في رواية مُصوّرة ومُوثّقة تُظهر عظمة القضاء ودوره الحاسم في تحقيق العدل والحقّ، وكلّ ما يعود على المواطنين من خيرٍ واستقامة وأمنٍ وأمان، وأحداث هذه الرواية حصلت في العراق إبّان حكم الرئيس السابق الراحل صدام حسين، وكان شخص الرئيس من أبرز شخصياتها، حين أقدم احد المواطنين العراقيين على قتل ولده، الذي كان يؤدي خدمته العسكرية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكان الجندي القتيل قد أودع مالاً لأبيه، كي يقوم بترتيب إجراءات زواجه من فتاةٍ تسكن جوارهم، فقام الأب بالزواج من الفتاة عينها، والتي كان ابنهُ قد فوّضه تزويجها له، وعندما عاد الإبن من جبهة القتال، تشاجر مع والده، الذي سارع إلى إطلاق النار عليه وأرداهُ قتيلاً، لإخفاء جريمته بحقّ ولده، ومن ثمّ قام بدفنه، وأشاع بأنّه صرعه لهروبه من تأدية واجبه العسكري، وفراره من الخدمة العسكرية، فاستدعاه الرئيس الراحل صدام حسين، وسمع روايته، فاستدعى الرئيس بعض أركان الجيش، مع وزراء وقادة أمنيين، وطلب من الوالد "القاتل" أن يروي لهم كيف قام بقتل ولده لفراره من خدمة الوطن والقتال في سبيل الواجب الحربي، وأشاد الرئيس صدام بمناقبيته وشهامته، وأسبغ عليه بعض الألقاب والنِّعَم، وأُذيعت تلك الحادثة، باعتبارها حدثاً قوميّاً مجيداً.


بعد فترة وجيزة، تقدّم أهل الشابّ القتيل( أعمامه وأخواله) بشكوى أمام قاضٍ جنائي بحقّ الوالد القاتل، وأبرزوا وقائع وشواهد على أنّ الأب قتل ابنه ظلماً وعدواناً، لإخفاء ما ارتكبه بحقّ ولده، فحكم القاضي بإعدام الوالد المجرم، وقام بتنفيذ الحكم والإشراف عليه، وما لبث الأمر أن وصل إلى الرئيس الراحل صدام، فاستدعى القاضي على عجَل، وسأله عمّا جرى في تلك الحادثة، فأخبره بأنّ أولياء أمور الشاب المظلوم تقدموا لديه بشكوى مرفقة بالوقائع ومشفوعة بشهادة الشهود بوجه الوالد المجرم، فحكم بإعدام القاتل، فسألهُ صدام حسين: ألم تعلم بأنّي سبق لي وعفوتُ عنه، ألا تخاف من بطشي وعقوبتي، فأجاب القاضي، بلى، خفت وارتعبت، لكنّ صوت الضمير، وميزان الحقّ والعدل، علا فوق أيّ اعتبار، فحكمتٌ وفق ما يُمليه ضميري، ووفاءً لقسمي القانوني والمهني، فأقرّه الرئيس الراحل على ما فعله، وأشاد بمناقبيته وصحو ضميره.


عندنا في لبنان هذه الأيام، يلجأون إلى ما لا يُحمدُ عقباه من وسائل "جهنّمية" لحرف العدالة وخنقها، وتمكين المجرمين من الإفلات من العقاب، حتى إذا ما وُجدَ قاضٍ نزيه، يحتكم لضميره ويُصمّم على إحقاق العدل وإنفاذ القانون، لا يخجل المجرمون من التباهي في التحايل على القانون، لا بل يُعلنون جهاراً بنواياهم الخبيثة "بقبع" القاضي النزيه، ولا يجدون حرجاً في استبداله بقاضٍ آخر مطواع، وهكذا ما لم يستطع صدام حسين  القيام به بحقّ القاضي الذي ذهب بعيداً في مخالفة أمره، هاهم حكام لبنان الفاسدين المجرمين يذهبون بعيداً في إطفاء شعلة العدل والإطاحة بحقوق المواطنين الشرفاء الأبرياء.