تداولت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده أنّ الرئيس السابق ميشال عون أسمع وفد حزب الله برئاسة النائب الحاج محمد رعد كلاماً قاسياً، وأنّ المقابلة لم تكن وُديّة كما افترض أقطاب حزب الله، الذين تجشّموا مشقّة الصعود إلى الرابية، في طقسٍ عاصفٍ مُمطر، إلّا أنّ العبرة ليست فيما إذا كان عون قد أحسن وفادة أركان الحزب أو أساءها، بل هي في أوهام الطرفين أنّ مُجرد إحياء تفاهم مار مخايل بينهما يمكن أن يُصحّح أوضاع البلاد المنكوبة، بنبكةٍ أين منها نكبات الزلازل والعواصف، فمعظم اللبنانيين يعيشون تحت خطّ الفقر المدقع، ويكاد البلد يهوي نحو الإنهيار الشامل فيما لو استمرّت هذه الطبقة السياسية الفاسدة في حُكمه، والثابت أنّ المتحكّم بهذه الطبقة السياسية هي الثنائية الشيعية المتحالفة مع تيار الرئيس السابق ميشال عون، كما أنّ وهماً آخر شاع في الآونة الأخيرة بعد استفحال أزمة الشغور الرئاسي، يُصوّر هذا الوهم لجموع اللبنانيين أنّ مجرد الإتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يفتح الطريق لنهوض البلد من أزماته ومِحنه المستعصية، في حين أنّ الواقع بات أعقد وأصعب من مجرد تفاهم طرفين أو أكثر بين قيادات المنظومة الفاسدة الحاكمة، أو مجرد انتخاب الرئيس العتيد، فالبلد وِفق "الأطُر الإجتماعية للمعرفة" بات يعاني من مُعضلاتٍ مستعصية، يلزمها عشرات العقود من الزمن لِزحزحتها واستئصالها، وتكاد تتلخص في حالة "الانحطاط والجمود" الذي يُعانيه البلد، وهذا الانحطاط لا يُقرّرُه شخص، حتى لو كان في حجم السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، أو الرئيس السابق ميشال عون وصهره، أوحتى في حجم قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، أو الرئيس المُستنكف سعد الحريري.


الانحطاط يُقرّرهُ تيار تاريخي وبُنية اجتماعية بأسرها، فإذا جمدت بُنية المجتمع، مع انهيار المنظومات التعليمية والصحية والإنمائية والأمنية والقضائية، أو تكلّست وتراجعت، عندها يتكلّس الفكر ويتراجع، وإذا ما ازدهرت، ازدهر هذا الفكر وتألّق، المجتمع هو الذي يحسم الأمور وليس الفرد، كانت الأطر الإجتماعية مُنفتحة وحيّة ومُتوافرة في السنوات التي أعقبت الاستقلال عام ١٩٤٣، إبان حكم الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو، حتى بدأت هذه الأطر الإجتماعية تتقلّص وتنتكس مع "الطّفرة" العسكرية والأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق القاهرة عام ١٩٦٨، ومنذ ذلك الحين واللبنانيّون تائهون تابعون مُقلّدون، لا يمكنهم التمييز بين "العقلنة" المُنيرة، والعقلنة المُزيّفة للحقّ، المُقنّعة للواقع، والمؤسِسَة للمعارف الباطلة والسياسات الخاطئة، التي أودت بالبلد إلى حافة الهلاك والزوال.