تكثر المناسبات الدينية و"الجِهادية" في برامج حزب الله الإعلامية، فيظهر السيد حسن نصرالله أمين عام الحزب من وراء سِتار على شاشات التلفزيون الفضائية، لِيتحدث أمام جمعٍ غفيرٍ من "علماء دين" ورجال سياسة وأمن ومُناصرين ومُحازبين، ومُتابعين يهتفون باسمه، خاصةً عندما يرفع إصبعه مُهدّداً مُتوعّداً المُناوئين والمارقين "وأتباع" السفارات، ناثراً في الوقت عينه الوعود والأماني والإنتصارات "الإلهية" التي لا تنقطع ولا تنتهي، دون إغفال اللهجة المتكررة ضد إسرائيل، كما فعل بالأمس، في حين أصبح لبنان كومة حجار غارقة في الظلام، وأهلُه أذلّاء صاغرين أمام لقمة العيش وضنَك الحياة والإنهيارات الشاملة، ومع ذلك لا ينفكّ السيد نصرالله عن الظهور بمظهر السياسي المُحنّك، الذي لا تفوته شاردة ولا واردة، يُوزّع الأدوار، ويُحدّد المهمات، ويُلقي بالتّبِعات على أصحابها وِفق ما يريد ويرتئيه، حتى إذا ازدحمت الأفكار "المُبتكرة" والخواطر "اللامعة" عليه قال: وهذه سنعود لها لاحقاً، كما لا يغيب عن باله أن يظهر دائماً بمظهر قادة الحروب العسكرية والأمنية الظافرة، أين منه قادة الفتوحات الإسلامية المشهورين، من خالد بن الوليد إلى عكرمة بن أبي جهل، إلى يزيد بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص، أمّا ما يغيب عن بال السيد نصرالله وخاطره، أنّ الزي الديني الذي يظهر به، يفرض على كلّ من يُناصره أو يُتابعه، أو يتمنّى الموت فداء حذائه، أن ينظر إليه كرجل دينٍ تقيٍّ ورعٍ مُسالم، وأنّ رداء "السادة" الأسود الذي يعتمره رجال الدين الشيعة، يُلزمهم بأن لا يخوضوا في غمار السياسة وخبائثها، ولا في شؤون الدنيا الفانية، فإن هي إلّا متاع الغرور، وأنّ كلامهم وخِصالهم يجب أن تقتصر على الدعوة والحضّ على التقوى والورع والزّهد، ونبذ ما في أيدي الخلائق من علائق فانية، وهذا ربما وللأسف الشديد ما لا يخطر ببال السيد نصرالله، فحبّذا لو يترك لِأساطين السياسة في حزبه الخوض في المتاهات السياسية اللبنانية الفاسدة ودهاليزها، والتلاعب بمصير المُوالين له من أهل الشيعة، ومعهم جموع اللبنانيين الرازحين تحت طغيانهم وجبروتهم، والحزب الإلهي لا ينقصه رُواد سياسة "أفذاذ" كالحاج محمد رعد والشيخ نعيم قاسم والنائب حسن فضل الله، الذي يحمل ملفات فساد منذ سنين عدة، ومع ذلك ما زالت مغلقة، أو حبذا لو عوضاً عن ذلك كله، لو يترك هموم الدنيا والسياسة لحليفه "اللدود" الرئيس نبيه بري، فهو سيّد من تلاعب بها وتلاعبت به، ولم تفُتّ في عضده، ولا نالت منه مقتلاً، رغم بلوغه من العمر عِتيّا.