ينحصر المشهد السياسي اللبناني بالضجيج الإعلامي حول المشكلات الاجتماعية والحياتية اليومية وتقاذف المسؤولية عن قصور الحكومة في معالجتها وتبادل الاتهامات حول المسؤولية عما آلت إليه تارة بين الحكومة والبرلمان وأخرى بين القوى السياسية، فيما فرض رفض الكتلتين النيابيتين المسيحيتين الكبريين، التابعتين للقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ونواب حزب الكتائب انعقاد البرلمان للتشريع في ظل الشغور الرئاسي مخافة التأقلم مع تمديد الفراغ، عجز السلطة التشريعية عن اتخاذ أي قرار. أما تسيير شؤون البلد ومعالجة إضرابات القطاعات المختلفة مطالبة بتحسين أوضاعها فأدى إلى تقييد اجتماعات مجلس الوزراء ببت مواضيع ملحة، مع مقاطعة سبعة وزراء يمثلون التيار الوطني الحر، وتركز القوى السيادية على رفضها الخضوع لمرشح حزب الله الرئاسي بحجة أن هيمنته على السلطة ستبقي البلد في تأزم مستمر، كل المعطيات المتوافرة تؤكد بأن لبنان ينزلق الى مرحلة وصفه بالدولة الفاشلة، حيث الازمات تتدحرج بشكل يومي وبسرعة هائلة لم يعد في قدرة احد ان يفرمل اندفاعتها او معالجتها. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا وصلت الامور الى هذا الحد من الانهيار بالتوازي مع اللامبالاة الواضحة ممن فترض بهم ان يسارعوا الى معالجة هذا الوضع والحد من تفاقمه، واذا كان الجواب معروفاً من الكبير والصغير في هذا البلد وهو النكد السياسي معطوفاً على الفساد والهدر وغياب الخطط المستدامة والمعالجات الجدية، فإن المستغرب كيف ان الشعب نائم وكأنه غير معني بما يحصل، وكيف كان في السابق ينتفض ويقفل طرقات ما ان يرفع سعر صفيحة البنزين ، او ربطة الخبز أو كيلو الرز، فيما اليوم يقف متفرجاً امام الجريمة الكبرى التي تنفذ بحقه على كل الصعد . بغض النظر عما يمكن ان يقوم به الشعب اللبناني الذي يضع نفسه في مربع الطائفية والمذهبية والزبائنية ويرفض مغادرته تحت اكثر من حجة، فإن استمرار سلوك السياسيين طريق النكد والنكايات سيزيد من الامور تعقيداً، وكأن هناك من يعمل على التدمير الممنهج للبنان، حيث يذهب معظم الفرقاء الى رفع سقف الشروط قبل القبول بالجلوس على اية طاولة تفاوضية للتفاهم على كيفية الوصول الى معالجات جدية تخرج البلد من النفق المظلم بالاضافة الى انتخاب رئيس للجمهورية والذي يعتبر المدخل للولوج في معالجة باقي الازمات . في هذا المجال يؤكد مصدر سياسي بارز بأنه لم يعد بإمكان الداخل في لبنان فعل اي شيء لمواجهة ما يحيط بلبنان من مخاطر وازمات، وان الافق مقفل بالكامل، وبات التعويل على الخارج هو الموجود حالياً في ظل معلومات تفيد بأن الملف اللبناني ما زال يحظى بعناية دولية وإن محدودة، وأنه يمكن التأسيس على ذلك لطلب المساعدة خصوصاً وأن فرنسا لا تزال وعلى الرغم من كل المشاكل التي تعج بها المنطقة تبدي حماسة لمساعدة لبنان على معالجة ازماته وخصوصاً في مجال انتخاب رئيس للجمهورية . ويلفت المصدر الى ان ما يطرح من معادلات بشأن انتخاب الرئيس وتأليف حكومة بعد التفاهم على اسم من يتولى رئاستها ما تزال غير صحيحة الى الآن، وإن كانت المؤشرات تؤكد بأن لا خروج من هذا النفق السياسي الا من خلال الاتفاق على تفاهمات ترضي غالبية الاطراف المعنية، وان الحديث عن معادلات في هذا المجال ما يزال بعيدا عن الواقع، وان الحديث عنها ربما يدخل في اطار لعبة جس النبض لا اكثر ولا اقل ويشدد المصدر على ان الطبخة الرئاسية وعلى الرغم من الحاجة الملحة للقيام بها لكن لم توقد النار الفعلية تحتها بعد، لان ظروف انضاجها ما تزال غير متوافرة وهي تحتاج الى الوقت الذي تصبح فيه ملفات المنطقة مهيأة للاتفاقات الدولية عليها . وعندما يسأل المصدر ماذا سيكون عليه الوضع في لبنان في المرحلة الفاصلة من اليوم الى حين حصول التسوية يسارع الى القول بأن الامور ذاهبة الى المزيد من التعقيد، وأن جل ما يمكن القيام به هو فصل الواقع الامني عن التأزم الاقتصادي والسياسي، لأن اي دعسة ناقصة من اي فريق يعني الفوضى، وفي حال وصلنا الى هذه المرحلة فعلى لبنان السلام، حيث ان العوامل الاقليمية والدولية التي كانت تمنع حدوثها غائبة اليوم وهذا يعني ان انفلات الشارع من عقاله سيكون له اثمان باهظة لا قدرة على لبنان والشعب اللبناني تحملها وهذا ما تحذر منه دائماً بعض الدول المهتمة بالشأن اللبناني، وهي تبعث بتحذيرات شبه يومية عبر القنوات الدبلوماسية تنبه من إمكانية الوصول الى هذا الامر نتيجة الانفجار الاجتماعي الذي يلوح في الافق نتيجة تدهور الوضعين المعيشي والاقتصادي . وفي رأي المصدر ان عامل الوقت لم يعد في صالح لبنان، وان على القيمين على الشأن العام ان يسارعوا الى التفاهم على انتخاب رئيس في الدرجة الاولى من خلال الاستفادة من اجواء الانفتاح التي تجري في المنطقة في اكثر من مكان، لعل ذلك يؤدي الى معالجة الازمة المتفرعة عن المشاكل السياسية لا سيما ما يتعلق منها بالشأن المالي والاقتصادي، وفي حال فشل لبنان في ترتيب وضعه الداخلي إن عبر تفاهمات داخلية او تسوية خارجية فإن الخوف يصبح مبرراً من ان يعتبر لبنان دولة فاشلة على مستوى المجتمع الدولي .