماءً أكثر كلما تقدم أكثر عن الأحزاب الأخرى وكان له شأناً آخر داخلياً وخارجياً . لقد إستمرت الأحزاب وبقيت حيّة نتيجة دمائها المبذولة هنا وهناك وهنالك ورغم غياب البعض عن المشهد السياسي إلا أنّه حجز له مقعداً دائماً في الحضور الوطني أو القومي نتيجة الكم الهائل من الدماء على عكس الأحزاب التي إنقبرت ليس فقط لتبدل أحوال العملية السياسية برمتها بل لقلّة تقديماتها على مذبح الشهادة . ثمّة نماذج كثيرة ممكن تقديمها للدلالة على ما تقدم ويمكن إعتماد النموذج الفلسطيني في لبنان بحيث إستمرت حركة فتح كقوة داخل المخيمات رغم محاولات هدّها وهدمها سابقاً من قبل النظام السوري وحلفائه وهذا ما أكده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في زيارته الأخيرة للبنان بقوله: أن قرار المخيمات ليس بأيدينا . من جملة بقاء حركة فتح حية هو حجم الدماء التي قدمتها في سبيل ( القضية الفلسطينية) وما يترتب على ذلك من إستحقاقات وخدمات مادية وعينية في حين أن قوى أخرى من ضمن أطر منظمة التحرير باتت مجهولة كونها إعتدلت في حجم الدم أو ان حجمها لم يكن يساعدها على توفير الدماء المطلوبة لصناعة مجد تاريخي . وهذا أيضاً ما يناسب النموذج اللبناني بيمينه ويساره بحيث بقي الحزب المدمى مستعصى على الضمور السياسي . بين شهرتي النبيذ والدماء شبه لا في اللون فقط بل في الفعالية والإنتاجية وكلاهما مسكران فالأول يسكر العقل والثاني يسكر القلب وكلاهما يدران عملة صعبة على لبنان وكلاهما يعززان سوقهما الداخلي والخارجي ولا إمكانية لفقدان دورهما كونهما على صلة بأرض خاصبة تساعد المزارعين على زراعة الكرمة وتعطيهم مواسم سمان وتساعد السياسيين على حصد ما زرعوة من دماء فتكون بيادر الأحزاب مثقلة بمواسم البركة . لقد توقفت في لبنان كل الأعمال وتم إغلاق الكثير من المعامل والمصانع حتى مؤسسات الدولة مفلسة وقد سقطت كل القطاعات المالية والإنتاجية ولم يبق سوى السياسة المصبوغة بالأرجوان ومصانع النبيذ ولم يحصل أيّ ضرر لا لهذه الأحزاب ولا لهذه المصانع رغم ما مرّ به لبنان من أزمات متعددة الوجوه قديماً وحديثاً .