من حقّ بهاء لا بل من واجبه السعي لإنقاذ شعبه ووطنه، لكن لا يجوز له تكرار أخطاء سعد صحيح أنّ قدوم بهاء الحريري إلى لبنان ضروريّ لكنّ الأهم الرؤية التي سيقدّمها للبنانيي
 

من مفارقات السياسة في لبنان أن يُعطي البعض لأنفسهم “حقّ النقض” لتحديد مسار العمل السياسي بما يتلاءم مع أهوائهم ونزواتهم الشخصية، وأن يُنـَصِّبوا أنفسهم “مرجعياتٍ” مقرِّرة في أحقيّة وصلاحية المتقدّمين للشأن العام، بينما شكّلوا نموذجاً فاقعاً في العجز عن إدارة المسؤوليات التي توَّلوها في التمثيل النيابي وفي مرحلة ما بعد الخروج الفاشل للرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي.

 

لماذا كلّ هذا الحقد على بهاء الحريري؟

من غير المفهوم، لماذا يشنّ المتربِّصون ببهاء الحريري الحروب الاستباقية عليه، ويرمونه بالفشل ثمّ يشنّون عليه الحملات ويلقون عليه أثقال الافتراء والأحكام النـّمطية التي يستخدمها بعض الساسة في لبنان عندما يريدون إلغاء الآخرين.
إذا كان بهاء الحريري فاشلاً في نظر الذين وضعوا أنفسهم في خانة الخصومة معه، فلماذا يقيمون له كلّ هذا الاعتبار، ولماذا تُعقد الخلوات وتُنظّم الحملات لاستهدافه وقطع الطريق عليه، عند كلّ محطّة أو استحقاق؟!


ربّما يُقلق هؤلاء المثيرين للغبار من أن يتمكّن بهاء الحريري من إحداث الاختراق في الواقع السياسي السني تحديداً، خاصة أنّه يتمتع بصفاتٍ شخصية وعامة تمكّنه من وضع مقاربة لهذا الواقع تستجيب لمتطلّبات اللحظة العربية والدولية وتصبّ في اتجاه وقف الانهيار المسيطر على الحياة العامة في البلد، وفي استعادة التوازن الوطني المفقود، بسبب تجارب هؤلاء المناصبين العداء لابن رفيق الحريري.
ما يمتاز به بهاء الحريري هو أنه رجل لا يغريه المال ولا المنصب.. إنه رجل اعمال ناجح حافظ على ثروته ونماها.. نظيف الكف، ومؤمنٌ بالحلال والحرام.

كما أنّه استطاع أن ينجح حيث فشل الرئيس سعد الحريري، الذي أضاع مجد أبيه، والأخير هو الذي يجب أن يوجَّه إليه خطاب التنحي والاعتزال النهائي، وإلى من يسعون إلى تبييض صفحاتهم معه على حساب أخيه وبشكل فاقع.

كيف تكون هزيمة بلا معركة؟

زعم هؤلاء أنّ بهاء الحريري تلقّى الهزائم بالجملة والمفرّق، لكن السؤال هنا: هل خاض الرجل أيّ استحقاق أو مواجهة ليخسرها، وحتى يُقال إنّه هُزم، وقد اعتمد في انتخابات 2022 أن يوفر بجهوده رافعة للمعارضة في كلّ لبنان من دون أن تكون له لوائح مباشرة حتى لا تـُضرَب الوحدة الممكنة والمتاحة للمعارضة.

منّاعون للخير

ما ليس مفهوماً لدى من يديرون هذه الحرب على بهاء الحريري هو أنّهم لا يريدون العمل في السياسة، أو يخشونه بعد أن وضعوا أنفسهم في مواضع الشبهات، وهم يراعون الرئيس سعد الحريري في اعتزاله، ولا يمدّون الأيادي لأيّ تجربة إصلاحية نهضوية في الشارع السنيّ، بل تراهم منّاعين للخير أقرب إلى المعتدين، بسبب ما يكيلونه من افتراء وتحامل غير مبرَّر على الرجل.

فلماذا لا تدَعون الرجل وشأنه، فإذا نجح يكون نجاحه مكسباً للجميع، وإذا لم ينجح فيتحمّل مسؤولية ما ذهب إليه، ويكون قد نال شرف المحاولة.

من حقّ بهاء أن يعمل في السياسة ولا يجوز له تكرار أخطاء سعد

من حقّ بهاء الحريري أن يعمل في السياسة، لا بل من واجبه السعي لإنقاذ شعبه ووطنه، لكن لا يجوز له تكرار أخطاء سعد، سواء من خلال البطانة أو من خلال السياسات، فالتجربة لا تزال ماثلة والكوارث الناتجة عنها لا تحتاج إلى توضيح. فتنقية الصفوف والمثابرة على استقطاب الطاقات في مختلف المجالات أمر أساس، وهو المدخل الصحيح لإحياء النبض في الجسد السني المنهك بالهزائم المصطنعة، والالتحام مع قضايا الناس هو المدخل لفتح أبوابهم وقلوبهم.
من العناصر الهامة في مقاربة بهاء الحريري للواقع أن يأخذ العبرة من فشل محاولات سعد تغريب أهل السنة وفرض مشاريع مخالفة لثقافتهم وانتمائهم، وعزل دار الفتوى وتحويلها منصة تأثير سياسي، وهذا ينبغي أن يجد له مكاناً في الخطاب والأداء السياسي المبكر، وهذا ينسجم مع طبيعته الملتزمة والتوّاقة دائماً للشراكة الوطنية الجامعة، وهذه المعادلة مفقودة مع مجموعة قامت بمغامرات استهدفت هوية المجتمع السنيّ وأثبتت غربة من سوّق لها عن بيئته التي يفترض أنّه يمثّلها.

إنّ إصرار البعض على اعتبار أنّ الحضور الشخصي لبهاء الحريري إلى لبنان، في هذه الظروف بشكل خاص، قد تكون شبيهة بتلك الدعوات التي صدرت إلى جبران تويني للعودة إلى البلد، والجميع يعلم كم كانت مؤلمة نتائج تلك الدعوات.