أغلب دول العالم تمشي مع مسار التاريخ، ونحن نصر أن نمشي ضد مسار التاريخ، فأصبحنا مجتمعاً ضحيةً وجلاداً معاً.
 

ايمانويل كانط المتوفى سنة 1804ـ هذا الفيلسوف الهائل والإنسان الطيب كما وصفه الفيلسوف الكبير والمفكر "كارل بوبر" ـ آخر الفلاسفة التنويريين ـ قرنان ونيف وما جرى بينهما من صيرورة الحياة من قتل وفقر وحروب وانتصارات ونكسات وصدق وكذب ومراوغات وملاعنات واحتيالات واغتيالات، بل كل المآسي والويلات وعظائم الأمور إلى يومنا هذا، وبين ذاك الفيلسوف المعتزل في آواخر حياته وعمره، فهل أصبح طيفاً بعيد الظل والمدى عن اهتمام الانسان المثقف الواعي والمعاصر الذي يعي معنى الوجود في الحياة.؟.

 

 إنه تاريخٌ معرفي، علَّمنا كما علَّم الألمان أفضل وأنبل ما أنتجه العقل البشري من أفكارٍ تُبنى عليها الحياة الفاضلة والمحترمة والمستقبل الزاهر لبني البشر، إنه واضع قانون ما يُسمِّى "حقوق الإنسان" الذي تعلمت منه المجتمعات الراقية، إنه واضع "المساواة أمام القانون ـ المواطنة العالمية ـ لا حروب في الأرض بل للسلام على الأرض، لأنَّ هذه الأرض تسع كل أبنائها، فلماذا القتل والحرمان وإذلال هذا الخلق" بل إنه كانط، واضع التحرُّر من خلال المعرفة والعقل والتعقل والعلم والحرية والإحترام لأننا بشر. 

 

لكن يبدو أن لبنان لم يدخل بعد زمن كانط، ولا أفكار كانط، ولا أية دراسة أو أطروحة التي اجترحها قبل قرنين ونيف، إنه لبنان المصر على همجيته وتخلفه أن يبقى يعيش في ظلامية القرون الوسطى، التي لا يعرفها كانط ولا غيره، إنها تحيا في زمن ما قبل كانط، زمن العنف الغرائزي، والحقد الأعمى، والغش الفاضح، والسرقة الواضحة، واللامواطنة واللاعيش، وغياب القانون، والانسحاق أمام حفنة من دمية محنطة في السلطة، لبنان دولة لا تستحق وصف وتوصيف لفظة دولة، أصبحنا مجموعة بشر تجتمع للصدفة في البلد، لكننا لسنا شعباً بقادر على صنع ما يسمى (العقد الاجتماعي)، 

 

أصبحنا نعيش هواماً في أرضٍ يدفعنا فيها غريزة البقاء والتمسك بالرمق الأخير إلى فقدان الأسباب الحقيقية للحياة، المواطن في هذا البلد هو (كمٌ مهملٌ) في نظر هذه السلطة العفنة المحنطة، أصبحنا في هذا البلد كائنات (شمبنزية) بلا حقوق ولا حتى من يعترف بنا، وقابلين للإعتداء علينا بسبب وبغير سبب، وحتى من دون أي مسوِّغ.

 

 إنه كانط القائل:(ليس أشد هواناً على النفس من أن تطأطئ رأسها للعار والخزي، وأن يدفعها حب التمسك بالحياة إلى فقدان أسباب الحياة)، هل سيعود كانط ليجدنا قبل أن ننقرض؟. أغلب دول العالم تمشي مع مسار التاريخ، ونحن نصر أن نمشي ضد مسار التاريخ، فأصبحنا مجتمعاً ضحيةً وجلاداً معاً.