على وقع الانهيار المالي والازمات المتناسلة التي شملت معظم السلطات الدستورية ، وفي الوقت الذي غابت السلطة الاجرائية بخلو سدة الرئاسة ،واحتفاظ السلطة التشريعية بورقة التين الشرعية ، واستمرار السلطة التنفيذية ممثلة بحكومة تصريف الاعمال المحكومة في دائرة الشكوك والاجتهادات .   


وما حصل على مسرح القضاء من إشتباكات وإتهامات متبادلة يدعو للحزن على ما آلت إليه أحوال البلد، من فوضى وتسيب وتضارب وتطاول على الصلاحيات في مؤسسة سيادية، تعتبر الحارس الأمين للوطن، وملاذ العدل والحق للمواطنين .

 

المسألة تتجاوز الإعتبارات المهنية والقانونية والشخصية، إلى ما هو أدهى وأشد خطورة على كيان الدولة وسلامة مؤسساتها الأساسية، وفي مقدمتها السلطة الثالثة الممثلة في القضاء


لا يمكن عزل المعركة الدائرة في القضاء عن الحرب التي يتعرض لها لبنان، من الداخل ومن الخارج والهادفة إلى ضرب قواعد الدولة، وتفكيك أواصرها، على إيقاع النغمة القديمة ــ الجديدة، التي تعزف على اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، وصولاً إلى الضجيج المفتعل حول الفيدرالية وأخواتها في التقسيم ودفن صيغة لبنان وطن الرسالة التي بشر بها البابا التاريخي يوحنا بولس الثاني عشر في إرشاده الرسولي رجاء جديد من أجل لبنان .

 

مسلسل الإنهيارات يتسارع في ظل غياب سلطة فاعلة، وفي مرحلة شغور رئاسي، وتعثر حكومي، وعجز متزايد في الإدارات العامة للدولة، مما فاقم التراجع الدرامي لليرة اللبنانية، وأطلق الدولار في رحلة المئة ألف، بعيداً عن قدرات اللبنانيين على تحمل أعباء وتداعيات القفزة الجديدة للعملة الخضراء، وإنعكاساتها على الأسعار، وعلى لقمة عيش شعب إنحدرت أكثريته الساحقة تحت خط الفقر.


المشكلة أن المصطادين في مستنقعات الطائفية الآسنة سارعوا إلى رمي شباكهم، مستغلين الصراع المحتدم في المؤسسة القضائية، لإضفاء الصبغة الطائفية بخبث ماكر، وتحويل المواجهة من إطارها القضائي، وما علق به من ألوان سياسية، وتصويرها وكأنها منازلة جديدة في اللعبة الطائفية اللعينة .

 

لقد خسر لبنان ميزاته التفاضلية في التعليم الجامعي، وفي الإستشفاء العصري، وفي التفوق الثقافي والإعلامي، وحتى في القطاع المصرفي مؤخراً . 


ان التدهور السريع للاوضاع في البلد مرده الى التراجع الكبير في قدرات البلد على الحماية الذاتية ،نتيجة سلسلة الانهيارات التي تعصف به منذ اكثر من ثلاث سنوات وجعلته فاقداً للمناعة امام الصدمات على انواعها .


ان غيبوبة الدولة المستمرة منذ فترة، وما ينتج عنها من مضاعفات إنعدام الوزن، ومشاحنات سياسية وحزبية وشخصية، تهدد بتداعيات خطيرة على الوطن والكيان، بدأت ملامحها تظهر من بعيد في العودة إلى طروحات الفدرلة والتقسيم، التي تردد أصداؤها في الواقع السياسي الراهنالامر الذي يسرع خُطى سقوط لبنان في حفرة الدولة الفاشلة، التي يقف على مهوارها في السنوات الأخيرة. 


 ختاماً ليس أمام اللبنانيين اليوم كما الأمس، سوى تبادل التنازلات بدل العنتريات، فلا السلاح يعدل النظام لصالح حامله، ولا الجنوح الى توسيع الفدرالية صوب التقسيم يحمي مروجيه. لا بد من الاقتناع ولو لمرة منذ الاستقلال، بأن الطائفيّة لا تصنع وطناً، وأن لُبنان بحاجة إلى مشروع استعادة الدولة والى العمل الجاد لإلغاء الطائفية على مراحل، وبناء دولة عادلة، مع فصل حقيقي للسلطات، وبعض كرامة وطنية .